رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. فرج موسى.. أول قنصل مصرى فى أديس أبابا


وُلد‏ ‏فرج‏ ‏موسى عام ١٨٩٣‏ وكان ‏أصغر‏ ‏أبناء‏ ‏أسرة من أخميم‏ ‏تضم‏ ‏خمسة‏ ‏صبية‏ ‏وخمس‏ ‏بنات‏. درس‏ ‏فى‏ ‏مدرسة‏ ‏التوفيقية‏ ‏الثانوية‏ ‏بالقاهرة‏، ثم ‏التحق بعد ذلك‏ ‏بكلية‏ ‏الحقوق‏ ‏بالقاهرة‏، ‏وبعد‏ ‏التخرج‏ ‏عام‏ ١٩١٥ ‏عمل‏ ‏مع‏ ‏المحامى‏ ‏‏الشهير‏ ‏مرقص‏ ‏حنا‏ ‏الذى‏ ‏عُين‏ ‏سنة‏ ١٩٢٤ ‏وزيرًا‏ ‏فى‏ ‏الوزارة‏ ‏الوفدية‏ ‏الأولى‏ ‏التى‏ ‏ترأسها‏ ‏سعد‏ ‏زغلول‏‏.

‏سنة‏ ١٩٣٩ ‏شغل‏ ‏منصبًا‏ ‏قانونيًا‏ ‏جديدًا‏ ‏‏فيما‏ ‏يُعرف‏ ‏اليوم‏ ‏بمجلس‏ ‏الدولة‏، ‏وعُين‏ ‏أولًا‏ ‏فى‏ ‏الإسكندرية‏ (١٩٣٩- ١٩٤١) ‏ثم‏ ‏فى‏ ‏القاهرة‏، ‏حيث‏ ‏رُقى‏ ‏إلى‏ ‏درجة‏ ‏مستشار‏ (‏ملكى‏) ‏مساعد‏، ‏وهى‏ ‏وظيفة‏ ‏قاض‏ٍ ‏أمام‏ ‏المحكمة‏ ‏الإدارية‏ ‏ومستشار‏ ‏قانونى‏ ‏لدى‏ ‏إحدى ‏الوزارات‏.‏ ومن‏ ‏سنة‏ ١٩٤٢ ‏حتى‏ ‏وفاته‏ ‏المبكرة‏، أسهم ‏فى‏ ‏مناسبات‏ ‏عدة‏ ‏فى‏ ‏المفاوضات‏ ‏التى‏ ‏جرت‏ ‏بين‏ ‏الكنيستين‏ ‏‏المصرية‏ ‏والإثيوبية‏. ‏وتصرف‏ ‏بصفته‏ ‏وسيطًا‏ ‏لحماية‏ ‏المصالح‏ ‏المصرية‏ ‏والحفاظ‏ ‏على‏ ‏علاقات‏ ‏جيدة‏ ‏بين‏ ‏مصر‏ ‏وإثيوبيا‏.
عُين‏ ‏دبلوماسيًا ‏مصريًا‏ ‏شابًا ‏قنصلًا‏ ‏فى‏ ‏أديس‏ ‏أبابا‏ ‏بعدما‏ ‏عمل‏ ‏فى‏ ‏واشنطن‏ ‏وبرلين‏ ‏من‏ ‏سنة‏ ١٩٢٤ ‏إلى‏ ‏سنة‏ ١٩٢٨. وكانت‏ ‏هذه‏ ‏أول‏ ‏بعثة‏ ‏دبلوماسية‏ ‏أو‏ ‏قنصلية‏ ‏مصرية‏ ‏فى‏ ‏الحبشة‏. ‏‏وفى‏ ‏ذلك‏ ‏الوقت‏، ‏أى ‏فى‏ ‏سنة‏ ١٩٢٩، ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏لمصر‏ أى ‏سفارة‏ ‏فى‏ ‏الخارج‏، ‏ما‏ ‏خلا‏ ‏بعض‏ ‏المفوضيات‏ ‏والقنصليات‏ ‏النادرة‏. ‏وكانت‏ ‏الحبشة‏ ‏بلدًا‏ ‏لا‏ ‏يكاد‏ ‏يعرفه‏ ‏أحد، كما كانت‏ ‏‏فى‏ ‏ذلك‏ ‏العصر‏ ‏البلد‏ ‏المستقل‏ ‏الوحيد‏ ‏فى‏ ‏إفريقيا‏ (‏باستثناء‏ ‏مصر‏)، ‏بل‏ ‏كان‏ ‏البلد‏ ‏الإفريقى ‏الأوحد‏ ‏الذى‏ ‏لم‏ ‏يُستعمر‏ ‏قط‏. أقام‏ ‏فرج‏ ‏موسى‏ ‏فى‏ ‏الحبشة‏ ‏طوال‏ ‏خمس‏ ‏سنوات‏، ‏وكان‏ ‏هو‏ ‏وزوجته‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏الأصدقاء‏ ‏المقربين‏ ‏للإمبراطور‏ ‏وقرينته. وعندما‏ ‏وصل‏ ‏فرج موسى‏ ‏إلى‏ ‏أديس‏ ‏أبابا‏، ‏فى‏ ‏فبراير‏ ١٩٢٩، ‏كان‏ ‏هيلاسلاسى‏ ‏يدير‏ ‏البلد‏ ‏بصفته‏ ‏ملكًا ‏إلى‏ ‏أن‏ ‏تم‏ ‏تتويجه‏ ‏إمبراطورًا. ‏وقد‏ ‏شارك‏ ‏القنصل‏ ‏فرج‏ ‏موسى‏ ‏الذى‏ ‏كان‏ ‏مسموع‏ ‏الكلمة‏ ‏عند‏ ‏الإمبراطور‏ ‏فى‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏مشروعاته‏. ‏حدث أن ‏مطران‏ ‏إثيوبيا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يرسمه‏ ‏فقط‏ ‏البطريرك‏ ‏القبطى‏ ‏فى‏ ‏مصر‏ ‏منذ‏ ‏قرون‏، ‏بل‏ ‏كان‏ ‏يتم‏ ‏اختياره‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏الرهبان‏ ‏المصريين‏ ‏وليس‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏الرهبان‏ ‏الإثيوبيين‏، ‏وقد‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏المحتمل‏ ‏أن‏ ‏يؤدى‏ ‏ذلك‏ ‏إلى‏ ‏ظهور‏ ‏نزاعات‏ ‏بين‏ ‏الكنيستين‏‏.‏ وعندما‏ ‏وصل‏ ‏فرج‏ ‏موسى‏ ‏إلى‏ ‏أديس‏ ‏أبابا‏، ‏كان‏ ‏المطران‏ ‏المصرى‏ ‏فى‏ ‏إثيوبيا‏ ‏قد‏ ‏توفى‏ ‏منذ‏ ‏ثلاث‏ ‏سنوات‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يحل‏ ‏محله‏ ‏أحد‏. ‏وبينما‏ ‏كان‏ فرج موسى‏ ‏يقضى‏ ‏الأشهر‏ ‏الأولي‏ ‏فى‏ ‏أديس‏ ‏أبابا‏، ‏كانت‏ ‏تجرى‏ ‏مفاوضات‏ ‏فى‏ ‏القاهرة‏ ‏فى‏ ‏نفس‏ ‏الوقت‏، فى عام‏ ١٩٢٩، ‏بين‏ ‏ممثلين‏ ‏عن‏ ‏الحكومتين‏ ‏والكنيستين‏، ‏وتوصلت‏ ‏هذه‏ ‏المفاوضات‏ ‏فى‏ ‏النهاية‏ ‏إلى‏ ‏حل‏ ‏وسط‏ ‏تتمثل‏ ‏فى‏ ‏تعيين‏ ‏مطران‏ ‏مصرى‏ ‏جديد‏ ‏لإثيوبيا‏، ‏فأقيم الراهب سيداروس الأنطونى مطرانًا على إثيوبيا باسم‏ ‏الأنبا‏ ‏كيرلس عام ١٩٣٠ ‏وتعيين‏ ‏أساقفة‏ ‏إثيوبيين‏ ‏لأول‏ ‏مرة‏ ‏فى‏ ‏التاريخ‏. ‏وقام‏ ‏الأنبا‏ ‏كيرلس‏ ‏بتتويج‏ ‏الإمبراطور‏ ‏هيلاسلاسى‏ ‏فى‏ ٣‏ ‏نوفمبر‏ ١٩٣٠‏.