رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أفهم!

جريدة الدستور

قررت أن أفهم، أغلقت جهاز التلفاز، نزلت إلى الشارع، غلالة المساء كانت تحط بهدوء، أضواء المقهى البلدى الباهتة انسكبت ببطء فوق الرءوس المنشغلة بتحريك قواشيط الطاولة، ومتابعة مباراة فى الدورى الإنجليزى أمام شاشة التلفاز الجديدة. أصوات مكبرات الصوت تزعق بقوة تنادى الناس لصلاة المغرب، وامرأة شابة ضرب البؤس بشرتها وثيابها، منكوشة الشعر، طفقت تصيح وتستغيث هالعة من ملاحقة رجل ضخم الجثة، يشهر سكينًا كبيرًا ويتوعدها بصوت قوى. وشاب أنيق جدًا، شارك فى الثورتين، قادم لتوه من لقائه مع خطيبته التى شاركت فى الثورتين أيضًا وقد ركب الوجوم والإحباط تفاصيل خلايا جسده، سحب مقعدًا، انضم الى المتفرجين الذين يتابعون مباراة كرة القدم، رمقتنى عيناه، أخبرتنى أن حائطًا كبيرًا تمت إقامته بعناية، يحجب المقدرة على الدهشة والفهم. الشارع يفتح شهيته للبؤساء والبلطجية وأولئك الذى يسعون لفهم أحشائه، لكنى جفلت بسرعة عن امرأة مسنة حاولت توقيفى لتعرض مشكلتها أملًا فى المساعدة، وأخرى على الجانب الآخر كانت ترقبنى وهمت بتوقيفى طمعًا فى المساعدة أيضًا. عجلت الخطى مجازفة ورغم ذلك انزلقت قدمى فى حفرة من حفر الشارع وتجندلت على الأرض، هرع ثلاثة من الشباب نحوى، ردوا لى استقامتى فوق الأرض مصحوبة ببعض الخبطات والاحتكاكات التى اعتبرتها بريئة، الغرض منها تنظيف ملابسى من الغبار والروث الذى علق بها. قفلت بسرعة عائدًا الى المنزل اخفى نفسى تحت الدش. اكتشفت أننى عدت من دون هاتفى النقال، وحافظة نقودى المحشوة بأوراق هويتى الشخصية والخاوية من النقود.