رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأنبا مكاريوس.. أسد مصر


الأنبا مكاريوس، الأسقف الفعلى للمنيا وأبوقرقاص والمحبوب من شعبه، برغم محاولات البعض فصلهما!!، ليس هو فقط «أسد الصعيد» كما يُطلق عليه، بل هو بالحقيقة «أسد مصر»، إذ إنه يعرف ويعلم وظيفة الأسقف.
الراهب الذى يقبل الأسقفية هو فى الواقع يقبل الاستشهاد، وقد جاء ذلك فى التعهد الذى ردده يوم إقامته أسقفًا، فقال: «أنا الضعيف.. المدعو بنعمة الله لعمل الأسقفية الجليل، أتعهد أمام الرب رأس الكنيسة غير المنظور، بأن أثبُت على الإيمان الأرثوذكسى إلى النفس الأخير، وأن أخدم قوانين الكنيسة المقدسة التى وضعها الآباء الرسل الأطهار، والتى وضعتها المجامع المسكونية الثلاثة المنعقدة فى نيقية والقسطنطينية وأفسس، وكذلك القوانين التى اعتمدتها الكنيسة للمجامع الإقليمية، والآباء الكبار مُعلمو الكنيسة.. وأحاول أن أكون أنا نفسى قدوة للشعب فى كل عمل صالح.. وأتعهد أن أحب الرعية وأعاملها بالرفق والحكمة، ولا تكون لى فيها جماعة مختارة، على أن أهتم بالكل.. وأرعى بكل حرص هذه الرعية التى بين يدى سيطلب الرب دمها».
ولأنه أمين فى رسالته فهو لا يفرط فى هذا التعهد، بل أعاد إلى أذهاننا أعمال بطاركة وأساقفة الكنيسة الأولين بداية من القديس مرقس الذى سُفك دمه فى شوارع الإسكندرية، والبابا بطرس البطريرك ١٧ الذى قدم رقبته للسياف لينقذ شعبه، والبابا ديسقورس بطل الأرثوذكسية الذى تم نفيه وتكسير أسنانه من أجل المحافظة على الإيمان. لكن للأسف الشديد نسى كثير من الأساقفة ذلك التعهد النارى، وأهملوا رعاية شعبهم سعيًا وراء الأضواء!!، والبطريرك ما هو إلا أسقف الإسكندرية، وهو المتقدم فى الأخوة بين زملائه الأساقفة. لكن أضيف إليه لقب رئيس أساقفة، وهو لقب خاطئ ليس له أى معنى سوى السيطرة أكثر على جميع أمور الكنيسة، مع أن السيطرة الحقيقية تظهر فى مقدار التعب الذى يبذله فى خدمة أولاده بدون خوف من الاستشهاد ولا هروب من المسئولية!!، الأنبا مكاريوس يقدم لأبناء القبط خاصة، الصورة الرائعة لعمل الأسقف الجليل الذى لا يخشى الموت ووضع أمام عينه- بأمانة كاملة- أنه من يديه سيطلب الرب دم شعبه، أمر مخيف وجلل من يحتمله!!.