‏ ونجح‏ فرج موسى‏ ‏بلباقة‏ ‏فى‏ ‏الحفاظ‏ ‏على‏ ‏الروابط‏ ‏القائمة‏ ‏بين‏ ‏مصر‏ ‏وإثيوبيا‏، ‏وفى‏ ‏تطويرها‏ ‏بمهارة‏ ‏كبيرة‏. ‏وغادر‏ فرج موسى‏ ‏إثيوبيا‏ ‏فى‏ ‏صيف‏ ١٩٣٤ ‏مُحملًا ‏بالأوسمة‏. ‏وعُين‏ ‏فى‏ ‏روما‏، ‏ثم‏ ‏فى‏ ‏القاهرة‏ ‏الصيف‏ ‏التالى‏. ‏وفى‏ ‏أكتوبر‏ ١٩٣٥ ‏اجتاحت‏ ‏قوات‏ ‏موسولينى‏ ‏إثيوبيا‏، ‏ودخلت‏ ‏أديس‏ ‏أبابا‏ ‏فى‏ ‏مايو‏ ١٩٣٦ ‏ولجأ‏ ‏الإمبراطور‏ ‏إلى‏ ‏إنجلترا‏ ‏وقاد‏ ‏حركة‏ ‏المقاومة‏ ‏المسلحة‏. ‏وقامت‏ ‏سلطات‏ ‏الاحتلال‏ ‏الإيطالى‏ بمنح‏ الكنيسة الإثيوبية‏ ‏الاستقلال‏، ‏وعينوا‏ ‏بالفعل‏ ‏مطرانًا‏ ‏إثيوبيًا‏ ‏بدلًا‏ ‏عن‏ ‏المطران‏ ‏المصرى‏ ‏الأنبا كيرلس‏ ‏الذى‏ ‏تم‏ إبعاده‏ ‏إلى‏ ‏القاهرة‏، ‏كما‏ ‏عينوا‏ ‏أساقفة‏ ‏إثيوبيين‏! ‏وكان‏ ‏رد‏ ‏فعل‏ ‏الكنيسة‏ ‏القبطية‏ ‏المصرية‏ ‏فوريًا، ‏فقضت‏ ‏بمنع‏ ‏جميع‏ ‏الرهبان‏ ‏الإثيوبيين‏ ‏المعينين‏ ‏من‏ ‏قِبل‏ ‏الإيطاليين‏ ‏من أداء‏ ‏الطقوس‏ ‏الدينية‏. وفى‏ ‏مايو‏ ١٩٤١‏ عاد‏ ‏الإمبراطور‏ ‏إلى‏ ‏أديس‏ ‏أبابا‏ ‏بعد‏ ‏تحريرها‏‏. ‏وبعد‏ ‏مدة‏ ‏قصيرة‏، ‏كتب‏ ‏رسالة‏ ‏لبطريرك‏ ‏الأقباط‏ ‏فى‏ ‏مصر- البابا يؤانس ١٩-‏ ‏وطلب‏ ‏إليه‏ ‏أن‏ ‏يرسل‏ ‏وفدًا‏ ‏لاستئناف‏ ‏العلاقات‏ ‏بين‏ ‏الكنيستين‏. ‏وكان‏ للدكتور ‏‏فرج‏ ‏موسى‏ دور بارز فى تحسين العلاقات بين الكنيستين. لكن المباحثات تعثرت ما سبب للدكتور فرج موسى‏ ‏آلامًا‏ ‏موجعة، ‏لحقتها‏ ‏خيبات‏ ‏أمل‏ ‏أخرى‏ ‏نتيجة‏ ‏للدسائس‏، ‏وتوفى‏ ‏بنوبة‏ ‏قلبية‏ ‏فى‏ ‏أبريل‏ ١٩٤٧ تاركًا ‏أرملة‏ ‏وثلاثة‏ ‏أولاد‏ ‏فى‏ ‏سن‏ ‏المراهقة‏، ‏هم‏ ‏ميشيل‏ ‏وفرج‏ ‏وهيلين.

لكن فيما بعد- فى عهد البابا كيرلس السادس البطريرك ١١٦- عادت العلاقات إلى أفضل مما كانت عليه بين الكنيستين، وتم توقيع اتفاقية فى عام ١٩٥٩ تنص على أن جاثليق إثيوبيا يُختار من بين الرهبان كما هو مُتبع فى الكنيسة القبطية. لكن فى انتخابات بطريركية ١٩٧١ عندما رأى الإثيوبيون أن الكنيسة القبطية خالفت الاتفاقية، قام الإثيوبيون بإقامة بطاركتهم من بين الأساقفة الإثيوبيين وأستقلوا بكنيستهم عن الكنيسة القبطية، وتبعتها كنيسة إريتريا فى الاستقلال.