رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سيرة الوجع".. ضحايا السرطان والهجر: أزواجنا وأحبتنا تركونا بعد المرض

جريدة الدستور

«ألم الغدر أقسى من ألم المرض».. هذا هو الوصف المناسب لهؤلاء الضحايا اللاتى بدّل السرطان والغدر وجه حياتهن، وأنهى أحلامًا وردية، وكشف زيف محبين وأزواج تخلوا عن رفيقاتهم، بعد أن ذهب المرض بجمالهن، وفرض على وعود الحب والإخلاص اختبارًا مفاجئًا.

«الدستور» ترصد ٣ قصص لسيدات ابتلاهن الله بالسرطان، وفشل أزواجهن أو رفاقهن فى اختبار الوفاء، وفضلوا الهرب، لتجد الضحايا أنهن يواجهن المرض بمفردهن، دون سند أو رفقة تهوّن الألم، بل مع طعنة فى الظهر بيد حبيب زائف.

سمر أساء معاملتها ثم انفصل عنها.. ووالدها مات حزنًا عليها

٣ سنوات فقط كانت كفيلة بتغيير حياة سمر هاشم، التى تبلغ من العمر ٢٥ عامًا، من محافظة الإسكندرية، بعد أن انفصل عنها زوجها بسبب اكتشاف إصابتها بـ«السرطان»، كما توفى والدها حزنًا عليها.
عانت «سمر» مرتين، الأولى بسبب مرضها، والثانية عنما تخلى عنها زوجها ورفيق حياتها.
تقول: «كان زوجى سعد محاميًا، وكنت قبل ٤ أعوام جميلة الشكل، لدى شعر غزير، ووقتها قابلته صدفة، ووقعنا فى غرام بعضنا، وبعد عدة أشهر قررنا الارتباط بشكل رسمى وأخذ خطوة جدية فى علاقتنا، وبالفعل تقدم إلى خطبتى، ووافق والدى، ثم أعلنا الخطوبة، التى استمرت عامين تقريبًا».
وتضيف: «عاما الخطوبة كانا من أجمل أعوام حياتى، ثم انشغلت فى التجهيز لزواجى وتحضيرات العرس وترتيب عش الزوجية وفرشه، وكنت فى هذه الأثناء أشعر بالدوار والتعب، ولكنى لم أكن أهتم كثيرًا، واعتقدت أن نوبات الإرهاق التى أتعرض لها سببها الضغط النفسى والمجهود البدنى الذى كنت أبذله، ثم عقدنا نية الزواج وحددنا موعد ليلة العمر، التى تمت فى نهاية العام ٢٠١٧».
وتواصل: «بدأت أعراض الدوار والإرهاق تزيد، خاصة بعد الزواج، ولكنى لم أكن أشعر أحدًا بما أعانيه، وكنت أتجنب الحديث عن أعراض الإرهاق أمام زوجى.. كنت أعتقد أن الأمر بسيط، وأنه سينتهى مع مرور الوقت، إلى أن أقنعتنى شقيقة زوجى باستشارة طبيب، وإجراء الفحوصات اللازمة للاطمئنان، وبالفعل عملت بنصيحتها، لتحدث الصدمة التى غيرت حياتى، اكتشفت أننى مريضة بسرطان الدم».
تقول: «فى تلك اللحظة شعرت بالاختناق، ضاقت بى الدنيا، لم أر إلا السواد، وتملكنى اليأس تمامًا، وحينها لم أكن قادرة على إخبار زوجى بحقيقة مرضى، فطلبت من شقيقته أن تفعل ذلك نيابة عنّى، وعندما أخبرته، انتظرت أن أرى رد فعله، لكن شيئًا لم يحدث، لم يقل أى شىء».
وتضيف: «حالتى الصحية والنفسية ازدادت سوءًا بمرور الأيام، لم يكن المرض هو السبب، ولا الأيام التى تمر دون تحقيق أى تحسن، لكن معاملة زوجى التى تبدلت كانت هى كل الأسباب. تحولت معاملته معى تدريجيًا للأسوأ، تحول إلى إنسان آخر لم أعرفه. كنت أقول لنفسى أنا لم أتزوج هذا الشخص الجاحد، وبحثت عن زوجى الذى سمعت منه كلمات المدح ووعود الحب قبل أن يعرف بمرضى، فلم أجده. كنت أشعر بفشلى التام. فشلى فى اختيار شريك حياتى، وفشلى فى التعافى من مرضى».
واختتمت: «انفصلنا.. انفصل عنى بعدما علم بمرضى. لم أحزن عليه. كان حزنى الأكبر على اختيارى له وانخداعى فيه. بعد مرور حوالى ستة أشهر كانت الصدمة الكبرى هى موت والدى. أعتقد أنه مات حزنًا علىّ وعلى حظى، كان دائمًا يرانى وحيدة أصارع فى هذه الدنيا وحدى».

