رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سنة 2018 شِعرًا



ليلة رأس السنة.. وليلة رأس المرأة..
يناير.. لا تحزن يا توأم الروح.. بعدك.. لا أتذوق طعم الأشياء.. ليس لى مزاج للاستمتاع
لا شىء يستحق الاهتمام.. حتى الكتابة ولذة الإبداع.. لا تحزن يا توأم الروح.
بعدك أقمت جدارا عاليا عازلا بينى وبين الأحياء والأموات.. لا أفتح الباب، لا أرد على الهاتف، لا زيارات لا مقابلات.. لا تحزن يا توأم الروح.. بعدك على الدنيا ألف سلام.
أنت فاتحة وخاتمة الأشياء.. لست بائسة.. أبصرت خداع الدنيا.. وكنت قبلا عمياء.
فبراير.. بكائى ليس ملكى.. ملك عيونى.. ابتساماتى ليست ملكى.. ملك شفاهى. حركاتى ليست ملكى.. ملك جسدى.. أحلامى ليست ملكى.. ملك قلبى. كتاباتى ليست ملكى.. ملك أصابعى.. أنفاسى ليست ملكى.. ملك صدرى. اختياراتى ليست ملكى.. ملك عقلى.. سعادتى ليست ملكى.. ملك مزاجى. كيف أجرؤ؟.. وأقول إننى «حر».
مارس.. كل يوم.. أستيقظ وأغفو على هذا القسم:
«لا تصالح مع هذه الحياة».. لا انتماء أبدا لهذا العالم».
أبريل.. أقع ألف مرة.. أنهض ولا أتوقف عن المقاومة.. وغيرى يقع مرة.. ينهض لكنه يبدأ فى المساومة.
مايو.. من عبث إلى عبث، من حماقة إلى حماقة، من ملل إلى ملل، من وجع إلى وجع من مرارة إلى مرارة، من أرق إلى أرق، من هم إلى هم، من قسوة الى قسوة من ألم إلى ألم، هذه هى الحياة، دون تجن أو أوهام، يعيشها الأحياء ومن قبلهم عاشها الأموات، ومن بعدهم منْ زال بالأرحام.
يونيو.. أفراح العمر.. ثملت من كأس الأحزان.
يوليو.. أحبك.. فى سكون الصمت.. وفى غناء.. عذوبة الصوت.. فى الفرح النادر.. وعنفوان شقائى الغادر. عندما يشربنى الظمأ.. أحبك عندما يلتهمنى السأم.. أحبك.
فى غربتى أحبك.. وفى يأسى.. فى وحدتى أحبك.. وارتواء كأسى.
أغسطس.. مهما كانت الإغراءات.. التى تحملها القطارات.. فلم أركب أبدا.. إلا قطار حياتى.
سبتمبر.. أنا.. فى شدة التعب.. وفى شدة الضجر.. جسدى تلبسه امرأة أخرى.. عقلى لا يطيع أوامرى.. ومزاجى لم يعد يشبهنى.. شىء ما أشربه مع فنجان القهوة.. مزيج من المرارة والرغبة فى الاختفاء.. رائحة ما تختلط بصفحات الجرائد.. مزيج من رائحة الدم ورائحة الكذب والسرقة.. سرقة ماذا؟.. لا أدرى.. سرقة الحقيقة؟، سرقة العمر؟، سرقة الوطن؟، سرقة الهدوء؟، سرقة الحبيب؟، سرقة الفرح؟.. لست أدرى. كل ما أدريه أننى «مستباحة» و«مسروقة» و«ضحية».. ومن حقى رفع قضية.. والمطالبة بالتعويض اللائق.. لكن قضية ضد منْ.. ضد ماذا؟.. ليتنى أعرف.
أكتوبر.. «زورونى كل سنة مرة.. حرام تنسونى بالمرة»، لا أدرى كيف أبدع سيد درويش.. هذا اللحن؟، إنه بالضبط على مقاس أشجانى.. كأننى أستمع إلى موسيقى بكائى.
نوفمبر.. والساعة متأخرة من الليل.. أجلس عند أقرب مقعد للنافذة.. لا شىء معى إلا أوراقى وحقيبتى وسجائر لا أدخنها.. وبكاء مؤجل منذ آلاف السنوات.. يسألنى شاب وسيم: «ماذا تشرب سيدتى؟».
أقول: «هل لديك قهوة جيدة؟».. يرد مبتسما:
«أفضل قهوة فى المدينة».. الليل يوغل فى ظلامه.. وقلبى يوغل فى التمنى.. ربما يحدث شىء خارق.. يبعد شبح الضجر عنى.. مع كل رشفة من فنجان القهوة.. أكمل سطورا فى قصيدة لا تنتهى.. أتأمل زجاج النافذة.. أحدق فى عمدان النور.. كأنها محطات حياتى.. لم أكشف عنها المحظور.. أخيرا تحن السماء بالمطر.. يملؤنى الفرح.. فأنا كل أفراحى.. ماء فى ماء.. أفرح بالمطر.. أفرح وأنا أسبح تحت الماء.. أفرح حينما أسافر إلى مدن البحر.. وأفرح كلما انتصرت حضارة الماء.. يسألنى النادل الوسيم:
«مزيدًا من القهوة؟».. قلت: «لو سمحت».. واصلت الكتابة: أنا امرأة المطر والقهوة والضجر.. أجلس وحيدة أنتظر عدالة القدر.. لا أريد العودة إلى البيت.. أريد متعة التسكع ولذة السفر.
ديسمبر.. متى يتوقفون عن الاحتفال ولو مرة واحدة برأس السنة.. ليحتفلوا برأس المرأة؟.