رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«عكاز» محمد فريد أبو سعده: ابني الأكبر «سميح» و«اللوبي المحلاوي»و«ديواني الأول»

جريدة الدستور

لكل مفكر وأديب من المشاهير أيقونة أو أكثر خاصة بعالمه، ارتبط بها، وباتت من مفاتيح شخصياتهم، "الدستور" تدخل دهاليز كبار الأدباء وتقرأ الجانب الخفي في حياتهم من خلال أشيائهم.

انحاز الشاعر فريد أبو سعدة للقصيدة والشعر منذ ما يقرب من 5 عقود، بعد أن رأى في الرسم صورًا لا يستطيع أن يعبر عنها بفرشاته، فترك الرسم فى العاشرة من عمره واتجه للقصيدة، وارتكزت تجربته الشعرية منذ بواكيرها وحتى يومنا هذا على المشهد البسيط العابر واليومي، وقد أنتج خلال رحلته الشعرية نحو 15 ديوانا، وارتبط ظهوره في السنوات القليلة الماضية بعكازه الذي دائما ما يصطحبه في لقاءاته؛ سواء خلال مشاركاته كعضو بلجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة، أو في أمسياته الشعرية، أو المؤتمرات، للدرجة التي أعتبره البعض بمثابة «أيقونة» من أيقوناته، وقد قال لـ"الدستور" أن في حياته أكثر من عكاز حي أحدثها عكازه الذي يحمله. وهنا يروي أحد أعمدة جيل السبعينات الشعري عن عكاكيزه المتنوعة.

اعتمدت علي العكاز بسبب الجلطة.. وابني «سميح».. أبي وعكازي


عن عكازه الذي يتوكأ عليه يقول محمد فريد أبو سعدة: بدأت الاعتماد علي العكاز في السنوات القليلة الماضية، فمنذ إصابتي الثانية بالجلطة وأنا أسير بالعكاز؛ حيث استهدفت الجلطة الجزء الشمال من جسدي، ومع الوقت بدأت اتعافي شيئًا فشئيًا، ولكن أعتمد عليه خلال سيري.

يضحك الشاعر ويضيف: الطريف أن الشاعر بدر الرفاعي كان لديه عكاز وأهداني إياه بعد أن تعافي، ومع الوقت أهداني عدد من الأصدقاء عكاكيز أخري؛ علي سبيل المثال صديقي الكاتب جار النبي الحلو، أما العكاز الذي أسير به الآن، وهو بكستاني الصنع، فقد أهداني إياه صديق أبني "سميح" وهو رجل باكستاني يعمل معه في أبو ظبي، وقبلته لأن تصميمه يتميز بلمسة تراثيه تعبر عن الفولكلور الباكستاني، وهناك عكاز أخر قمت بشرائه بنفسي، فعلاقتي بالعكاز تتعلق في المقام الأول بطوله بما يتناسب وراحة يدي، وأن يكون مريحا لي خلال سيري؛ بإختصار هذه كل علاقتي بالعكاكيز الصحية.

لدي فريد أبو سعدة ثلاثة أبناء يذكرهم تباعا.. يقول: «شاهندا.. بنتي الكبرى، وسميح الذي أفضل أن أناديه سامح، وهشام الذي أطلق عليه «إتش» وهو أصغر أبنائي، وأعتبر أبنى سميح أو سامح عكازي من بين أبنائي نظرًا لكونه تحمل المسئولية منذ ان كان طالبًا بالجامعة، حيث أنه يعمل منذ فترة ليست بقليلة وفي عدد من المهن، وهو الآن متزوج ولديه عدد من الأبناء.

يتابع "أبو سعدة": أشعر مع "سميح" بأن لي«أب»، وأذكر له مثلاُ علي سبيل المثال انه قام بإعداد رحلة لي إلي ماليزيا متحملًا كافة نفقاتها علي حسابه الشخصي، وأعتبره قائم بدور أب، وهو سند ورحيم بي، وأطمأن أنه عندما يتوفاني الله بأنه سيكون سندا لأشقائه ولو من باب الرعاية والنصيحة.

