رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منير مراد "التياترجى"..المظلوم حيًا وميتًا

منير مراد
منير مراد

انتقل "منير مراد" من التقليد إلى التمثيل إلى التلحين إلى الغناء إلى الرقص إلى كتابة السيناريو إلى العمل كمساعد مخرج، وكأنه لم يترك عملًا في الفن إلا وأبدع فيه، لدرجة أنه ومنذ بداياته الأولى كان يلحن عناوين الصحف.

من هذا الخليط العجيب والإبداعات، صدر كتاب "التياترجي" لوسام الدويك، الصادرعن المجلس الأعلي للثقافة 2013، ليؤرخ لسيرة الفنان "منير مراد"، وجاء في مقدمة الكتاب حوارًا دار بين الكاتب الراحل محفوظ عبد الرحمن و"التياترجي" روى فيه حكاية لقاء عابر دار بينهما.

منير مراد في حواره مع محفوظ عبد الرحمن: الغناء إنحدر بعد وفاة أم كلثوم وعبد الوهاب.

التقى الكاتب الراحل محفوظ عبد الرحمن بالفنان الشامل "منير مراد"- على حد وصفه- في يوم من أيام صيف 1979 أثناء تواجده في زيارة عمل لإحدى شركات الإنتاج.

روى "عبد الرحمن" في مقدمة كتاب "التياترجي"، انه لم يكن يتوقع أن يرى "منير مراد" نظرًا لإختلاف المجال الفني لكل منهما، فضلًا عن ندرة النشاط الفني وقلة الأخبار عن "مراد"، فلم يعد يذكره أحد إلا عند الحديث عن الماضي كممثل سينمائي ومغن وملحن، بالإضافة لكونه من أسرة عريقة، على رأسها الفنان "زكي مراد" الذي كان مطربًا قبل زيوع نجم "محمد عبد الوهاب"، من بين أفردها الفنانة"ليلى مراد".

بدأ "عبد الرحمن" الحديث مع "مراد" والذي استمر لأكثر من ساعة، وساقهم الحديث الى رأيهم حول الفن، وكان رأي "مراد" أن الفن بعد وفاة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، أخذ العناء في الانحدار، لكنه لم يمت لأن الفن لا يموت، إلا أنه لم يعد متألقًا كما كان.

وقال "مراد" أثناء الحوار، أن بيته هو قلعته كأقوى ما يحمله التعبير الإنجليزي من معنى، يعيش فيه كل آلامه، ولا يخرج منه إلا لسبب قهري، يمضي يومه في سماع الموسيقى بكل أنواعها، وفي القراءة، والاتصالات التليفونية بأصدقاء زمانه، وعندما يحل المساء يجلس في شرفة البيت مع ضيف أو أكثر، لكنه في أغلب الأوقات يكون وحده، لكنه لم يشعر أبدًا بالوحدة، فيكون مع نفسه يحاورها ويستعيد ذكرياته.

حقيقة الشكوك حول مكان وتاريخ ميلاد "منير مراد":

أشارت بعض المصادر التي إطلع عليها "الدويك" إلى عامان تمت الإشارة إليهما، الأول 1928 والثاني 1922 ولكن أربعة مصادر فقط من أصل اثنى عشر مصدرًا هي التي أشارت إلى أن "مراد" ولد عام 1928 وهي (مجلة شاشتي، 14101990)، مجلة نصف الدنيا 892002، صحيفة أخبار النجوم 26102002- سليمان الحكيم، يهود ولكن مصريون يناير 2008).

لكن "الدويك" يقول، انه لايميل إلى كون "مراد" ولد عام 1928، لأن المصادر_على حد قوله_ لم تحدد يومًا ولا شهرًا لميلاد الرجل، للإيحاء بالوثوق بالمعلومة، كما أنه يوجد ثمانية مصادر أخرى تذكر تاريخ الرجل باليوم والشهر، فضًلا أن العديد من المعلومات الي ذكرها الصحفي سليمان الحكيم في كتابه مغلوطة تمامًا، فقد ذكر أن(موريس) غير اسمه إلى (منير) حين قرر العمل بالحقل الفني، والصحيح أنه غيره أثناء عمله بالسينما، والدليل أن اسمه القديم (موريس مراد) كتب كمساعد مخرج منذ بدأ العمل في الحقل الفني وحتى فيلم عنبر 1948، وغيره عام 1949 كما ورد على تيترات فيلم "غزل البنات".

