رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شارع المدارس


فى مدينتنا فى وسط الصعيد شارع يطلق عليه مجازًا شارع المدارس، لأنه توجد فيه أعداد كثيرة، من المدارس المتنوعة، الابتدائى والإعدادى والثانوى والتجارى. لو جربت مرة أن تقف أمام إحدى المدارس ستجد أنك فى سوق منفلتة، كل أنواع المواصلات من تكاتك إلى دراجة إلى موتوسيكل إلى سيارة نصف نقل وسيارات ملاكى وميكروباص وتروسيكل، المخصص لنقل البضائع، كل تلك الناقلات ينزل منها التلاميذ أمام المدارس دون نظام. وتسمع صياحًا وصراخًا وبكاء وعويلًا، وباعة ينادون على حلويات، وأطفالًا يبكون، وشبابًا يلعبون، ومدرسين متثاقلين يمرون وسط كل هذا، مسرعين من أجل ألا يفوتهم طابور الصباح أو الحصة الأولى.

وتسمع وأنت واقف أمام المدرسة، أبشع الألفاظ من التلاميذ، تخرج هكذا بكل سهولة من أفواههم، وتجد العراك والشجار بين الطلاب على أشدّه. والتماسك بالأيدى والسب والشتم، وربما تشاهد أسلحة بيضاء صغيرة تخرج من حقائب التلاميذ، كالكتر أو سكين المطبخ. قديمًا حين كنّا نسمع عن مشاكل وعنف بين الطّلاب، نسمع أنّ طالبًا يهدد زميله بأنّه سيضربه بعد المدرسة، ويحدث بالفعل الكثير من المشاكل أثناء انصراف الطلاب من مدرستهم، وأثناء دخولها، أمّا الآن لم يعد يصبر الطالب حتى انتهاء اليوم الدراسىّ، فتجد العراك داخل الفصول وداخل فناء المدرسة دون رقيب أو محاسب.

أعداد هائلة من التلاميذ فى المدارس. انعكست على كثافة التلاميذ داخل الفصول، وهو ما يؤدى إلى مشكلات ليس من السهل تداركها، سواء من حيث المستوى الأخلاقى أو التعليمى، وسنجد أن المعلم لا يستطيع متابعة تحصيل ستين تلميذًا أمامه فى الفصل الواحد، وبالتالى سيفقد التلاميذ إحساسهم بقيادة وريادة المدرس وبالتالى صعوبة تلقى رسالته التعليمية، والطالب الذى لا يستجيب، سيهمله المدرس من اللحظة الأولى، ويشعر التلميذ بالغبن والانطواء وهو ما ينعكس على تحصيله الدراسى.

الواقع التعليمى فى المدارس الحكومية فظيع، والمدرسون انصرفوا إلى الدروس الخصوصية، واعتبروها من مكتسباتهم الوظيفية التى من الصعب التنازل عنها، وأصبح من المألوف فى أوقات خروج التلاميذ من حصة الدرس الخصوصى رؤية أعداد لا بأس بها لا تقل عن 50 تلميذًا فى الحصة الواحدة، وعندما ضاقت بيوت المدرسين عن أعداد التلاميذ فى الدروس الخصوصية، واستيعاب الأعداد المتزايدة. ظهرت نتيجة لذلك ظاهرة السنتر، وهو مكان واسع فى بناية حديثة أو دار سينما سابقا، ويقوم صاحب المكان بتجهيزه بمجموعة من الكراسى وسبورة، وميكروفون لزوم وصول الصوت لكل التلاميذ. ثم الاتفاق مع عدد من المدرسين لتخصيصه قاعة للدروس الخصوصية، ويقوم بتعيين موظف أو موظفة للتنسيق بين المواعيد، وتسلم المقابل المادى من التلاميذ، وهو فى النهاية مشروع تجارى يستفيد منه المدرس وصاحب العقار والموظف، وكل هؤلاء يتقاضون أتعابهم من جيوب أولياء أمور التلاميذ.

والغريب أن المدرس الذى يشرح بطريقة سلسة ومفهومة أمام تلاميذ الدروس الخصوصية، هو نفس المدرس الذى يجلس واجمًا فى حصة المدرسة، وحتى إذا ما شرح، فإنه يشرح بطريقة لا يستوعبها التلاميذ، ولا يتقبل أن يناقشوه أو حتى يتكلموا. وهم يعلمون مسبقًا أن ما لا يفهمونه فى حصة المدرسة، سيفهمونه فى حصة الدرس الخصوصى.

إصلاح المدارس والتعليم، مهمة صعبة أمام الدولة والحكومة، والقائمين على العملية التعليمية كلها، فى ظل أوضاع اقتصادية ضاغطة، ومدارس قديمة أو متهالكة.