رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب داود يكتب: الطاووس.. هل تجاهل معرض الكتاب عبدالمعطى حجازي؟


كثيرًا ما أسأل نفسى: «متى يتوب الله عليك من داء التدقيق فى كل ما تقرأ من أخبار، وتقارير، ومقالات رأى؟»، وكثيرًا ما أرد: «وإذا حدث ذلك، هل سترضى وقتها؟»، لتأتى الإجابة: «لا أظن، ولا أظن أن أحدًا سوف يصدق هذا السؤال من الأصل، ولا حتى أنا».
ربما تضايقنى بعض الخسارات الناتجة عن الكتابة تعليقًا على ما أراه من سوء تقدير، أو قصدية لبعض الأصدقاء، أو الزملاء، دون توافر المعلومات الصحيحة، أو بتجاهل هذه المعلومات رغم توافرها، وإتاحتها كاملة غير منقوصة، وربما لا أهتم بما يحدث بعدها، أيًا كان، وأيًا كانت النتائج، والحقيقة أننى بالفعل لا أنتظر إشارات الرضا والقبول، ولا ألتفت لردود الفعل الغاضبة، أو الرافضة لما أكتب، اللهم إلا فى حالات شديدة الندرة، ومقصورة على عدد شديد المحدودية من الأصدقاء.
وما حدث أننى كنت على موعد مع حالة من تلك الحالات النادرة صباح الجمعة الماضى، فقد أزعجنى كثيرًا المقال الذى كتبه صديقى الشاعر عزمى عبدالوهاب بالملحق الثقافى لجريدة «الأهرام»، وانزعجت أكثر بعد البحث، والتنقيب، عما ورد بالمقال من معلومات مغلوطة، ولا أساس لها من الصحة، ولا علاقة لها بالواقع، أو بما يحدث بالفعل.
المقال يستند إلى معلومات تفيد بتجاهل إدارة معرض القاهرة الدولى للكتاب الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، والتعامل معه باستخفاف، فكتب تحت عنوان «تاريخه يتجاوز تجاهل معرض الكتاب.. حجازى وعمر من الشعر الجميل» أنه «يحدث فى مصر فقط، أن تكتب تاريخك على أنقاض الآخرين، إذا كنت شاعرًا، فلا شعر إلا ما تكتبه أنت، وإذا كنت واحدًا فى شلة، فالتسامح سيدفعك للاعتراف بالآخرين، داخل إطار هذه الشلة فحسب، نحن لا نحترم تاريخنا؟ نعم هذا يحدث كثيرًا، نحن نهين ما يمكن أن نطلق عليه رموزنا الثقافية؟ نعم هذا يحدث كثيرًا، فلدينا شاعر كبير هو أحمد عبدالمعطى حجازى، يتعامل معه المسئولون عن العمل الثقافى باستخفاف، رغم أنه، كأبسط الأمور، يستحق أن تقام له أمسية شعرية بمفرده، فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، وفى قاعة تليق باسمه وبمنجزه الأكبر؟ ما يحدث عكس ذلك، رغم أن حركة التجديد الشعرى، المعروفة باسم حركة الشعر الحر فى منتصف الخمسينيات، تم اختزالها فى فرسى رهان فقط، صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى».
ولأننى أعرف جيدًا قيمة شاعرنا الكبير، ومنجزه، وجدتنى وسط حشد من الأسئلة، وعلامات الاستفهام المربكة: هل حدث فعلًا أنه تم تجاهل حجازى، والتعامل معه باستخفاف؟! ألم تحاول إدارة المعرض الاتصال به؟! أو وضعه على خريطة الفعاليات التى شملت جميع من أصابتهم حرفة الكتابة فى بر مصر؟! هل فعلها فعلًا الدكتور شوكت المصرى، المشرف على فعاليات اليوبيل الذهبى للمعرض؟! وهل أقره الدكتور هيثم الحاج على، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب على هذا التجاهل أو الاستخفاف؟! أم أن صديقى الشاعر والكاتب الصحفى عزمى عبدالوهاب كتب ما كتب دون توثق مما لديه من معلومات؟! أم أن جريدة «الأهرام» نشرت ما نشرت من باب أن كل ما يقوله «أهرامى» هو اليقين والصواب، فما بالك باثنين من كتاب «الأهرام»، أحدهما من أعمدته، هو حجازى، ولا بد من الانتصار له «ظالمًا أم مظلومًا»؟!
