رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إدوارد الخياط

جريدة الدستور

- قالت: الجزائر تذكرنى بالإسكندرية. هل تعرف، سآخذك معى إلى الإسكندرية، أليست بلدة حبيبتك؟ وأغرقك بالبحر؟
ماذا تقول لحبيبتك التى سوف تغرقك فى البحر؟ تقول: أغرقينى... بالطبع هذه الأمواج التى نريد جميعًا أن نغرق فيها، دون أن تغص حلوقنا بالماء المالح، غرقًا ناعمًا هادئ النبرة. أو غرقًا عاصفًا متقلبًا يفقد به المرء نفسه وتطيش عيناه. تقول لا لن أغرق أبدًا؟ وأنت منذ الآن قد خبطت القاع الرملى بالفعل، واستقر جدثك واعى العينين تحت ثقل أطباق من الموج لا تطاق.
قالت: أنا كالعنقاء التى يحكون عنها، تجدد ذاتها فى مياه البحر.
قال لنفسه: فى مياه البحر، فى معمودية النار.
قالت: فى ملح البحر، وصمته وشمسه المحرقة، ونعومة قمره.
قال لها: دائمة الشباب، تخرجين من المياه المحرقة كل مرة فى غضاضة الصبا الجديد.
وقال لنفسه: هذه المرأة باقية لا تزول، هى بنفسها تضع أرقام الزمن، وفق ما تمليه حاجاتها الداخلية، بِرْكة الحب المشتعلة هى الينبوع الذى ترى فيه الزهرة وجهها القمحية مترقرقة أبدًا قريبًا من سطح الماء. وقال فى نفسه: هى لا تعود أبدًا لشىء مضى، ولا تذكر أبدًا، لا تقول إن شيئًا قد حدث وانقضى، كل شىء عندها الحاضر، كل لحظة تبدأ عندها من جديد، كأن الماضى لم يحدث أبدًا، وبالتالى لم ينس ولم يذكر لأنه لم يكن هناك أصلًا. كل حكاياتها فى الحقيقة تجرى بالفعل المضارع، ولا تعرف المستقبل أيضًا، لا تراه يوجد.

من رواية «راما والتنين»