رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معاك يا أهلي


حاولت طوال الأيام الماضية أن أفهم سر زعل جمهور نادي الزمالك من إعلان "معاك يا أهلي" الخاص بشركة "وي"، راجعت الإعلان مرارا، وتابعت ردود الأفعال بين أصدقائي وأقاربي وزملائي الأهلاوية والزملكاوية، كما حاولت أن أتقصى الأمر عبر شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها عينة عشوائية، وبالمثل تابعت ردود الأفعال الرسمية الصادرة عن إدارة القلعة البيضاء.
بعض الزملكاوية، ومنهم مجلس إدارة النادي، رأوا أن مشهد العريس الأهلاوي وعروسه صاحبة الفستان الأبيض والقميص الأحمر من تحته، ترمز لنادي الزمالك. وهذا أمر في قمة الغرابة، لأنه من الطبيعي أن تلبس العروس فستاناً أبيض، ومن الطبيعي إذا ما أرادت أن تعبر عن أهلاويتها أن ترتدي قميصا أحمر، ومن هنا جاءت المشكلة، فقصر مدة اللقطة أوهم البعض بأن هذا الأبيض والأحمر هما شعار ورمز الزمالك، في حين أن من يأتي باللقطة ويثبّتها سيعرف جلياً أن الأمر ليس كذلك وأن المعنى في تلك اللقطة هو أن زوجين أهلاويين اختارا أن يحضرا حفل زفافهما بألوان ترمز لانتمائهم للقلعة الحمراء! هل ارتدت العروسة خطين أحمرين؟ لم يحدث ذلك.
طيب هل يرتدي لاعبو الزمالك أكماما حمراء كما كانت العروسة في الإعلان؟ أبداً. فبالله كيف أتى هؤلاء بذلك التفسير؟ وإذا كان الأمر كما زعموا فلماذا لم يقم أحدهم بمقاضاة الشركة لا سيما وأن رئيس النادي فقيه قانوني؟ وفي ظني أن هذا التفسير لتلك اللقطة يرجع إلى المكايدة المستمرة بين الجمهورين.
بعض الجماهير الأهلاوية استغلت المشهد ليناكفو الزملكاوية بالتفسير الذي يقول أن هذا المشهد هو دخلة رجل أهلاوي على فتاة زملكاوية. لكن منذ متى كانت آراء الجماهير مقياساً للصحة والخطأ؟ فقبل أسبوع واحد فقط زعم بعض الأهلاوية أن جمهور الزمالك هتف أثناء مباراة اتحاد طنجة المغربي: "السادسة يا زمالك"، ليسخروا ويناكفوا الزمالكاوية على اعتبار أن الجمهور الزملكاوي لا يفرّق بين بطولة دوري الأبطال التي حصد الزمالك لقبها خمس مرات كثاني الأندية الإفريقية بعد الأهلي فوزاً بتلك البطولة، بينما كانت مباراة طنجة تُلعب على قوة بطولة الكونفدرالية الإفريقية.
إلا أن الحقيقة هي أن جمهور الزمالك في لفتة نبيلة هتف "في الجنة يا سباعي" في إشارة للمعلق الرياضي الكبير الراحل محمد السباعي، إذن الجمهور ليس مرجعاً، وليس حكماً، بل في الأغلب ما يسوقه الوعي الجمعي والرغبة في المكايدة المتبادلة
وفقاً لشركات ومراكز متخصصة مثل "إبسوس" لأبحاث التسويق و "نيلسون سبورتس" لدراسات التسويق الرياضي و "مركز بصيرة" لقياسات الرأي العام، فإن جمهور الأهلي يشكل أغلبية كاسحة بين جمهور الكرة في مصر، بنسبة تناهز الـ 70% أو أكثر. بينما تتراوح نسبة جمهور الزمالك من 15% في الوجه البحري إلى 21% بالوجه القبلي و 28% بالمدن الحضرية بمتوسط 20% تقريباً. وربما توفر هذه الأرقام إجابة بخصوص رد فعل بعض جماهير الزمالك، إنها ثقافة الأقلية، ثقافة التشكّي الدائم، حتى لو كانت تلك الأقلية تحكم أو تتصدر أو تشارك بانتظام في مسارات الكرة المصرية.