ولأننى أثق تمام الثقة فى حسن تقدير الاثنين، شوكت المصرى وهيثم الحاج على، وأعرف تمام المعرفة مدى محبتهما وتقديرهما للشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، لم أرتح لما قرأت، ولم أصدق أن أيًا منهما يمكن أن يتجاهل، أو يقلل من أهمية حضور حجازى هذه الدورة المهمة من عمر معرض القاهرة الدولى للكتاب، فبدأت رحلة التنقيب والبحث، فكانت صدمتى التى جعلتنى أقف مرتبكًا، فجدول ندوات المعرض يبدأ بأمسية هو نجمها.. هى الأمسية التى كان مقررًا أن يشارك فيها مساء نفس يوم افتتاح المعرض، ومعه الشعراء أحمد بخيت، وأحمد عنتر مصطفى، وسمير عبدالباقى، وعلى منصور، وكلاوديو بوتزانى من إيطاليا، وموسى حوامدة من الأردن، وهى الأمسية التى فوجئ الجمهور بغيابه عنها، دون اعتذار معلن، ودون أسباب، إلا عبر خبر صغير نشره موقع «الأهرام»، يقول فيه حجازى لمحرر مؤسسته «إن أحدًا لم يتصل به، ولم يتم إخطاره بموعد الأمسية، ولا بأسماء المشاركين فيها»، مضيفًا: «لا أعرف هؤلاء المسئولين عن المعرض، وعن هيئة الكتاب، وليس بينى وبينهم أى شىء يفسر هذه المعاملة».
هنا حجازى يغالط نفسه، فهو نفسه من قال بعدها إن سبب اعتذاره هو أن أحدًا «لم يؤكد معه الموعد»، وهذه تختلف عن الأولى، وتعنى أنه تم الاتصال به، وإبلاغه بالموعد، وبالمشاركين فى الأمسية، وما لم يحدث هو «تأكيد الموعد» فقط.. ربما لم يعجب حجازى، الذى وصفه الراحل الكبير خيرى شلبى بـ«الطاووس»، أن يشاركه آخرون فى الأمسية، وربما أراد ليلة له وحده، أو لقاءً منفردًا، وهذا حقه، لكن من قال إنه كان على إدارة المعرض أن تخمن قبوله، أو قدرته على مثل تلك السهرة، وهو الذى يكمل عامه الرابع والثمانين فى يونيو المقبل؟ وهو نفسه، حجازى، الذى غاب عن أمسيته فى معرض العام الماضى، موضحًا أن السبب هو نقل مكان الأمسية، وأنه حاول الاتصال برئيس الهيئة «حتى يتم تدارك الأخطاء لكن لم يجبه أحد من الهيئة»، وهذه أيضًا تختلف عن الأولى، وتعنى أنه يعرف المسئولين عن هيئة الكتاب، الذين لم يتغيروا من العام الماضى، ويتصل بهم، ويتصلون به. هو حجازى الذى غاب كثيرًا عن فعاليات لتكريمه، أو الاحتفاء به لأسبابٍ عديدة من نوعية «عدم التأكيد» أو«تغيير المكان».
فى مقاله الذى يصفه بأنه «كتابة تريد التنويه عن حجم الجريمة التى ترتكب فى حق هذا الشاعر الكبير»، يقول صديقى الشاعر عزمى عبدالوهاب: «أحب حجازى الشاعر، الذى اشتريت أعماله الكاملة، طبعة دار العودة ببيروت، بستة جنيهات من مكتبة بوسط القاهرة، ودخلت بيته، وعملت معه فى مجلة (إبداع)، ونشر لى فى المجلة، دون أن يعرفنى».
وأقول له: وأنا أحب حجازى، الشاعر الكبير الذى التقيته مرات قليلة، فعانيت من فتنة المرور بجواره طويلًا، وانتشيت بصحبته المبهجة، واستمتعت بإنشاده الشعرى، ونشر لى أيضًا دون أن يعرفنى، وأحب عزمى عبدالوهاب الذى عشت بمعيته أجمل سنوات عمرى، وتصادقنا سنين عديدة، فأحببت قصائده، ومداومته على كتابة الشعر، فى زمن كزماننا، لكننى أحب الحقيقة أكثر، وأحب تدقيق ما لدىّ من معلومات، والتوثق منها، لا أحب الظلم، أو التحامل على كل عمل لمجرد أن به شيئًا لا يرضينى، أو لا يُرضى ذائقتى، وتصوراتى عن الحياة.. ولكننى أعرف جيدًا أنه لم يحدث أى تجاهل لدعوة الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى للمشاركة «المميزة» فى الدورة الخمسين لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، لكن هناك أسبابًا تخص الشاعر الكبير، لم يعلنها، منعته من الحضور، وأظن أنه من حقنا جميعًا أن يعلنها هو، أو تعلنها إدارة فعاليات اليوبيل الذهبى للمعرض.