سماح اكتشفت الكارثة فى فترة الحمل.. وماتت بعد تهديده بتركها

قصة أخرى، روتها لنا زينب مدحت، عن صديقتها «سماح»، التى رحلت بعد أن وضعت مولودها الأول.
تقول: «كانت سماح من أعز صديقاتى. كنا نسكن فى شارع واحد، وكبرنا وتربينا سويًا. كانت تتحلى بخلق طيب، وكنت أئتمنها على جميع أسرارى، وكنا نتسامر سويًا كثيرًا، حتى نجحت فى الالتحاق بكلية الطب، وتخرجت لتصبح طبيبة متميزة وماهرة للغاية. لا أقول هذا لأنها صديقتى، ولكن هذا ما قاله زملاؤها فى فترة الدراسة والعمل طبيبة لأمراض الباطنة».

وتضيف: «لا توجد أى فتاة إلا وتحلم بليلة زفافها على حبيبها، وسماح كان يتقدم لخطبتها كثير من الشبان ممن تحلم أى فتاة بالارتباط بأحدهم، ولكنها كانت ترفضهم جميعًا، لأنها لم تكن تفكر فى الزواج على قدر انشغالها بمستقبلها وعملها، إلى أن دقّ قلبها لطبيب كان زميلًا لها فى الكلية، وفى المهنة أيضًا فيما بعد. وبعد محاولات كثيرة منه لإقناعها بالزواج وافقت، وارتبطت به، ومع الوقت بدأت تحبه، واعتقدت سماح أنه هو أيضًا كذلك».

تواصل: «عندما كان عمر سماح ٢٦ عامًا، انعقد قرانها على هذا الطبيب. كانا يعيشان حياة مستقرة، هكذا كانت تحكى لى عندما أسألها عن حياتها وعن زوجها، لا أعتقد أنها كانت تكذب علىّ، فأنا أعرفها جيدًا، أعرف حين تقول الحقيقة وأعرف حين تكذب. وبعد فترة أخبرتنى بأنها فى انتظار مولودها الأول».

وتقول: «فى أواخر أيام حملها، كانت تجرى فحوصات وتحاليل طبية مكثفة، للاطمئنان على حالة الجنين، وفى هذه الأثناء اكتشفت بالصدفة أنها مصابة بسرطان الدم. كانت صدمة لنا جميعًا، وبدأت حالتها الصحية تسوء شيئًا فشيئا، وتملك منها اليأس، وكانت تخشى أن يخطفها الموت قبل أن ترى مولودها وأن ترعاه».
وتختتم: «ماتت سماح بعد أن وضعت مولودها. لا أعتقد أنها ماتت بسبب السرطان، لكن كان زوجها هو سبب موتها. لأنها بعد أن وضعت رضيعها، بدأت الخلافات تدب بينها وبين زوجها، وفى هذه الأثناء تدهورت حالتها الصحية بشكل متسارع، ومن ناحية أخرى كان أهل زوجها يحرضونه على الانفصال عنها، بحجة أنها أخفت حقيقة مرضها عنه، وخدعته، إضافة إلى أنه سيتكبد نفقات وجلسات الكيماوى المكلفة، وهو ما لا ذنب له فيه. كان الله رحيمًا بها، فرحلت بعد أشهر من وضع مولودها».

مروة خطيبها افتعل الشجار وطلب «الشبكة».. وتركها يوم العملية

قصة ثالثة روتها لنا مروة حسن، صاحبة الـ٢٣ سنة، من محافظة الجيزة، التى تخلى عنها خطيبها، وافتعل الشجار بعد أن عرف بمرضها.
تقول: «كان أهل خطيبى السابق جيراننا، يسكنون فى الشارع الذى أعيش فيه مع أسرتى، كانوا أكثر من جيران، وكنا نعتبرهم أهلنا، وخلال الزيارات المتبادلة، تعرفت على ابنهم الذى كان يبلغ من العمر ٢٨ سنة، فتقدم لخطبتى. لم أكن أحبه فى البداية، وكانت علاقة روتينية، ولكن بعد خطبتنا تعرفنا على بعضنا أكثر، وبدأت أحبه تدريجيًا».
وتضيف: «فى أكتوبر من العام ٢٠١٧، حددنا موعد زواجنا، ليكون فى العام التالى، وبدأنا بالفعل فى تجهيز شقتنا، وترتيب أمور الزفاف، وفى هذه الأثناء بدأت تنتابنى نوبات من الألم فى منطقة البطن، لكننى لم أكترث كثيرًا للأمر، وكنت أقول لنفسى إنها بسبب الإجهاد فقط».
وتستطرد: «فى سبتمبر من العام ٢٠١٨، تبدلت الأحوال، خاصًة مع اقتراب موعد الزفاف، ونزولى بشكل يومى لشراء أغراض الزواج واستكمال جميع تحضيراته. بدأت نوبات الألم وقوته تزداد بشكل لم أستطع احتماله، فذهبت للمستشفى لاستشارة طبيب باطنة، وهناك طلب منى الطبيب إجراء بعض الفحوصات والتحاليل والأشعة اللازمة. وقتها شعرت بالخوف والقلق، لكنه طمأننى وقال لى إنه إجراء روتينى».