أما المصادر التي تحدث عن أنه ولد عام 1922، فقد انقسمت الى فريقين، الأول ذكر أنه ولد في 12 يناير، والثاني يرى أنه ولد في 13 يناير.

وعلى هذا رجح "الدويك" أن منير مراد ولد في 13 يناير، بناء على مصدرين منها (السياسية والكواكب) إلى تاريخ وفاته، مما يقل نسبة الخطأ ويزيد نسبة الصواب.

والخلاف الذي دار حول تاريخ الميلاد، دار أيضًا حول مكان ميلاد "مراد"، فأشارت بعض المصادر أنه ولد في الإسكندرية( أخبار النجوم، نصف الدنيا)، أما بقية المصادر فقد ذكرت أنه ولد في القاهرة، وهو الأرجح، نظرًا لقرب المصدرين المذكورين من حياة الرجل، فضلًا عن انه لا توجد ذكريات لـ"مراد" في الإسكندرية، اللهم إلا قوله تعلم الموسيقى في معهد "ماريو زينو" بالإيطالي بالإسكندرية، فربما سافر من القاهرة إلى هناك لدراسة الموسيقى، وكان عمره آنذاك لا يقل عن عشرين عامًا.

وقال "الدويك" أن "مراد" ولد بالقاهرة بالتحديد في حي العباسية، في شقة واسعة ذات ثماني غرف شارع الجنزوري حيث قضى طفولته الأولى، وبدأ عزف العود وهو في سن الست سنوات، وكان يرتاد بيتهم الشيخ زكريا أحمد والقصبجي وغيرهم.

لماذا تم الردم على "منير مراد" ولمصلحة من؟
قال"وسام الدويك"، منذ أن بدأت البحث عن سيرة منير مراد في ناير 2008، لم أجد أستطع الإجابة على سؤالين: لماذا تم الردم على "التياترجي" ولمصلحة من؟.

وعندما اتجه إلى المركز القومي للسينما، سألت أحدهم عن وجود أية مادة من أي نوع عن "منير مراد" فأرشده إلى الدور الثاني، وتكرر سؤاله مع سيدة كانت تهبط السلالم فأرشدته إلى السيدة فلانة في الغرفة رقم كذا على اليمين، فدخل ليسأل عن طلبه، فأجابته ذوق (والله يا أستاذ لو لقيت حضرتك أي مادة هات لنا، الأرشيف هنا يبدأ من سنة 1981).

وفي يوم آخر اتجه"الدويك" الى مركز الثقافة السينمائية، وهناك بحث الموظفون بجدية عن ملف "منير مراد"، فوجدوه، ورغم ذلك لم يجد سوى أربع موضوعات فقط في أرشيف المركز القومي للسينما.
أما أرشيف دار الهلال، فلم يجد فيه سوى بعض الأوراق المهترئة والأخرى الغامقة إلى حد السواد، والكتابة غير المقروءة لأسماء الموضوعات، هذا إلى أن سعر تصوير القصاصة الواحدة هو خمسة جنيهات فقط في حين أن أغلى سعر في أى مكان وقتها في المكتبات كان خمسون قرشًا أى عُشر الثمن.

قال "الدويك": ( من مؤسسة لمؤسسة يا قلبي لا تحزن)، ففي يوم اتصل بأحد أصدقائه يعمل في صحيفة كبرى، وطلب منه التوسط له في الدخول إلى أرشيفها لأن هذا أمر ممنوع على غير العاملين بها، كنه وجد الأمر سيئًا، فتصوير الأوراق لا يوجد بالمرة، والملف الخاص بـ"منير مراد" أقل بكثير من ملفه الموجود بأرشيف دار الهلال، فضًلا عن أن بعض الموضوعات تم نزعها بالكامل من الملف، وعندما نبه أحد الموظفين إلى الأمر، جاءه الرد بإيماءة من رأسه و(طيب طيب).

