رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغامق يليق به.. كيف استخدم أحمد زكى الملابس للتعبير عن حالته النفسية؟

احمد زكي
احمد زكي

"أنا عبارة عن شوية شخبطة على الحيط، إذا لعبت بما يمكنك أن تخرج منها شخصية "بواب"، ولو لعبت بها بطريقة أخرى، يمكنك أن تخرج منها شخصية "ضابط"، ولو قلبتها تخرج منها "السادات"، ولو عاوز تفهمني أكتر، بص على الحيطة هاتشوف الشخبطة".

على هذه الطريقة كان يعبّر الفنان أحمد زكي عن نفسه، لـ"محمد عبد السلام"،مصمم الأزياء الخاص الذي كان يستعين به في تجهيز الملابس الخاصة لمعظم الشخصيات التي قدمها طوال مشواره في السينما المصرية.

عاش "زكي"حياته بسيطًا، في كل شىء، لا يحكمه ولا يعيقه في تعامله مع الآخرين سوى أن يرى في عيونهم الحب، فلم يكن يرتدي ملابسه تحت مبدأ "الشياكة" او الأناقة، بل يحكمه "المود"، فهي تعبر عن مزاجه وحالته النفسية، فلا يهمه أن يكون القميص داخل البنطلون أو الكرافته مربوطة أم لا، فالمهم أن تكون الملابس "حلوه عليه"، في عينه هو، لا في أعين الناس.

أما من ناحية الألوان فكان يميل إلى الألوان "الأسود،والكحلي، والرمادي، البني، على إختلاف درجاتهم.
فعندما يريد أن يخفي حالته النفسية ومزاجه السيء عن أعين الناس، يرفع ياقة الجاكيت أو "السويتر" على رقبته، وعندما يشعر بالحنق والضيق يرتدي القميص ويخرجه خارج البنطلون، باحثًا عن البراح، وعندما يرتدي التي شيرت الأبيض أو البادي كول تحت الجاكيت الأسود سواء سبور أو ميدي كلاسيك، وقتها يكون سعيدًا.

بدأت صداقة مصمم الأزياء محمد عبد السلام بالفنان أحمد زكي عام 1996، في مسقط رأسه بمحافظة بورسعيد، بأحد محلات الملابس الجاهزة، وتكرر لقائهما بعدها بعام أثناء تصوير فيلم "حسن اللول" 1997.

في البداية، استشار "زكي" محمد عبد السلام، بشكل ودّي، عن ملابس شخصيته أثناء تحضيره لفيلم "نزوة"، إلى أن بدأ العمل رسميًا بينهما من فيلم "هستيريا" و"البطل" و"اضحك الصورة تطلع حلوة". حسبما ذكر "عبد السلام" في مجلة نصف الدنيا 2005.

يعطي "زكي" ملخصًا ووصفًا وافيًا للشخصية التي يقدمها ليتولى "عبد السلام" مهمة إعداد الملابس التي تحتاجها الشخصية وتناسبها وتساعد في إبراز ملامحها.

قال "عبدالسلام"، إن الفنان أحمد زكي كان شديد الإهتمام بكل التفاصيل المتعلقة بالعمل، ورغم أن الفنانون الآن يستعينون بشخص "ستايلست" ليكون منسقًا للملابس والأزياء، فـ"زكي" هو الفنان الوحيد في مصر الذي انتبه لهذا الأمر منذ سنوات طويلة.

أثناء تصوير فيلم "السادات" تحديدًا في المشهد الذي يجمع "الرئيس "السادات" بابنه في الحديقة، كان من المفترض أن يرتدي أحمد زكي، جاكيت بنج مستورد وبرنيطة من "القش"، حسبما كان يفضل الرئيس الراحل في حياته، لكن "زكي" أصر على ارتداء الجاكيت الأبيض، وكان وجهة نظره أنه اللون الأنسب الذي يبدو فيه نقيًا وواضحًا في علاقة مع ابنه.