تواصل: «ذهبت بالفعل لإجراء التحاليل والفحوصات فى اليوم التالى، وكانت الصدمة هى اكتشاف ورم بحجم كبير على الرحم. لم أستوعب ما قاله الطبيب لى، واعتقدت أنه ليس شيئًا خطرًا، إلى أن قال لى إنه يشتبه فى أن يكون الورم خبيثًا، ونصحنى بإجراء تدخل جراحى بسرعة حتى لا يزداد الأمر سوءًا وتنتشر الخلايا السرطانية فى أماكن أخرى».
تقول: «تدريجيًا بدأت معاملة خطيبى لى تسوء، خاصًة بعدما أخبرته بشأن مرضى، وبالتحديد وجود ورم على الرحم، وأن الطبيب يشتبه فى أن يكون خبيثًا، ولكن سيتضح ذلك أكثر بعد إجراء العملية. فى هذه الفترة كانت التحاليل تشير إلى سوء حالتى الصحية، وأصبحنا نتشاجر بشكل يومى تقريبًا، وبسب أشياء تافهة».
وتضيف: «فى تمام الثالثة عصر يوم أحد، دخلت المستشفى لإجراء العملية، وكان يعلم بموعدها، ولكنه قرر الانفصال عنى، وأرسل رسالة لأسرتى يطلب فيها استعادة الشبكة والهدايا التى قدمها لى فى السابق، وكانت حجته فى ذلك أننى أسأت له، وأخطأت فى حقه كثيرًا، وأنه لم يعد يحتمل، ولا يرغب فى الاستمرار».
وتختتم: «بعد أسبوع تقريبًا، خرجت من المستشفى دون آلام، ودون ورم، ودون خطيبى. وبعد فترة أثبتت التحاليل أن الورم كان حميدًا، وأننى أصبحت بصحة جيدة، وكنت فى غاية السعادة وحمدت ربى كثيرًا، ليس فقط على شفائى من المرض، ولكن لأنه كشف لى حقيقة هذا الشخض قبل زواجى منه مباشرة. هذا الشخص لم يفكر هو أو أى من أفراد أسرته فى السؤال عن حالتى كجيران حتى. لست حزينة عليه. الحمد لله. كانت تجربة صعبة، لكن نجوت منها».

أستاذة علم اجتماع توصى المصابين: اخرجوا وانطلقوا.. لا تستسلموا للاكتئاب
قالت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سامية خضر صالح، إنّ هناك كثيرًا من السيدات اللاتى تعرضن للإصابة بهذا المرض اللعين، فضلًا عن تعرضهن لتخلى أزواجهن عنهن، ليصبن بعدها بحالات اكتئاب شديدة، ونوبات نفسية مزمنة، ليس فقط بسبب المرض، ولكن بسبب تخلى الأشخاص الذين اعتقدن أنهم سيقفون بجانبهن عنهن، فى محنتهن.
ونصحت المريضة بالتفاعل مع المجتمع والانغماس مع كل فئاته، والمشاركة فى الفعاليات والجمعيات الأهلية، والتطوع فى المبادرات والحملات التى تطلقها بعض المؤسسات الخيرية لمساعدة الغير، لتشارك بنفسها فى تقديم الدعم الاجتماعى والنفسى لغيرها.
بدوره، قال أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، جمال فرويز، إن الحالة النفسية لمرضى السرطان أمر فى غاية الأهمية، وأن الدعم النفسى قد يكون أهم من العلاج الدوائى نفسه، لأنه ينعكس على الحالة الصحية، مشيرًا إلى ضرورة شعور المريضة بدعم والتفاف زوجها وأولادها حولها، لأن هذا يساعدها على الاستجابة بشكل أسرع للعلاج والأدوية.
واختتم أستاذ الطب النفسى: «فى بعض الحالات المتأخرة قد يفكر المريض فى الانتحار، وفى هذه الحالة أنصح الأهل بسرعة التوجه إلى مستشفى أو مصحة لتلقى العلاج النفسى اللازم».