وفي مجهود آخر في البحث داخل هيئة الكتاب، طلب "الدويك" مجلد مجلة الكواكب 1955، وبعد نصف ساعة أجابة الموظف، بأن المجلد في الترميم، فطلب منه مجلد 1954، وبعدما فتح الملف وجود بأن الفترة من يناير وأبريل 1957، كل عدة صفحات أو أكثر منزوعة، وكل الموضوعات عن "منير مراد" غير مكتملة ومقصوصة.

وعلى الرغم من تلحين "مراد" للعديد من أغاني وموسيقى الأفلام والمسلسلات المصرية مثل (مسرحية حواء الساعة 12 لفؤاد المهندس وشويكار) ومسلسل (برج الحظ أو شرارة لمحمد عوض) وفيلم (الزوجة 13لرشدي أباظة وشادية)، هذا إلى جانب تلحينه لكل من عبد الحليم حافظ صديق عمره الذي لازمه طيلة الأعوام الاثنتى عشرة الأخيرة، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يرد ذكره في أى عمل عن "حليم"، كما لحن لـ"ليلى مراد"، "هاني شاكر"، "محمد عبد المطلب"، لكنه لم يوجد أية مادة موسيقية بمعهد الموسيقى العربية أو المكتبة الموسيقية بالأوبرا.

موهبة "التياترجي" سببًا في ظلمه حيًا وميتًا..كيف ظلم "السادات" منير مراد؟

قال"الدويك"، أن الأسباب التي جعلت الظلم يطرق باب "منير" باستمرار هي كونه فنانًا شاملًا جمع بين العديد من عناصر الفن السابع حيث لم يستوعب الوسط الفني ولا المتلقي المصري هذه الموهبة.
كان"مراد" يرقص ويمثل ويغني ويقلد ويؤلف الأفلام ويلحن ويعزف، ولعل أبسط ما يمكن أن يعرض الإنسان وبخاصة الفنان للظلم هو إحساسه بأنه غير مفهوم وأنه لا يقدر حق التقدير.

بدأت مظاهر ظلم "مراد" في اوائل الخمسينات من القرن الماضي، فقدم كافة الفنون الاستعراضية والمحاكاة في أفلامه في تلك الفترة والتي قدمت خلالها أعمال تتسم في أغلبها بالسجن من قبل مطربين كبار أمثال"عبد الحليم حافظ" و"فريد الأطرش" ولم يكن يقترب من منطقته سوى"محمد فوزي"، وبالتالي لم يستوعب الجمهور ولا القائمون على صناعة السينما هذا المبدع.

أما من ناحية الموسيقى فقد سار "منير" على نهج "عبد الوهاب" متخلصًا من التخت الشرقي وقبله"سيد درويش" الذي تخلص من الموسيقى التركية، فقد حاول التخلص من الموسيقى ذات الإيقاع البطىء والأغنية الطويلة زمنيًا إلى الموسيقى السريعة والأغنية القصيرة في محاولة لمواكبة العصر، بالإضافة لتخلصه من الشكل الكلاسيكي للأغنية المكونة من مذهب وثلاثة كوبليهات، وكان هذا أيضًا أمر غير مقبول وقتها.

لم تكن نوعية الموهبة وحدها سببًا لهذا الظلم، بل كان العدد أيضًا، فقد ذكر "مراد" في حديث إذاعي له أنه لحن ثلاثة آلاف لحن، وهو الأمر الذي خلق حالة من عدم التصديق لهذا الموهبة المتفردة، فقد لحن ضوضاء القاهرة وعناوين الصحف والموضوعات المقررة دراسيًا، كما لحن من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أغنية (أنا زي م أنا).

لم تكن معاناة "مراد" وحدها في عدم تقبل وتفهم إبداعاته، فعاني أيضًا من البيروطراقية والروتين الحكومي الفج مع الفنون، فعندما ظهر التلفزيون في مصر، تصور "منير" أنه سيصبح شباكه الواسع على الدنيا إلا أن الأمر كان عكس ذلك تمامًا، فذكر أنه طلب (طفاية سجائر) من التلفزيون أثناء العمل في البروفات كانوا يجيبونه (اكتبه طلب عشان نجيبها من المخازن).

