رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحتوى والوسيلة فى صناعة الرأى العام


نمتلك أربعة آلاف مركز شباب وأربعمائة قصر ثقافة وحوالى الثلاثين من مراكز النيل للإعلام وآلاف المساجد والكنائس والجمعيات الأهلية والحقوقية.. كل هذه المنابر، ولا نستطيع صنع رأى عام يساند الدولة بشكل جيد فى معركتها مع الإرهاب أو فى رحلتها مع التنمية والتعمير.. وما زلنا ننتظر الفعل ثم نحاول توجيه رد الفعل.. ناهيك عن منظومة الإعلام من قنوات وإذاعات وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية.. هذه الشبكة المتعددة الأذرع والواصلة إلى بيوت كل المصريين فى أقصى الجموع أو الكفور أو أرقى الأحياء.
لم نستطع حتى الآن، جميع المصريين، بشكل جيد، لنواجه فكرًا مضطربًا أو شائعات تبث بشكل يومى فى محاولات أجنبية أو حتى داخلية لهدم الدولة.
تابعت الكثير من وسائل صنع الرأى العام فوجدت التالى: المراكز الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية ما زالت تناقش قضايا النقاب وطول جلباب الرجل وما يراه الخطيب من خطيبته.. ونكاح الميتة والرضيعة وإرضاع الكبيرة وزواج الصغيرة وإذا ابتعد عن تلك المناطق فالتهديد بالثعبان الأقرع وعذاب القبر.. وفى وسط كل ذلك تتوه بعض المحاولات لدعاة تنويريين أو بعض إصدارات لكتب الأزهر والأوقاف، اللذين اتجها إلى القوافل الدينية سواء بأكشاك الفتوى فى محطات المترو أو قوافل المقاهى التى يذهب إليها الشباب لتدخين الشيشة والحكى ومتابعة المباريات أو السوشيال ميديا فلم يلقَ الشيوخ منهم بالًا ولا اهتمامًا.. سبقهم فى ذلك أكشاك الفتوى فى محطات المترو أو قوافل اليوم الواحد التى يسمع فيها المشاركون إلى قارئ وواعظ، وكفا بالله وكيلًا ثم يتحركون إلى قرية أخرى فلا يبقى للزيارة أثر يذكر.
تابعت مراكز شباب عديدة فلم أجد برنامجًا تثقيفيًا على مدار العام، لكنها ندوات مناسبات كليلة الإسراء والمعراج ونصف شعبان وندوات فى رمضان أو احتفالات بالأوائل أو أحد أبناء القرية.. نفس الوضع فى قصور الثقافة التى كانت منارات للتثقيف فى كل المجالات طوال الستينيات والسبعينيات.. تلحق بهم مراكز النيل للإعلام ومراكز أخرى كانت منارات إشعاع انطفأت مع الوقت ولحقت بها الكثير من المكتبات.. يحدث ذلك فى الوقت الذى يستطيع فيه بعض الموجهين لصالح رأى أو قضايا معينة، وعن طريق السوشيال ميديا، جذب انتباه الملايين وصناعة رأى عام موجه فى العديد من القضايا والتأثير على متخذ القرار أو ملايين المتابعين فى قضايا قد تبدو تافهة، لكنها فى النهاية تحول الرأى العام عن قضايا أهم.. ولنتابع فى الوقت الذى شهدت فيه مصر المنتدى الدولى للشباب وقمة البيئة ومؤتمر الكوميسا ومؤتمرات أخرى وجولات هامة للرئيس ومشروعات مهمة تُفتتح أو يتم تشغيلها، ومع كل ذلك فإن أهم القضايا كانت فستان رانيا يوسف ومشاكل الرياضة وخناقات مقدمى برامجها واختصرنا كل قضايا الرأى فى إغلاق قناة امتلأت برامجها بدعوات الشذوذ وتقنين الدعارة وظهور شيوخ ممنوعين من الظهور. وسط كل ذلك أتساءل: أين ذهب خبراء الرأى العام وأساتذة الجامعات الحاصلون على درجات علمية فى ذلك المجال، وكيف ترك مخططو البرامج والقوافل القضايا الأهم.. شاهدنا أهم وأكبر حملة للرعاية الصحية فى تاريخ مصر لحملة الـ«١٠٠ مليون صحة» ونتاجها، واتجهنا إلى تقرير ٥٧٣٥٧ هل هو صحيح أم لا، وبدأنا البحث عن ثغرات فى التقرير.. تركنا نموذج فتاة التروسيكل وبطلات مصر الرياضيات وركزنا اهتمامنا فى البحث عن بطانة فستان رانيا هل ارتفعت أم سقطت أم هل نسيتها قبل نزولها.. المهتمون بمثابة مواقع السوشيال ميديا مصابون بالصدمة من القضايا التى أصبحت تهم الشباب على صفحات فيسبوك.. علينا أن ننتبه جيدًا لما يخطط ويُحاك بمصر.. قضايانا ليست فستان رانيا أو مهرجان الإسماعيلية للمبدعات الذى ظهرت فيه المكرمات شبه عاريات أو تراجع مستوى الأهلى.. قضايانا يا سادة أهم.. الرئيس يبحث عن إعلام يسانده ورأى عام يقف خلفه، وهو يواجه مؤامرات، المؤامرة تلو الأخرى، لا نكاد نغلق ملف السياحة والطيران الروسى حتى يتم فتح ملف ريجينى.. القوات المسلحة والشرطة تنجح فى محاصرة الإرهاب فى سيناء.. فتبدأ محاولات فتح جهة أخرى فى الفرافرة والجهة الغربية.. محاولات تقزيم مصر أو جرها إلى معارك جانبية تبعدها عن مسيرة التنمية والتعمير لن تتوقف. الحقيقة أننا نمتلك الوسائل والأذرع ولا نمتلك المحتوى، وهو الأهم.. والأهم أن نعرف كيف نخطط للمحتوى ومن يضع هذا المحتوى عندما طبقنا الخطبة الموحدة فشلت لأن المحتوى لم يكن جيدًا، ولم يفرق صانع المحتوى بين المتلقى فى الصعيد والجنوب والقاهرة والإسكندرية ولا بين مساجد المناطق الشعبية أو الراقية.. نحتاج صنّاع للرأى العام وموجهين له، وهذا ليس عيبًا، نحن نحتاج رأيًا عامًا قويًا يقف مع الدولة ويساندها.