رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منتصر (2) «غلطة» صلاح جاهين.. كيف عاش أحمد زكى تحت رحمة على سالم؟

جريدة الدستور

يموت صلاح جاهين، فينهار أحمد زكى.
كان جاهين أكثر من مُرشِد فى حياة الفتى القادم من أبرد مكان فى العالم، وهو يعرف أن هناك حلمًا جميلًا فى انتظاره. قدّمه لبطولة مسرحية حين كان طالبًا مستجدًا بمعهد فنون مسرحية، وكتب «شفيقة ومتولى» لسعاد حسنى، بشرط أن يكون زكى بطلًا كى يعوِّضه عن طرده من بطولة فيلم «الكرنك» لأنه «أسود»، ولا يجوز أن تحبّ سعاد حسنى ولدًا أسود. يجب أن تحبّ نور الشريف.
وفق زكى، «جاهين أبويا، ولم أتمكن من رؤية والدى لأنه مات وعمرى سنتان ولكن لو كتب القدر لحياته أن تطول أعتقد أنه لا يمكن كان هيبقى معى زى الأستاذ صلاح فى عطائه اللامحدود، والذى غرق كثيرًا فى بحور همى وهموم الآخرين ولم يكن بيننا من يسعى للتعرف على هموم هذا الرجل، الذى فتح لنا بيته وحياته وقلبه وكل ما يملك، وكلنا كنا نأخذ منه، وهو لم يأخذ من أحد شيئًا».
هَجَرت هالة فؤاد زوجها كثيرًا، وفى إحدى المرات، غضبت وغادرت بيتها، فعاند، وكان جاهين يريد أن يفعل شيئًا سارًا فى حياته بعد نجاته من جراحة بالصدر، فخرج من المستشفى سرًا، وعرض عليه أن يذهب معه إلى الإسكندرية فى مهمة عمل. وافق، ولم يكن يدرى بـ«خطة صلاح»، التى ألقت به أمام كابينة هالة فؤاد فى المعمورة: «ركب معى سيارتى، وذهبنا، وطرق باب إحدى الكبائن ففتح حماىَ الباب، ووجدت صلاح يقول لى: (ادخل يا ولد، صالح مراتك)، فارتبكت، ونفذت كلامه لأنه غالى علىّ جدًا».
غادر جاهين الكابينة، وعاد وحده إلى القاهرة، انحشر بجسده السمين رابعًا فى الكرسى الأخير من ميكروباص فى طريقه إلى القاهرة «وهو يتألَّم من الجهد الذى تحامل على نفسه وبذله.. أبويا مستحيل يعمل كده».
ظهرت أعراض الغناء على أحمد زكى.أوشك أن يحترف الطَرَب بسبب رباعيات جاهين «التى حفظناها عن ظهر قلب، وكنا نردِّدها ونحن نمشى بعد منتصف الليل ندبّ بأحذيتنا على الطرقات والشوارع الفارغة من الزحمة والبشر ونشعر بأن المستقبل سيكون لنا دون أن يكون لدينا دليل واحد على ذلك»، طبقًا لعادل حمودة.
ولم يكن جاهين - بالنسبة له- «مجرد صديق يلعب دور الشقيق، وظلت بينهما علاقة روحية مذهلة، استمرت بعد رحيل جاهين، وبقى على اتصال به من العالم الآخر، يزوره فى المنام وقت الأزمات المرضية الحادة التى تعرض لها.. زاره وهو فى لندن يجرى عملية المرارة، وزاره فى القاهرة وهو يعالج من كسور مضاعفة بسبب حادث سيارة.. لكنه.. لم يزره فى مرضه الأخير، فقلق أحمد زكى، وظلّ ينتظره كل ليلة لأكثر من سنة.. لعله يطمئنه.. أو يشجعه.. أو يفتح له بابًا من أبواب الأمل.. لكن انتظاره طال».
ما الذى جرى لأحمد زكى؟
شعر بالخيانة، هَجره صلاح جاهين دون استئذان فى الانصراف، وعاد إلى الإحساس باليُتْم، فبدأ رحلة البحث عن «أب جديد». علاقته بعلى سالم قديمة، تمتدّ من الأيام الأولى لـ«مدرسة المشاغبين»، حين حلَّ زكى فى دور «الولد المضطهد»، وبدا أنه مضطهد فى حياته ويشعر بقسوة القاهرة وأهلها، فتلمَّس سالم خيوطه كى يصطاده ويتبنَّاه، لكن علاقته بصلاح جاهين منعت استمرار العلاقة. مدَّ أسلاكًا تحت الأرض مع «ربيب تل أبيب» قبل أن يعلنه أبًا روحيًا. بطبيعة شخصيته، يبدو سالم رجل علاقات عامة، ساحرًا، يقول كلامًا مؤثرًا، ويحاول أن يقنع الناس بما يريده كى يسيطر عليهم، ولأن زكى شاب بسيط، كان يعتبر ما يسمعه من على سالم «تعليمات صارمة لا بد أن ينفذها».
رسم رأى سالم موقف أحمد زكى تجاه الورق، الذى يعرض عليه. كان يمرِّر كل سيناريو إلى الأب الروحى الجديد حتى بدَت الموافقة مرهونة بإشارة من يد على سالم.
يقول مصطفى محرم إن «الموافقة كانت تتم كثيرًا بشروط.. ملاحظات ووجهة نظر فنية، فإذا وافق عليها المخرج والمنتج، يقوم على سالم بتنفيذها، ويعدّل على ورق الكاتب الأصلى، ثم يبدأ زكى العمل».
وفى حالة رفض المنتج أو المخرج «يرفض أحمد زكى العمل وحدث ذلك فى فيلم (البيه البواب)».
بدا أن على سالم يقول ملاحظات كى يتدخّل فى الأعمال السينمائية، التى فشل فى اختراقها ككاتب؛ قدَّم عدة أعمال، وفشلت. ويلمّح محرم إلى أنه واحد ممَّن خدعوا أحمد زكى وضلّلوه كى يحقق «مكاسب فنية» بطريقة «مسمار جحا».
كتب سيناريو «البيه البواب» يوسف جوهر، وكان لدى على سالم نهاية أخرى يرى أنها أفضل، عرضها أحمد زكى وتشاجر بسببها مع واصف فايز وحسن إبراهيم (المخرج والمنتج): «يرتعش وهو يروى المشهد، ويتحدث بإيمان عميق حتى كادت المشادة الكلامية تتحوّل إلى خناقة بالأيدى حتى تتغير النهاية إلى معركة بين البوابين، كل يحمل الدكة التى يجلس عليها لنصرة زميلهم البواب بطل الفيلم ضد بعض المحتالين وطلب ٤٠ بوابًا بأربعين دكة».
انتهت معركة «البيه البواب» بصرخة المنتج «بيتى هيتخرب»؛ لأنه «دفع أموالًا كثيرة ثم توقف الفيلم»، وانتقل الورق إلى على سالم كىْ يقوم بتعديله مقابل أجر كبير حتى يرضى زكى، ويبدأ التمثيل.
واحترقت «أوراق سيناريوهات» كثيرة كان يمكن أن تضاعف مَجْد أحمد زكى بسبب «تحكُّم على سالم».