وطارده الظلم بعد وفاته، فبعد مماته حتى عام 2002 تعرض تاريخه للطمس والتشويه والسرقة، فقد توفى منير يوم 17 أكتوبر 1981، وكان ذلك بعد وفاة الرئيس محمد أنور السادات بأيام قلائل وبالطبع لم يلتفت إلى موته أحد، فنعت الصحف "السادات" لسنين، اما "مراد" فقد كان خبر وفاته في عدة سطور مفاده أن "منير مراد" توفي أمس إثر سكتة قلبية وذكرت بعض المعلومات عن حياته وأعماله.

منير مراد يغني بخمس لغات..ويترجم لأول مرة أغنية عربية إلى الألمانية:

بعد أربع سنوات هجر فيها "مراد" الغناء واكتفى بالتلحين، يعود في اغنيته (ستوته..ست الكل يا كتكوتة) وهي من الفلكور المصري، وقد أدخل عليها فتحي قورة بعض التعديلات، وقام بترجمتها إلى الألمانية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية كبار مترجمي السفارات والقنصليات بالقاهرة، وتشارك معه في الغناء فتيات من كل سفارة ترجمة الأغنية إلى لغتها، وتقاسمه الغناء المطربة"تغريد البشبيشي" وتعتبر هذه هى أول مرة تترجم فيها أغنية عربية إلى الألمانية.

منير مراد يسرق ألحان والده:

قدم منير مراد 800 لحن، وأحمد سالم هو الذي اقترح عليه أن يمثل ويغني ويلحن، فقد كان يلحن له مانشيتات الصحف، وهو الذي قدمه لكمال سيلم ليعمل معه كمساعد مخرج في فيلم "قضية اليوم".
واعترف"مراد" في حوار له في آخر ساعة،1961، أنه اقتبس ألحان والده زكي مراد، ولم يؤنبه ضميره خاصة أن اللحن سقط، فأخذ باقة زهور ووضعها على قبره وقال له:سامحني لن أسرق ألحانك بعد الآن.

ليلى مراد و"حليم" يجبران "التياترجي" على الإنعزال عن الحياة:

انتابت "مراد" في سنواته الأخيرة حالة من التجهم والرغبة في العزلة توحي بالعزوف عن الحياة، وعدم الانفتاح على الآخرين، ربما ترجع إلى تعاطفه مع شقيته "ليلى" التي طاردتها الشائعات المغرضة بسبب الإدعائات الصهيونية الخبيثة، إلى جانب رحيل عبد الحليم حافظ، مما أصابه بحزن عاصف، فقد كان صديقًا حميمًا له.

ومنذ شهر يونيه 1981 بدأ "مينر" يعاني من أزمة قلبية، وارتفاع في ضغط الدم، إثر إصابته بجلطة في الشريان التاجي، ونصحه الأطباء وقتها بالراحة التامة، وكان مرتبطًا ببعض الألحان الجديدة.
لشقيقته"ليلى" لتعود بها إلى الساحة الفنية بعد غياب طويل، وكان يعد مفاجأة ليعلن عنها في الوقت المناسب، وكان يتوقع لها مستقبًا باهرًا في عالم الطرب.

وكان "مراد" قد اختار ان يصوم السابع عشر من أكتوبر منذ 1971، وهو اليوم الذي توفى فيه شقيقه الكبير"إبراهيم" واستشار طبيبه الخاص في آخر مرة زاره فيها، حول تأثير الصوم على حالته الصحية، ولم يمانع الطبيب من الصيام، ولكن نصحه بعدم الإرهاق.

إلا أن جسد منير النجيل لم يحتمل المرض، وأسلم روحه إلى بارئها بعد تناوله السحور ليلة السابع عشرمن أكتوبر 1981 وبعد الفجر بقليل متأثرًا بسكته قلبية حادة.

هل توفى "منيرمراد" شريدًا خارج مصر؟
انتشرت معلومة مزيفة عن "منير مراد" على أحد المنتديات بشبكة الإنترنت، ضمن أحد الموضوعات عن الفنانين اليهود في مصر، أن منير مراد مات شريدًا خارج مصر، وهو أمر عار تمامًا من الصحة.