رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيد أبوزيد يكتب: مصر اليوم فى عيد

جريدة الدستور

غنتها الفنانة الراحلة شادية بصوتها المصرى الأصيل والعذب، ووجدت نفسى أرددها هذه الأيام بكل فخر واعتزاز بقواتنا المسلحة مع قرب ٢٥ أبريل، وهو يوم تحرير سيناء الذى تم فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢، واستكمل باسترداد طابا عن طريق التحكيم الدولى فى ١٥ مارس ١٩٨٩.
سيناء، كما جاء بوصف جمال حمدان فى كتابه «شخصية مصر»، ليست صندوقًا من الرمال، كما يتوهم البعض، إنما هى صندوق من الذهب، مجازًا كما هى حقيقة، فسيناء على مر التاريخ موقع للمعارك الضارية مع الغزاة، وإذا كان ماء النيل هو الذى يروى الوادى، فالدم المصرى كان وما زال هو الذى يروى رمال سيناء، فسيناء كانت وما زالت مطمعًا للكثير من الدول وعلى الأخص الحركة الصهيونية الأمريكية، وذلك لطبيعة موقعها، حيث تشغل حيزًا استراتيجيًا فى خريطة التوازنات الدولية والإقليمية منذ فجر التاريخ نظرًا لموقعها الحاكم فى خريطة الشرق الأوسط، فهى رقعة من اليابسة الوحيدة التى تقسم المنطقة العربية إلى شرق وغرب، وترتيبًا على ذلك فهى بمثابة حلقة الاتصال بين الشطرين فى ظل الظروف الإقليمية المستقرة، وسد فاصل بينهما تحت ضغط هذه الظروف السياسية والعسكرية، فسيناء ملتقى القارتين الإفريقية والآسيوية والجسر البرى الذى يربط بينهما، الأمر الذى جعلها منذ القدم ممرًا للقوافل والجيوش الغازية وتأخذ شكل المثلث تستلقى قاعدته الشمالية على امتداد البحر الأبيض المتوسط «من بورفؤاد غربًا إلى رفح شرقًا» أما رأسه فيقع جنوبًا فى منطقة رأس محمد «التى تبعد وبطول يبلغ قرابة ٢٠٠ كم عن ساحل البحر الأبيض بحوالى ٣٩٠ كم» ويبلغ امتداد الحد الغربى لمثلث سيناء حوالى ٥١٠ كم «ويشمل هذا الامتداد خليج السويس وقناة السويس» أما امتداد الحد الشرقى فيصل إلى نحو ٤٥٥ كم، ويشمل خليج العقبة والخط الوهمى للحدود السياسية الشرقية لمصر» وتبلغ المساحة الكلية لشبه جزيرة سيناء حوالى ٦١ ألف كم مربع، أى ما يقارب من ٦٪ من إجمالى مساحة مصر «مليون كم مربع».
كما لسيناء صلة وثيقة بالأديان السماوية، حيث عبرها سيدنا يوسف وإخوته وأبوهم، كما مر عيسى عليه السلام عبرها إلى مصر ومنها عاد إلى فلسطين، كما اخترق الجيش الإسلامى طريق سيناء حتى تمكن من فتح مصر عام ٦٣٩م، وتعد سيناء بوابة مصر الشرقية، وأدخلت الحركة الصهيونية العالمية سيناء فى إطار الوطن التوراتى لإسرائيل فهم يعتبرونها أرض التيه، دلالة على تشتيت اليهود وتيههم فى أرض سيناء بعد خروجهم من مصر. وتتعمد الدراسات الصهيونية ذكر المعالم الجغرافية الواردة فى قضية الخروج «خروج بنى إسرائيل» مثل حمام فرعون وعيون موسى وجبل موسى وطور سيناء وأطلقوا التعبير الصهيونى «سيناء فلسطين مصرية» بغرض إدماج سيناء فيما يعرف بفلسطين الكبرى بانتزاعها من انتمائها المصرى الأصيل وتكريس وضع سيناء داخل أسطورة أرض المعاد وإنشاء إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وترديد إعادة توطين أهل غزة فى سيناء، فأطماع الصهاينة فى أرض سيناء قديمة وتظهر بجلاء فى عبارة هرتزل الموجزة «مؤسس الدولة اليهودية» ضرورة إيجاد مستعمرات وجاليات يهودية كبيرة فى شرق البحر المتوسط لدعم الموقف الصهيونى فى فلسطين، إذ يعتبرون أن سيناء ذات مساحة واسعة يمكن أن تفى بالأغراض الصهيونية خصوصًا استيعاب مهاجرين جدد، ففكرة الاستيطان اليهودى بدأت منذ عهد السلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانونى فى القرن الـ١٦ نظرًا لأهمية سيناء كمحطة ربط الولايات العثمانية فى شمال إفريقيا، ومن هنا برز مشروع بول فريدمان للاستيطان بين عامى ١٨٨٢، ١٨٩١ بإقامة مستوطنة يهودية تحت اسم «أرض مدين» إحياءً للمصطلح القديم الذى ورد فى العهد القديم نسبة لأرض مدين التى فر إليها النبى موسى، وطرح فريدمان إنشاء قناة تربط بين حيفا على البحر المتوسط بالعقبة على خليج العقبة وصولًا إلى البحر الأحمر وذلك لضرب قناة السويس وأعقب ذلك البعثة الصهيونية لمصر التى وصلت لسيناء فى مطلع عام ١٩٠٣ والمكونة من خبراء فى مختلف المجالات فى المناجم والزراعة ومكثت عدة أسابيع وانتهت فى تقريرها إلى ملاءمة سيناء لكى تكون وطنًا لليهود، انطلاقا من أن سيناء أرض تكاد تخلو من السكان وأن المشروع الاستيطانى محاولة للتعمير.. ومن هنا لم يكن بغريب اعتداءات إسرائيل المتكررة على سيناء سواء ١٩٥٦ عقب قيام مصر بتأميم قناة السويس وحدوث العدوان الثلاثى وإجبار إسرائيل على الانسحاب من سيناء ثم عدوانها الغاشم على البلاد العربية فى عام ١٩٦٧، والتى بدأت بغارات استهدفت نهر الحاصبانى لمنع تحويل قسم من مياهه إلى مجرى نهر الليطانى وكان الغرض تدمير المنشآت العربية على المجرى الأعلى لنهر الأردن وسد خالد بن الوليد على نهر اليرموك واحتلال سيناء وهضبة الجولان السورية لأسباب عسكرية ومائية والضفة الغربية والاستيلاء على الجنوب اللبنانى فى ١٩٧٨ ثم ١٩٨٢ من أجل التحكم فى مياه نهرى الليطانى والورانى.
ومعركة تحرير سيناء بدأها الجيش المصرى منذ سبتمبر ١٩٦٨ وحتى السادس من أكتوبر ١٩٧٣، وفى ٢٥ أبريل ١٩٨٢ تم رفع العلم المصرى على مدينة رفح بشمال سيناء وشرم الشيخ بجنوب سيناء وإعلان هذا اليوم عيدًا قوميًا مصريًا، إلا أن علينا الاعتراف بأنه رغم هذه التضحيات أهملت الأنظمة السابقة سيناء، الأمر الذى أدى إلى عشعشة طيور الظلام والتنظيمات المتطرفة التى خرجت من أحشاء جماعة الإخوان المسلمين قبل أن يبدأ الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إقامة مشروعات عملاقة للتنمية وربط سيناء بجسم الوطن الأم.