رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بشير الديك: «سواق الأتوبيس» قصتى.. وكتبت اسم محمد خان عشان صاحبى وياخد فلوس

بشير الديك ومحررة
بشير الديك ومحررة الدستور

عاطف الطيب قادر على أن يبكيك ويضحكك بحركة من الكاميرا.. وخان دايمًا مستعجل فمشتغلناش مع بعض كتير
كتبت «الكبار» فى التسعينيات قبل تقديمه فى 2010 و«صحابى ماتوا.. هشتغل مع مين دلوقتى؟»


كان القدر قاسيًا على بشير الديك أكثر مما ينبغى.
أخذ منه عاطف الطيب فكان طبيعيًا أن ينتقل إلى «مواقع المتفرجين»: «هشتغل مع مين؟!.. أصحابى كلهم ماتوا».
٢٣ سنة تقريبًا توقف خلالها «بشير» عن الكتابة للسينما قبل أن يقرر أخيرًا قطع خلوته ليعمل على فيلم جديد يتعاون فيه مع المخرج الكبير مجدى أحمد على. «الدستور» التقت الكاتب الكبير فى حوار خاص، استرجع فيه حكاياته مع عاطف الطيب ومحمد خان، تحدث عن أبطاله عادل إمام، وأحمد زكى، ومحمود عبدالعزيز. لم يفوت الفرصة وأدلى برأيه فى حال السينما والتليفزيون الآن، وكشف العديد من الأسرار الخاصة بمجموعة من «الملاحم السينمائية» التى يحتفظ بها فى أرشيفه.

