رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأصولية الدينية والإرهاب


بينما كانت تستعد مصر لافتتاح فعاليات منتدى شباب العالم بشرم الشيخ، حدث يوم الجمعة الماضى هجوم مسلح بإطلاق نار على أتوبيس كان يقل مسيحيين فى طريق عودتهم من دير الأنبا صموئيل بالمنيا، أسفر عن سقوط ٧ شهداء و١٣ مصابًا، وبعد الحادث المؤلم كتب أحد المتطرفين ويدعى علاء أبوعصام على صفحته على فيسبوك: «أهنئ إخواننا المسلمين على توفيقهم فى العملية العظيمة اليوم، مكتوبة لكم فى الجنة إن شاء الله وعقبال جميع النصارى قريبا».
إن هذه الأفعال الإرهابية الخسيسة تجسد لنا إلى أى مدى تغلغل التعصب لدى بعض المتطرفين فكريًا، والتعصب هو آفة الآفات المدمرة للعقل الإنسانى، فالآفة هى كائن حى يسبب الأذى لكائن حى آخر مهم بالنسبة للإنسان، وقد يكون الكائن الثانى الإنسان نفسه، والتعصب آفة ومرض بغيض يتسبب فى تدمير المجتمعات الإنسانية.
و«الدوجماطيقية»، أى توهم اقتناص المُطلق، هى الأساس فى تأسيس «الأصولية» بكل أنماطها فى أى دين أو فى أى مذهب يدعى امتلاك الحقيقة المطلقة، وصراع المعتقدات هو دلالة وقوع الإنسان فى وهم الاعتقاد بأنه مالك للحقيقة المطلقة، ومن يتوهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة هو متعصب بطبعه، والتعصب هو اتجاه نفسى لدى الفرد يجعله يدرك فردًا معينًا أو جماعة معينة أو موضوعًا معينًا إدراكًا إيجابيًا محبًا، أو سلبيًا كارهًا، دون أن يكون لذلك ما يبرره من المنطق أو الشواهد التجريبية، لذا فإن مناقشة موضوع التعصب أو التطرف بكل أشكاله السياسية أو الأدبية أو العنصرية أو الدينية، إنما هى سبر أغوار النفس الإنسانية بنشأتها وتكوينها، وهى محاولة لا يألو الإنسان فيها جهدًا لمصارعة ذاته بذاته، فإما أن ينتصر عليها ويخضعها لسلطان العقل، أو أن تفلت من عقال العقل وتنحدر نحو الحيوانية بعد أن خلقها الله فى أحسن تقويم.
إن التعصب هو تقديس للأنا وإلغاء للآخر، فكل ما تقوله «الأنا» يدخل فى حكم الصحيح المطلق، وكل ما يقوله الآخر يدخل فى حكم الخطأ، ويقود هذا إلى موت لغة التواصل والحوار، وحين يموت منطق الحوار تنطق الحراب والبنادق وتُحفر الخنادق وتُستباح الدماء.
وقال سعد العجمى وهو وزير كويتى سابق: «الحقيقة التى لا نستطيع نكرانها أن داعش تعلمت فى مدارسنا وصلت فى مساجدنا واستمعت لإعلامنا وتسمرت أمام فضائياتنا وأنصتت لمنابرنا ونهلت من كتبنا وأصغت لمراجعنا وأطاعوا أمراءهم بيننا واتبعوا فتاوى من لدنا، هذه الحقيقة التى لا نستطيع إنكارها».
إن مقاومتنا للإرهاب يجب أن تبدأ بمحاربة الفكر المتطرف الرافض للآخر الدينى المغاير، ومن هنا يجب أن نهتم بوجود مناهج تعليمية تدعو لثقافة السلام، كما يجب أن يدعو الخطاب الدينى لنبذ العنف والإرهاب، وأن الله الودود لا يمكن أن يأمر بالقتل وإراقة الدماء، ويجب أن يُعاقب كل من ينشر الكراهية باللسان، فالتعصب يبدأ بالكلام وينتهى بإراقة الدماء، فهل نحن فاعلون قبل فوات الأوان؟!.