وعندما نطالع تصريحات الأنبا مكاريوس التى تكلم بها بشجاعة منقطعة النظير، قال: «١» نحن دائمًا نسعى للسلام والتهدئة، ولكننا نرفض الذُل والهوان والذُمية والتنازل عن الحقوق. «٢» سواء توجد كنيسة بروتستانتية أم لا، فهو أمر لا نناقشه، وإنما ما يعنينا هو توفير مكان لأولادنا ليصلوا فيه، إذ ليس هناك مبرر للانتقال إلى قرية أخرى للصلاة هناك. «٣» أعجب من استمرار معاتبة الضحية، لأنها تحتج على الظلم، بينما يُترك الجُناة دون عقاب، بل يتم التماس الأعذار لهم!. «٤» الذين يتطاولون علينا لا نرد عليهم بل نصلى من أجلهم، فلدينا قضية واهتمامات تستحق الوقت والجهد. «٥» إلى الذين يدّعون بأن هناك مخالفة فى إنشاء الكنيسة، فالجهة المنوط بها المراجعة، هى الدولة لا المتشددون. «٦» إن «الاتهام» الذى يوجهونه لنا هو أننا نرغب فى الصلاة، وهو حقُلنا.. ونحن فيما نصلى نطلب أيضًا من أجل مضطهدينا والمسيئين إلينا. «٧» العجيب أنه، وبعد الاعتداء علينا وغلق الكنيسة بحضور ممثلى الحكومة، وعدم ملاحقة الجُناة، يستمر آخرون فى توجيه الإهانات والسخرية!. «٨» اعتماد فكرة ومبدأ أن الجُناة معذورون بسبب الثقافة والجهل، وأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، من شأنه توفير المبرر لاستمرارهم فى التعديات، وطمأنتهم بأن لديهم متسعًا من الوقت لينفذوا المزيد من الهجمات. «٩» الكنيسة هى الصخرة التى تحطمت عليها كافة محاولات النيل منها، وفى هذه جميعها يعظُم انتصارنا بالذى أحبنا. «١٠» نثق أن الله سيتدخل فى الوقت المناسب، فهو يستطيع كل شىء ولا يعسُر عليه أمر. «١١» أكاليل يعدها الله للآباء الكهنة وكل قبطى وُجهت إليه إهانة من أى نوع، هكذا قال الرب: «طوبى لكم إذا اضطهدوكم وعيروكم..». «١٢» طالما أنه يتم التعامل مع كل مشكلة بمفردها لتنتهى كيفما تنتهى، وما دمنا نعتمد مبدأ التهدئة والتصالح فقط دون البحث فى الجذور، فلن نصل إلى حل، وستظل النار تحت الرماد، وسنظل ندور فى دائرة مغلقة. «١٣» من رحم الضيقات تولد أعظم البركات، والنور يأتى بعد أحلك ساعات الليل، والله دائمًا يأتى ولو فى الهزيع الرابع.
تلك هى المبادئ التى آمن بها الأنبا مكاريوس أو بالأحرى «أسد مصر»، ولا يستطيع أحد أن ينطق بتلك الكلمات إلا الذى وضع نفسه من أجل شعبه، فتحمل جميع الإهانات والآلام غير متطلع لأى مساندة من أحد، لأنه وضع نفسه فى حكم الموت، فهو «الراعى الصالح، والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف». أذكر أنه فى أوائل الألفية الحادية والعشرين سنحت لى الفرصة للوجود بالمنيا، وعن قرب رأيت الأنبا مكاريوس يخدم جميع أبناء المحافظة- سواء أقباطًا أم مسلمين، سواء أرثوذكس أم كاثوليك أن بروتستانت- بدون أدنى تمييز، وقد رافقته فى سيارته البسيطة فى التجول من قرية إلى قرية لتفقد أولاده والتعرف على جميع احتياجاتهم ويسدد جميع مطالبهم. وبسبب خدمته الأمينة هذه قام بعض الشباب التقى من الإسكندرية والقاهرة بتدبير احتياجات أبناء المنيا- فى فترة الأعياد وغيرها- وإرسالها إلى المنيا. وهناك فى المنيا وضع نظامًا فى المطرانية لتلقى المساعدات وتوزيعها حسب احتياجات كل قرية. لم يبدد أموال الفقراء فى رحلات أو زيارات أو علاج طبيعى بالخارج!!.
الأنبا مكاريوس لا يسعى- ولم يسع- لكلمة مديح من أحد، بل إنه يقدم نموذجًا للخادم الأمين فى رعاية شعب، فهو الذى يتوجه إلى الأسر الفقيرة فى منازلهم ويجلس ليأكل معهم على «الطبلية» ويجلس معهم على الأرض بدون تعالٍ، ولا ينتظر أن يتوجه أحد إليه لنوال بركاته!!. من الكلمات المأثورة للبابا شنوده: «أتعجب من الذى يقول للمضروب لا تبك، ولا يقول للضارب لا تضرب»!!، لقد انطبق على الأنبا مكاريوس الكلمة التى قيلت عن القديس يوحنا المعمدان «النبى يحيى»: «الرجل الذى آثر أن يكون بلا رأس، من أن يحيا بلا ضمير». هذا هو يوحنا المعمدان الجديد.