«الجماعة المرجعية».. وسعيد الكفراوي والمنسي قنديل وجار النبي الحلو


«الجماعة المرجعية» تعبير يطلقه "أبوسعدة" علي أصدقائه من الكتاب؛ يقول: «الجماعة المرجعية» هم أصدقائي ممن نشأنا مع بعضنا البعض تقريبًا؛ فمثلا؛ ولد سعيد الكفراوي في العام 1939، وجار النبي الحلو في 1947، وأنا في 1946، وجابر عصفور في 1944، وكذلك محمد صالح رحمة الله عليه، ورمضان جميل رحمة الله عليه الذي كان يعلم جابر عصفور تقاطيع البحور الشعرية، وهو أول ما نشر بالمحلة وأصبح لنا جميعًا بمثابة القدوة، وهكذا أري أن هذا القوس ليس ضخمًا أو كبيرًا، هذا القوس الذي تجمّع في قصور الثقافة، بعضهم كانوا سابقين لنا مثل جابر عصفور ونصر حامد أبوزيد وسعيد الكفراوي، بالنسبة لي ومحمد المنسي قنديل وجار النبي الحلو التحقنا بهم كجيل ثاني، وسرعان ما أصبحنا فريق واحد لدرجة أنهم وصفونا بـ«اللوبي المحلاوي»، وهؤلاء اعتبرهم عكازاتي الذين أعتمد عليهم بالفعل، يشكلون المساندة النفسية والقناعة بأني أقدم عملًا جيدًا، وهم سعداء وقانعين بي، وليس بيننا حسد أو حقد او إزاحة، فكل واحد منهم أصبح له بصمة وكلهم يقدروها، سواء علي مستوي المشهد الشعري او السردي.
«تجريدة» غزو القاهرة.. و«خطابات منتصف الليل»

وحول التوجه الايدلوجي لـ"اللوبي المحلاوي" يقول "أبو سعدة": جار النبي الحلو بمثابة عكازي من الناحية الإيدولوجية والفكرية. ويتابع: أريد أن أضيف شيئًا مهما عن هذه الجماعة، أننا كنا في نقاشاتنا بمثابة «تجريدة» من المحلة إستعدادا لغزو القاهرة، ودائمًا ما كنا نعد أنفسنا لهذا الإنتقال، وكانت نقاشاتنا فكرية جادة، فهناك واقعة طريفة تعود إلى مرحلة الثانوية العامة؛ حيث كنا أنا وجار النبي الحلو والمنسي قنديل نذاكر دروسنا بمنزل جار النبي الحلو، وكنا نختلف بشدة في نقاشاتنا حول الأدب والأفكار، وحين نعود إلي بيوتنا نتبادل ما أسميه بـ«خطابات منتصف الليل»؛ وهي عبارة عن خطابات للرد علي المنسي قنديل مثلاُ بما لم أستطع في حينه أن أرد به عليه وأجيب من الحجج في هذا الخطاب، وثاني يوم أقدم له الخطاب، وهكذا المنسي وجار، وأنظر إلي هذا الموضوع الآن باعتبارنا جيل كان جادًا جدًا في مسألة الإستعداد للشروع في مشروعاتنا الشعرية والفكرية.

قصة تحولات «السفر إلى منابت الأنهار»

أما علي مستوي الشعر؛ فيعتبر "أبو سعدة" ديوانه الأول «السفر إلى منابت الأنهار» هو عكازه في الشعر، وله قصة طريفة يرويها قائلا: تغير عنوانه كما تغيرت قصائده؛ ففى عام 1976 كنت أعمل كرسام في دار المعارف ومعي صديق هو محمد شهدي، جمعنا بعض قصائدي، وقمنا بتدبيسها في هيئة ديوان تحت عنوان "وشم الوردة والحصان"، وعمل تصور للغلاف، ثم تقدمت به إلي «هيئة الكتاب» وكان الشاعر العظيم صلاح عبد الصبور يتولي رئاستها، وحاولت مقابلته، وبالفعل دخلت إليه، وقمت بتعريفه بنفسي وأنني جئت لتقديم ديواني للنشر، وسرعان ما كتب عليه «ينشر» وهو ما أعتبرته بمثابة إجازة له بعد تقييمه له، ولكن الأمر لم يكن كذلك حيث كان يقصد أن يحول إلي لجنة النشر، وظل الديوان بحوزة الهيئة لأكثر من شهرين ولم ينشر، فذهبت الي هيئة الكتاب لمعرفة سبب عدم النشر، فتعرفت من مديرة مكتب صلاح عبد الصبور أن أحد أعضاء لجنة التحكيم الشاعر بدر توفيق، يريد أن يتحدث معي، فذهبت، وجدته قد وضع خطوطًا على جمل متناثرة هنا وهناك، وأن على أن أغيرها لتحرجه وتمنعه من قبول طبعه، رفضت وقلت بل نحذف القصائد التى بها هذا أو ذاك من الممنوعات ونضع قصائد أخرى، وبالفعل بعد أسبوع ذهبت بالبدائل وارتاح إليها ومضيت على أن الأمر قد انتهى وأنه سيدخل فى خطة النشر قريبًا، لكن قريبًا استمرت خمس سنوات!.