■ ٩ سنوات مرت على آخر أفلامك «الكبار».. لماذا لم تكتب أعمالًا جديدة طوال هذه المدة؟
- قررت أن أكون متفرجًا فى هذه المرحلة، وانقطعت علاقتى بالسينما، لأن أصدقائى الذين كنت أعمل معهم رحلوا عن عالمنا واحدًا تلو الآخر، فبعد عرض «الكبار» انشغل صديقى الحميم محمد خان، وبعدها «مات أصحابى كلهم.. هشتغل مع مين؟!».
ورغم أن «الكبار» أنتج عام ٢٠١٠، إلا أنه آخر ما تبقى لدىّ فى حافظتى للسينما، وقد كتبته فى تسعينيات القرن الماضى، وكان من المقرر أن يخرجه عاطف الطيب، لكنه توفى قبل ذلك، ولم أكتب للسينما بعد وفاته. وبالمناسبة الفيلم كان موجودًا بالصدفة فى إحدى شركات الإنتاج، واطلع عليه المخرج الشاب ماندو العدل، الذى طلب منى تحويل السيناريو لفيلم فوافقت، وأنا الآن بصدد كتابة فيلم جديد من المقرر أن يخرجه مجدى أحمد على.
■ ماذا لو أخرج عاطف الطيب فيلم «الكبار»؟
- «الفيلم كان فيه من روحه»، وبالطبع لو أخرجه «الطيب» سيكون عملًا مختلفًا، لأنه مخرج استثنائى، وإحساسه بالواقع الذى نعيشه فى مصر لا ينافسه فيه أحد، لكن المخرج الشاب الذى أخرج الفيلم قدمه بشكل «كويس مش وحش» أنا راضٍ عنه، كما أننى أحسست شيئًا من روح «الطيب» خلال المشاهدة، فقد كنت مشغولًا بكتابة مسلسل «الناس فى كفرعسكر» أثناء فترة تصويره.
■ لماذا قدمت معظم أفلامك مع عاطف الطيب، على الرغم من أن محمد خان هو صديقك الأول؟
- بعد أن اطلع محمد خان على المعالجة الخاصة بفيلم «سواق الأتوبيس»، رأى أنه من الأفضل أن يخرجه عاطف الطيب، لأنه وجد عالم الفيلم مصريًا جدًا، و«خان» ليس مصريًا بالأساس، فقرر إسناد المهمة إلى المخرج الشاب حينذاك عاطف الطيب، على الرغم من أن رصيد أفلامه لم يتعد فيلمًا واحدًا ولم يحقق نجاحًا يذكر.
التقينا «الطيب» عن طريق المصور سعيد الشيمى، وعرضنا عليه معالجة الفيلم وليس السيناريو، وفرح كثيرًا، وتحمسنا للفكرة بجنون، وعملنا عليه، فنجح الفيلم، وأصبح بداية تهافت الكُتّاب على «الطيب» كمخرج، وبدأت بيننا وقتها صداقة حميمية، حتمت علينا التعاون فى معظم أعمالنا.. «بقيت عارفه وأنا مغمض».
■ هل كانت هذه العلاقة الخاصة مقلقة لـ«خان»؟
- بالعكس، علاقتنا كانت أكبر من ذلك، والحقيقة أن «الطيب» يشبهنى، نحن هذا الثنائى الذى قدم أعمالًا كلها من قلب الواقع المصرى، نتحدث عن المجتمع بكل ما فيه من صدق. «سواق الأتوبيس» مثلًا كان عالمى أنا، الورشة والخشب ودمياط، فأنا من دمياط وشهدت هذه العوالم عن قرب.
■ تقول إن «سواق الأتوبيس» هو عالمك الخاص.. ألم يكتب قصته محمد خان؟
- «مش قصة خان ولا حاجة.. أنا بس كتبت اسمه عشان صاحبى، وعشان ياخد أجر القصة». هذا الفيلم من أفضل الأعمال التى كتبتها، أو عملى الأفضل. قصة «خان» كانت مختلفة تمامًا عما تم تقديمه، القصة كانت عبارة عن سائق تاكسى وفى «الكنبة الخلفية» شخص يتحدث طوال الفيلم، وفى النهاية يقوم السائق بحرق السيارة، أما الورشة والأتوبيس والعالم والإسقاط الذى قدمته عن مصر، والقصة نفسها قصتى، كانت لأشخاص عاصرتهم، وأعرفهم فى بلدى دمياط.
■ ما الفرق بين سينما محمد خان وسينما عاطف الطيب؟
- عاطف الطيب شعبى، صحيح أن أصل نشأته صعيدية، إلا أنه ولد وتربى بمنطقة بولاق الدكرور، فى قلب العاصمة، ولديه قدرة غير عادية على التعبير عن الشخصية المصرية بأبسط الوسائل. قد يبدو مخرجًا عاديًا بالنسبة للمتفرج، إلا أنه قادر على أن يبكيك ويضحكك كيفما شاء، بحركة بسيطة بالكاميرا.
ومن أسرار نجاحه فى ذلك، أنه كان يحول السيناريو إلى «ديكوبلاج»، بمعنى أنه يكتب المشاهد وطريقة تصويرها، بحيث إنه يتواجد فى مكان التصوير وهو بمثابة المتفرج، حتى إن طرأ تغيير تحتمه شخصية الممثل أو أى شىء، فإنه يكون فى نفس السياق الذى رسمه بخياله.. «مبيحبش يفكر فى اللوكيشن».
أما محمد خان، فهو ولد شقى، مجنون، معجون سينما، وهى كل حياته فعلًا، يعيش مع الكاميرا، وكل الأشياء داخل «اللوكيشن» لا بد أن تخدم حركة الكاميرا، الديكور، وحتى الممثلين. لذا، فإن كان «الطيب» يعشق الواقعية، وإحساسه بالممثل كبيرا، فإن «خان» عشقه وإحساسه بالكاميرا أكبر.
■ لماذا لم يتم توظيف «جنون» محمد خان فى أفلام أكثر بينكما؟
- لأنه عجول، وأنا بحب آخذ وقتى. مرة «خان» جالى البيت وكنت وقتها بكتب فيلم جديد، وقالى إنه عايز يقول لى سر، وشاور موجهًا حديثه إلى زوجتى، بضرورة الإنصات حتى يخبرنى بسره، والسر كان عبارة عن قصة فيلم جديد: «بنتين بيحبوا بعض ونفسهم يروحوا إسكندرية وفى آخر الفيلم بيروحوا إسكندرية» هذه كانت طبيعة أفكاره، فقلتلوا: «يا سلام.. بس كده»، قالى: «أيوه»، وقتها اعتذرت له بأنى مشغول بكتابة فيلم آخر، وعلينا أن ننتظر حتى ننتهى منه، فنظر إلىّ متعجبًا وخرج وهو عاقد العزم على التعاون مع كاتب آخر، هو صديقنا مصطفى جمعة، لتترجم هذه الفكرة المجنونة إلى فيلم من أشهر أفلامه هو «أحلام هند وكاميليا».
