رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دور التقبيل في التاريخ.. كيف تتم "القُبلة المقدسة"؟

جريدة الدستور

بعد صلاة الصلح أثناء مراسم قداس الكنيسة الأرثوذكسية يقول الشمّاس: "قبلوا بعضكم بقبلة مقدسة، لأننا بعد صلاة الصلح، فإذا تصالحنا مع الله نتصالح مع بعضنا البعض".

ومن الظواهر المغلوطة، أن "القُبلة المقدسة" تشبه في أذهان الغالبية "التقبيل" بمعناه الشائع، لكن المعنى مختلف تمامًا، فالقبلة المقدسة التي يقصدها "الشمّاس" تتم عن طريق اليد، أي تتم القبلة بين المصلين الواقفين عن طريق السلام بكلتا اليدين وتُرد بالفم على اليد، والمعتاد أن الرجال يصافحوا الرجال والنساء يصافحوا النساء، ويردد بعضهم "المسيح في وسطنا" ويجيب الآخرون: "وهكذا يبقى حالًا بيننا".

وكما جاء في الدسقولية (كتاب مدخل في علم الآبائيات)، أن الشماس في لحظة التقبيل، ينادي بصوت عال: "إن كان لأحد شيء على الآخر؟ وكأنه يقدم تحذيرا أخيرا، حتى متى وجد شيء بين اثنين يقوم الأسقف بمصالحتهما".

لـ"القبلة" بوصفها شكلًا للتحية والسلام تاريخ طويل في الحضارة الغربية، مع مرجعيات تعود إلى العهد القديم والإغريق والرومان والشعوب الجرمانية، وكان المسيحيون الأوائل يتبادلون التحية بقبلة، وهذه "القبلة المقدسة" ما تزال تظهر في الطقوس الكاثوليكية، فهناك مثلًا مطران يقبل قسًا حديث العهد، وهو نفسه يتلقى قبلة حين يتم تكريسه، كما جاء في كتاب "جنون آخر" لممدوح عدوان.

أما التقبيل العلني، بقصد التحية، كان له تاريخًا طويلًا في الغرب، ففرسان العصور الوسطى يُقبلون عند ترسميهم فرسانًا، وظلت عادة تقبيل العروس شائعة في حفلات الزواج الغربية.

أما في الشرق فظل التقبيل بمعناه الشائع، محددًا في الخلوات الخاصة بين الجنسين، ثم بتأثير الثقافة الغربية صار التقبيل العلني أكثر ورودًا في كل من اليابان والصين وفي أواخر القرن العشرين، واتخذ التقبيل بوصفه وسيلة لإظهار المشاعر أشكالًا عديدة في الثقافات غير الغربية، ففي الأسكيمو والمجتمعات البولينيزية التقليدية (السكان الأصليون بكل من نيوزيلندا وجزر كوك)، كانت القبلة تتضمن حك الأنفين، بينما في جنوب شرقي الهند يتم ضغط الأنف على خد الشخص الآخر مع الاستنشاق العميق.

أعدت "سيلفيا بابين" عام 1984 أطروحة للدكتوراة في شيكاغو حول التقبيل وعلاقته بالإشباع الجنسي والإشباع الأمومي، وقالت إن التقبيل يعزز العلاقة أكثر من الفعل الجنسي، ولهذا يلاحظ أن المومسات يفعلن أشياء عديدة وغريبة لزبائنهن، ولكنهن يحجمن عن التقبيل.. حسبما ذكر ممدوح عدوان في كتابه "جنون آخر".

عقد في لندن مؤتمر حول دور التقبيل في التاريخ، وكان تنظيم المؤتمر بإشراف مركز بيدفورد الملكي في هولواي، وهو في الأصل مؤتمر عن تاريخ النساء، ودارت المناقشة حول مكانة التقبيل في الفن والثقافة منذ اليونانيين والرومان حتى الباريسين في الخمسينيات، وحددوا أن القبلة "عمل ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية"، واهتموا بتحديد معاني القبل، فهناك قبلة تعني "مرحبا"، وأخرى تعني "أحبك"، وثالثة: "أنا معجب بك"، ورابعة تعني: "أريد ممارسة الجنس معك".