ذهبت بعدها إلى جدة، إلى أن عرض على أحمد عزت سليم وفاروق خلف طباعة الديوان ضمن منشورات الرافعى، فعدت إلى القصائد أحذف منها وأضيف مما كتبته خلال هذه الأعوام وغيرت اسمه وصدر بعنوان "السفر إلى منابت الانهار".

«الرسيم».. ومدرس الفلسفة الذي نشر أولى القصائد

يتميز "أبو سعدة" بعوالمه الشعرية الثرية بالصور والمشهدية والتفاصيل حتى أنك تشاهد قصيدته كما لوحة مرسومة، وفي ذلك يقول: الرسم بالنسبة لي هو تعبيري الأول عن نفسي، فقد انشغلت في المرحلة الإبتدائية برؤية الأشياء الغريبة، وترجمت ذلك من خلال الريشة، وأثارت موهبتي دهشة من حولي، وأطلقوا علي في المدرسة «الرسيم»، وبدأ المدرسون استغلال موهبتي في رسم مصطفي كامل، وسعد زغلول، وصقر قريش الذي رسمته علي سور المدرسة كجدارية، وقد أستمر الأمر معي حتي الصف الثاني الأعدادي، ثم أتجهت لكتابة الشعر عندما عجزت عن عدم التعبير عما أريد أن أقوله بالريشة، فقد أتاح لي الشعر ان أعبر عن ما يدور بمخيلتي، وبدأ التزاوج بين الرسم والشعر.

أما عن أول من نشر له فيقول دون تردد؛ إنه «الأستاذ فايز البهجورى» مدرس الفلسفة المسيحى والشاعر الكلاسيكى. ويتابع: في إحدي الأيام، ذهبت إلي مكتبه، وقلت له «أنا بكتب شعر»، وقدمت له قصيدة من من 20 بيتا بعنوان «الراعى»، فقال لي أتركها هنا، وبعد أسبوع فوجئت بأنه نشرها لي في جريدة وطنى بمدرستي، وهو ما تسبب في ذيوع صيتي بين زملائي بالمدرسة، وتوطدت علاقتي بهذا المدرس ولكن سرعان ما انتهت بسبب انصرافي عن نصائحه، فقد كان يكتب الشعر العمودي، وعندما أخبرته أنني أستمع إلي البرنامج الثاني وللقاءات صلاح عبد الصبور، نصحني بعدم متابعة "عبد الصبور"، لكنني كنت قررت الانحياز لأشعار صلاح عبد الصبور ذات اللغة البسيطة والواضحة، والمليئة بالصور التي تتماس وحياتنا وهمومنا بدلًا من الشعر العمودي الذي كان يكتبه «البهجوري» والذي تحتاج لغته إلي مترجم لفهمها.

ببلوجرافيا عن فريد أبو سعده

السفر إلى منابت الأنهار 1985 ـ وردة للطواسين 1988ـ الغزالة تقفز في النار 1990 - وردة القيظ 1993 - ذاكرة الوعل 1997 كما أن له مسرحية شعرية نشرت في مجلة إبداع هي: حيوانات الليل
ولد عام 1946 في المحلة الكبرى.

حاصل على بكالوريوس الفنون 1972 ودبلوم الدراسات العليا في الصحافة 1981.

يعمل مديرًا للنشر الثقافي بدار المعارف، كما عمل مخرجًا صحفيًا.

عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة.

كتب عنه: صبري حافظ، إدوار الخراط، محمد عبدالمطلب، إبراهيم أبوسنة، وغيرهم.

حصل على جائزة الثقافة 1969، وجائزة الدولة التشجيعية1993.