رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"شخصية لها العجب".. صلاح عيسى حكاية صحفية من دفتر صاحبة الجلالة

صلاح عيسى
صلاح عيسى

«ذاكرة الأمة التي تمشي على قدمين» هكذا وصفوا مَن كتب عن شخصيات لها العجب وحاك بقلمه «حكايات من دفتر الوطن»؛ فهو واحد من خريجي مدرسة الصحافة المصرية الموسوعية؛ بعدما نجح بقلمه في أن يجمع بين الكتابة والتأليف والتاريخ في عبقرية تبقي رائعته حكايات من دفتر الوطن شاهدة عليها.

لم يكن ذلك العمل البديع إلا حلقة ممتدة من سلسلة مديدة من رحلة حافلة بالإبداع، أخرج منها الكاتب الراحل ما يقرب من 20 مؤلفًا أبرزها «مثقفون وعسكر» و«رجال ريا وسكينة».

بدأ عيسي مسيرته الصحفية بعد تخرجه في كلية الخدمة الاجتماعية عام 1961، كاتبًا للقصة القصيرة، وخلال تلك الفترة تناول في كتاباته العديد من القضايا الفكرية والتاريخية، قبل أن يتفرغ نهائيًا للعمل الصحفي في بداية حقبة السبعينات.

لم تكن البدايات الأولى لرحلة عيسي مع الإبداع، إلا حلقة من السير على الأشواك، بعدما اشتبك مبكرًا مع نظام ناصر خلال عام 1966، في تجربة قادته إلى غيابات السجن هو ورفقاؤه سيد حجاب وعبد الرحمن الأبنودي وغيرهما.

لكن تلك التجربة لم تمر بردًا وسلامًا على صلاح عيسى، فحسب الشهادة التي أوردها الكتاب الصحفي محمد العزبي في كتابه «الصحافة والحكم»، الذي كان واحدًا ممن طالتهم نار الاعتقال مع «عيسي»، أكد أن الكاتب الراحل هو أكثر من تعرض للتعذيب ضمن تلك المجموعة.

ورغم قسوة تلك التجربة ومرارتها، إلا أنه خلال رحلته ظل وفيًا للتجربة الناصرية، وكان أحد المدافعين بشدة عن الزعيم الراحل «جمال عبد الناصر»، مرجعًا السبب إلي انجازات الزعيم التي قدمها لوطنه.

كان صلاح عيسى أحد الذين شملتهم قائمة اعتقالات سبتمبر الشهيرة، حيث كان معارضًا بشدة لاتفاقية كامب ديفيد.

لصلاح عيسى العديد من التجارب الصحفية التي اقترنت باسمه مثل تجربته في جريدة الأهالي و«الثقافة الوطنية»، لكن تبقي تجربته في جريدة القاهرة هي درة التاج التي تزين مسيرته خلال رحلته مع صاحب الجلالة.

لكن الصحفي المتوهج صاحب القلم الذي ينبض بالنضال؛ توقف نشاطه الثوري طيلة العقدين الأخيرين من فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك؛ فلم يعد هو ذاته القلم الذي لا ينجو فسادا من لدغاته؛ فقط انحسرت اشتباكاته على القضايا الثقافية والمعارك الفكرية.

في كتابه "حكايات من دفتر الوطن" قدم "عيسي" تفسيرا لشخصية المحامي المصري الشهير إبراهيم الهلباوي؛ والذي وقف في صف الاحتلال البريطاني مدافعا بكل ما أوتي من قوة عن جنوده، وكان لمرافعاته الفضل الأكبر في أحكام الإعدام التي طالت رقاب بني وطنه.

يقول عنه صاحب "الإهبارية": «كان "الهلباوي" ابنا وفيا للثورة العرابية شارك فيها وعاش معها عدد من الأحلام الكبرى تمثلت في وطن تسوده قيم المساواة والعدالة؛ قبل أن يصحو على كابوس انتهي بفشل تلك الثورة، ونفي قادتها ومحاكمة أبنائها الذين شاركوا فيها.

وقتها أيقن المحامي الأشهر في القرن العشرين بأنه الأمل مفقود في الإصلاح؛ فاختار أن يرفع شعار"أنا ومن بعدي الطوفان"؛ وهو النهج الذي صار عليه طيلة فترات حياته.

فقط؛ يمكنك أن تطبق بعضا ممن قرأت في السطور السابقة على موقف صلاح عيسي من عهد "مبارك"؛ فالنظام نجح في سد شرايين الحياة السياسية، جاعلًا من إقامة حياة ديمقراطية وسيادة القانون دربًا من خيال.

ربما لذلك السبب انزوي عيسي بعيدًا عن الجو السياسي، مفضلًا الخوض بكلماته في القضايا المتعلقة بالشأن الثقافي؛ لكن قبل أن يرحل عيسي يبدو أن القدر أراد أن يرد له بعضا من رحلة كفاحه؛ بعدما وقع الاختيار عليه لرئاسة المجلس الأعلى للصحافة (الهيئة الوطنية حاليًا) في واحدة من أصعب فترات الدولة المصرية.