في دراسة قيمة بعنوان "التأثير الاجتماعي والتغيير الاجتماعي" أجراها خبير علم النفس المجتمعي ومؤسس بيت العلوم الاجتماعية بفرنسا (سيرج موسكوفيتشي)، وأصدرها في العام 1976 عن الناشر "أكاديميك بريس"، وفي دراسات أخرى للعالم ذاته، وضّح موسكوفيتشي أبعاد العلاقات النفسية والتأثير المتبادل بين الأغلبيات والأقليات، وجاء في تلك الدراسة (والعهدة على موسكوفيتشي) أنه من الخصائص النفسية والسلوكية للأقليات إصرارها على تبني خطاب المظلومية، وتمسكها بذلك، بغية التأثير في الأغلبية، وفي السياق العام، وطعن اطمئنان أهل الأكثرية لكثرتهم.
يمكنك رصد ذلك مع العديد من الأقليات حتى وإن كانت تلك الأقلية أقوى من الأكثرية أو تحكمها، وهذا ما يمكن رصده مثلاً في حالة أكراد العراق الذين ترأسوا البلاد إلا أنهم مصرين على مظلوميتهم التاريخية بل ويحاولون الانفصال عن العراق. مثال آخر: العلويون في سوريا أقلية تقل عن 5%، ويحكمون البلاد منذ عقود، ويصرون على التشبث بالحكم بدعوى ضمان سلامتهم الشخصية أمام أغلبية كاسحة من المسلمين السنة، وللحق فإن الطائفة العلوية تعرضت للكثير من التنكيل على مر تاريخها، لكن ذلك كان من قِبل العثمانيين تارة والإسماعيليين (الطائفة الدينية لا النادي) تارة والمماليك تارة.. فكيف يبرر ذلك مظلوميتهم التي يشهرونها في وجه باقي الطوائف السورية الكبرى الآن، وهم يحكمون البلاد؟
هذا بالضبط ما أراه متجسداً من شرائح من الزمالكاوية سواء الجمهور أو إدارة النادي.
الواقعة الشهيرة للحكم الراحل محمد حسام الدين ومساعده عبد الرءوف عبد العزيز وإلغائهما لهدف سليم للزمالك في مرمى الأهلي، ما ساهم في تغيير مسار البطولة إلى القلعة الحمراء. حدث ذلك قبل قرابة الأربعين عاماً، ومنذ ذلك التاريخ والأقلية تعمد لإشهار مظلوميتها في أي موقف. واقعة قديمة موشومة في الذاكرة الزمالكاوية. هو حق لهم، لكن ما ليس حقاً هو النواح المتجدد في كل لحظة وتوظيفه دائماً في التنافس الأزلي بين القلعتين الحمراء والبيضاء. لأن القائمين على الإعلان لن يقعوا في فخ التقليل من نادي كبير كالزمالك، ولا التقليل من المرأة باعتبار أن التواصل الجنسي معها (حتى لو بين زوجين شرعيين كما في الإعلان) نوع من التسليع والتقليل من قيمتها، لأن التواصل بين ذكر وأنثى أمر لا ينتقص من هذا ولا ذاك لا سيما وقد جاء في إطار شرعي.
أما بخصوص تغيير المدير التنفيذي للشركة، بعد أيام من إذاعة "معاك يا أهلي"، فأعتقد، أن المنطق يقول بأن الشركة لو فعلت ذلك لأنها ترى أن الرجل أخطأ في حق الزملكاوية، الطبيعي أن تنشر بياناً توضح فيه ذلك وتعتذر. لتسترد ثقة جماهير الزمالك. وهو ما لم يحدث.
في ظني، وقد أكون مخطئاً، يرجع هذا الزعل الزملكاوي إلى المعايرات والمكايدات بين الجمهورين خلال فترة الاكتساح الأهلاوي لكل البطولات المحلية والإفريقية أثناء عهد مانويل جوزيه وغيره من المدربين. وقد شهدت تلك المعايرات تشبيهات ومجازات جنسية حول انتصارات الأهلي المتتالية على الزمالك، الأمر الذي ترسّب في وعي وذاكرة الجمهور الأبيض، وطفا على السطح الآن بعد هذا الإعلان.
لكن تلك المعايرات الشعبية الجماهيرية لا يجب أن تتحول إلى مظلومية جديدة يشهرها أبناء ميت عقبة ليل نهار وعلى مدار السنوات.. لأن النواح لا يؤدي إلى نتيجة. العمل وحده يؤدي إلى النتائج المرجوة.