لذا، يمكن القول إن «خان» كان متعجلًا وقلقًا طوال الوقت، لذا كنت أتعاون أكثر مع «الطيب»، إلا أننى قدمت مع «خان» أعمالًا من أجمل ما قدمت، ومنها «موعد على العشاء» و«الحريف».
■ ما رأيك فى آخر أعمال محمد خان «قبل زحمة الصيف»؟
- وقت عرض الفيلم وقبل وفاة «خان»، أخبرته أن الفيلم جميل، لكنه لم يعجبنى فى الحقيقة، «أنا شوفته ومش حبيته أوى»، لم تكن فكرته مفهومة، وغير واضحة، بالإضافة إلى عدم وجود أحداث تذكر، على عكس «فتاة المصنع»، كانت هناك فكرة واضحة، وعالم متكامل يتحدث عنه، و«كان فيه شغل».
أما الفيلم الأخير «قبل زحمة الصيف» مكنش فيه حاجة، وفى العموم فإن سينما «خان» لطيفة.. كاميرا مريحة، تتحرك بين المشاهد بسلاسة، وإن كانت الفكرة غير مخدومة، لا يوجد صراع أو أشخاص.
■ ظهر حديثًا مصطلح «سينما المؤلف» حيث المؤلف هو مخرج الفيلم.. ما رأيك فى ذلك؟
- عندما يكون إنتاج الفيلم مشتركًا بين كاتب ومخرج، يقوم الثنائى بعمل لا أبالغ فى وصفه بـ«تكسير الدماغ مع بعض»، وهذه الطريقة أتبعها طوال مشوارى، حتى إننى كنت أتابع أعمال المونتاج، وأختار «المزيكا»، لأنها فكرتى وأنا مسئول عنها من وقت ما كانت فكرة على ورق، وحتى خروجها للمشاهد.
لذلك إن قام الشخص الواحد بالتأليف والإخراج، لا عجب ولا ضرر من ذلك، بالنهاية إن لم يكن المخرج والمؤلف كيانًا واحدًا، يتحول كل منهما إلى موظف، يكتب أو يخرج من أجل المال، والسينما أو الفن عمومًا أسمى من ذلك، لهذا كان من الطبيعى جدًا أن أقوم بإخراج فيلمى، لأن المخرج إن لم يكن «مشارك ومتخانق ومزعق، يبقى أجيب مساعد مخرج شاطر وخلاص».
■ فى البداية تحدثت عن تفرغك للمشاهدة، فما الأعمال التى تعجبك؟
- فى السينما، يوجد كُتّاب موهوبون للغاية، منهم مريم نعوم، وعبدالرحيم كمال، والأخير تعجبنى أعماله جدًا، خاصة أن لديه حسًا صوفيًا يظهر فى أعماله. أما فى التليفزيون، فهناك الكاتبان اللذان أعادا كتابة فيلمى «الطوفان»، محمد رجاء، ووائل حمدى، هذان الشابان يقدمان فنًا حقيقيًا، وبالأخير مهما كان بالمجتمع كُتّاب أو مخرجون، لا يقدمون أعمالًا جيدة، فهناك آخرون يحاولون تقديم فن حقيقى، أعجبنى على سبيل المثال «الفيل الأزرق» لمروان حامد، ويعجبنى محمد ياسين وكاملة أبوذكرى، وهم تلاميذى أنا وعاطف الطيب.
■ ما رأيك فى ظاهرة المسلسلات الـ٦٠ حلقة؟
- عندما طلبوا منى إعادة كتابة «الطوفان»، أخبرتهم أنى لا أمانع، رغم أننى لا أراه إلا فيلمًا، لا يمكننى تحويله إلى مسلسل، ويمكن أن أعطيهم الرأى فقط، وبالفعل عرضوا علىّ الحلقات الأولى وأعجبتنى، وعندما قالوا إن المسلسل سيمد لـ٤٥ حلقة، ظننت أن «الإيقاع هيبقى واقع وفيه مط»، لكن ذلك لم يحدث. وفى العموم هناك الكثير من المسلسلات التى تعانى من أزمة «المط»، وظهور شخصيات بشكل مفاجئ، وهروب من السياق، وأحداث ليست لها أهمية.
■ ما الفرق بين الكتابة للسينما والتليفزيون من وجهة نظرك؟
- التليفزيون يدخل البيوت، هو مقدم بالأساس للأسرة، فيجب أن نراعى ذلك، وأن نقدم شيئًا ذا قيمة ويهم الأسرة بأكملها، أما السينما فشىء مختلف، المشاهد يذهب ويدفع أموالًا، فيجب أن يجد شيئًا خاصًا به، يجب أن يحصل على وعد، وعد بأى شىء، حتى لو كان وعد «قليل الأدب».
■ من هو المخرج الذى يمكن أن تذهب للسينما من أجل أفلامه؟
- هناك مخرجان يمكن أن أذهب لأرى أعمالهما وأنا متشوق لذلك، كاملة أبوذكرى، ومحمد ياسين، وفى الفترة الأخيرة، هناك ولد عبقرى، أخرج فيلمًا وحيدًا، إلا أنه مميز للغاية، هو أبوبكر شوقى، الذى أخرج فيلم «يوم الدين»، إلى هذا الحد هو موهوب، واستطاع من خلال مجموعة من الممثلين الذين لم يخوضوا تجربة التمثيل من قبل، أن يقدم عملًا فنيًا بديعًا.
■ ما الشخصية التى عندما تحولت إلى فيلم أعجبتك، ومن الممثل الذى فاجأك؟
- أحمد زكى فى «ضد الحكومة»، ونور الشريف فى «سواق الأتوبيس»، أديا دوريهما بشكل جيد جدًا، يتناسب مع حجم موهبتيهما الحقيقيتين. أما الشخصية التى أبهرتنى، فهى لبلبة، سواء فى «ضد الحكومة» أو «ليلة ساخنة»، وعندما اقترحها «الطيب» لـ«ضد الحكومة»، قلت له «لبلبة دى لذيذة ومبتعملش أدوار جد»، الطيب قال لى «ثق فىّ»، وكانت المفاجأة، كيف لهذه الفتاة الشقية أن تؤدى دور محامية شيوعية بهذه الجدارة، وكذلك دورها فى «ليلة ساخنة»، كانت جادة جدًا «أنا اللى يشتغل معايا لازم يكون جد».