في مشهد آخر، أثار إعجاب "عبد السلام" و"زكي" وعبّر عن براعتهما وقدرتهما الكبيرة في اختيار ملابس الفيلم، حيث كان "زكي" يصور مشهد للرئيس"السادات" وهو يلتقي بثلاثة من الفدائيين على أحد مقاهي وسط البلد، ليتفق معهم على اغتيال أمين عثمان الذي قال إن زواج مصر من بريطانيا زواج كاثوليكي لا رجعة فيه، فبعد الانتهاء من التصوير، جاءهم أنس أبوسيف، بصورة للرئيس الراحل يرتدي فيها نفس الملابس التي كان يرتديها"زكي" في هذا المشهد، وكانت عبارة عن بدلة بكرافتة مربوطة بطريقة معينة.

ومن المواقف الأخرى في هذا الفيلم، فقد طلب "زكي" من "عبد السلام" أن يختار له نوع من الأقمشة الخفيفة، خاصة وأن التصوير كان في فصل الصيف، حتى لا يتأثر أداؤه بنوع القماش الثقيل المصنوع منه البدل العسكرية.

أما في فيلم "معالي الوزير"أثناء تصوير المشهد الذي يحلم فيه "زكي" بأنه مأمور في سجن النساء ويمشي مزهرًا بين زنزانات النساء، اختلفت وجهات النظر بينه وبين "سمير سيف"، فكان "زكي" يريد أن يرتدي زي مأمور سجن، لكن "سيف" اقترح ان يرتدي ملابس توحي بالعهد الهتلري الذي كان من خلاله جنود هتلر يقومون بسب النساء، وبعد النقاش، رجح "عبد السلام" أن يرتدي الزي الهتلري، فقال له زكي معترضًا: أنت بتحاول تقنعني لأنك حابب الفكرة، ولا هم اللي أقنعوك؟ فرد "عبد السلام": لأ، أنا حابب الفكرة جدًا.

فرد: على مسؤليتك؟ فقال عبد السلام: نعم، فقال "زكي": خلاص هاصور بالملابس اللي انتو عايزنها.
وبالفعل تم تصوير المشهد بالزي الهتلري.

وفي مشهد آخر في نفس الفيلم، أثناء تصوير مشهد"الشخصية" التي تم حجز الوزير فيها لمدة 24 ساعة، طلب "زكي" من "عبد السلام" ان يأخذه إلى أي مكان في الحي الريفي، ويتركه ينام على في أي شارع أو على ترعة.

وبالفعل ذهبا إلى مكان بعيد وأعطاه "عبد السلام" جهاز الراديو الذي كان "زكي" يحرص على أن يأخذه معه دائمًا أثناء التصوير، وشغل أغنية عبد الحليم، وطلب من "عبد السلام" أن يعود للمخرج سمير سيف ويجهز معه لبروفات المشهد، ويعرف منه الوضع الذي يريد أن يكون عليه"زكي" وهو نائم في الزنزانة، إلى أن يحين وقت التصوير.

وفي موقف شديد الغرابة، لكنه عاديًا للفنان أحمد زكي، شدد على "عبد السلام" أنه سيعود معه لمكان التصوير وهو مغمض العينين، وبالفعل عاد إليه "عبد السلام" وأخذه إلى مكان التصوير وساعده في النوم في التخشيبة بالوضع الصحيح حسب وجهة نظر المخرج سمير سيف، وتركه لفترة في هذا الوضع إلى أن دارت الكاميرا، ودخل حجاج عبد العظيم إلى الزنزانة ليوقظه، ففوجئوا بأن أحمد زكي، عندما فتح عينيه واستيقظ من النوم ظهر كما لو كان قد قضى 24 ساعة فعلًا نائمًا في الزنزانة، وظل الجميع يصفق لمدة ربع ساعة بعد انتهاء تصوير المشهد.