على الهامش: حكاياتان ودعابة سمجة
ربما لا يذكر الكثيرون مشاحنة جرت فصولها قبل عشرة سنوات بالتمام والكمال، وتحديدًا في بدايات 2009، مع الأيام الأولى لملتقى القاهرة الثاني للشعر العربي، والذي ذهبت جائزته إلى أحمد عبدالمعطي حجازي، كاسرةً كل التوقعات، بل وأساسيات منح الجائزة التي تشترط أن يكون للفائز بها إنتاج شعري جديد في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما لم يكن ينطبق على حجازي، وما أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الثقافية، خصوصًا مع تولي حجازي رئاسة الملتقى، فضلًا عن منصب مقرر اللجنة المنظمة، وبالتالي مقرر للجنة التحكيم التي تختار الفائز، الأمر الذي دفع بالشاعر محمد عفيفي مطر، الذي كان مرشحاً للفوز بالجائزة يتقدم باستقالته من عضوية لجنة الشعر المنظمة الملتقى، وأدى إلى اعتذار الكثير من الشعراء المصريين والعرب عن الدورات التالية، مؤكدين في أسباب اعتذارهم أنهم يعتقدون أن عفيفي مطر كان الأجدر بالجائزة التي منحها حجازي لنفسه.
قد لا يعرف كثيرون أن صديقي شوكت المصري كان في مقدمة من أزعجتهم هذه الواقعة، بل وربما لازالت تؤلمه، رغم أنه وقتها لم يكن قد تزوج من "حبيبة محمد عفيفي مطر"، وحمل على عاتقة مسئولية جمع وطباعة الأعمال الكاملة للراحل الكبير، لكنني أعرف جيدًا أنه لا شوكت ولا هيثم الحاج علي ضمن من يخلطون الأوراق، أو تتدخل المشاعر الشخصية في مواقفهم، وإدارتهم للعمل العام، فهنا شأن يخص الثقافة المصرية كلها، ولا يحتمل الشخصنة، أو تدخل العواطف، والميول، أو الهوى.
هذه هي الحكاية الأولى، أما الثانية، فجرت فصولها مطلع الأسبوع الماضي، خلال مناقشة كتاب "كشك وعدوية.. أيام الوعظ والسلطنة" للدكتور محمد الباز، وخصوصًا في مداخلة الشاعر أحمد الشهاوي، وتحديدًا عند حديثه عن المقارنة بين نجيب محفوظ، وبين اسماعيل ولي الدين، إذ قال الشاعر "الأهرامي" إن مؤسسة "أخبار اليوم" كانت قد تبنت ولي الدين، في مواجهة تبني "الأهرام" لمحفوظ، مؤكدًا أن ولي الدين لازال حيًا يرزق، لكن أين هو؟ وما تأثيره أو وزنه ووزن منجزه الثقافي إذا ما قورن بمنجز وتأثير نجيب محفوظ؟ ورغم محبتي لنجيب محفوظ، ولموهبته الفذة، ومنجزه الكبير، وتقديري لرأي أحمد الشهاوي، لكنني لم أحب التقليل من منجز روائي كبير آخر، لمجرد أن كتاباته نشرتها مطبوعة منافسة.. فلم يكن الفضل لـ"الأهرام" في نبوغ محفوظ، ولم يكن ذنب "الأخبار" أن كاتبها لم يحظ بذات الموهبة، والقدرة الروائية.. لكن يبدو لي الآن أن هذا هو الحال، وهذه هي الرؤية "الأهرامية" التي لا ترى موهبة في غير منتسبيها.. ولكن من يدري؟ ربما أسأت فهم ما قاله صديقي الشاعر أحمد الشهاوي.
نأتي إلى الدعابة السمجة.. وهي موجهة لصديقي الشاعر المتفرد عزمي عبدالوهاب، الذي أحيله إلى مشادة حجازي ومطر، وأنبهه إلى أن الاثنين "منايفة" كما لابد أنه يعرف، حجازي من "تلا"، ومطر من "رملة الأنجب" ولابد أنه يعرف أيضًا "منوفية" شوكت وهيثم الحاج علي، أما هو فابن الدقهلية الذي طالما وعدته بمنحه الجنسية "المنوفية" لأسباب عديدة يعرفها، وبهذه المقالة يدخل كطرف أصيل في معركةٍ أعرف أن محركه في دخولها هو الشعر، وحده لا شيء غيره.. لكنني أقول له: "يابني احنا منايفة مع بعضينا.. إيه اللي جابك هنا؟"