سعاد حسنى وأحمد زكى
لا يمكننى تقديم أحدهما على الآخر، هما فى نفس المكانة لأنهما بنفس الروح «قطعية واحدة»، و«معجونين بالفن»، تعاملا مع الأعمال التى قدماها على أنها جزء من روحيهما وتقمصاها بشكل كامل. أذكر مرة كنت أتواجد داخل استديو النحاس، وأرغب فى الحديث بالتليفون، وكانت هناك فتاة ترتدى ملابس فلاحة، وتتحدث فى التليفون لمدة زادت على الساعة، ما أثار حفيظتى، وسألت العامل من تكون هذه «الكومبارس» لتتحدث فى التليفون بالساعة، أخبرنى أنها ليست كومبارس، بل كانت سعاد حسنى، تصور فيلم «المتوحشة»، فذهبت إليها معتذرًا، وقبلت يديها، وعندها بدأت علاقة صداقة حميمة، على الرغم من أننا لم نقدم معًا سوى «موعد على العشاء».

عادل إمام

يوجد جزء داخلى جدًا فى شخصية عادل إمام لا يستطيع الكثير اكتشافه، فهو على مدار مشواره الفنى العظيم طبعًا، قدم أدوار الكوميديا والأكشن، لكن لم يلاحظ الكثير هذه اللمحة الرومانسية فى عينيه، وحالة الحزن الشديد.. «عينيه فيها أسى مدهش»، وهو ما أبرزه فى فيلمى المفضل «الحريف».

محمود عبدالعزيز

هو من الممثلين «التُّقال»، لكن بالنسبة لى كان البطل فى مسلسل «الطوفان» هى الأم التى قدمتها أمينة رزق فى الفيلم باقتدار، وإن كانت السيدة التى قدمت دور الأم فى المسلسل أعجبتنى أكثر، فبرغم أنى كنت أظن ألا أحد يمكن أن يتفوق على أمينة رزق لكنها تفوقت عليها.

عمرو سعد

«مرة قالوا له ليه متبقاش زى أحمد زكى، قالهم هاتولى بشير الديك وعاطف الطيب وأنا أبقى أحمد زكى». أرى أنه ممثل موهوب ومجتهد، لديه ما يقوله حقًا لكنه بحاجة إلى مخرج جيد، يستطيع استغلال أدواته، ويبتعد به عن منطقة الأكشن والعنف، إلى دور يبرز إمكانياته.

نور الشريف

صديق حميم، عندما تعمل معه تعرف بالضبط الموعد الذى تنتهى فيه من الفيلم، شديد الدقة، يُعمل عقله فى تقديم الشخصية التى يقدمها، وهذا هو الفرق بينه وبين أحمد زكى وسعاد حسنى، فنور الشريف يُعمل عقله، أما الاثنان «مبيشغلوش دماغهم»، بيشغلوا كيانهم كله.