رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. وابنه مازن: أجاب عن سؤال التجديد الدينى قبل نصف قرن

المهندس مازن الصعيدى
المهندس مازن الصعيدى

- عالج قضايا الدين بفكر معاصر وربط الانحدار بتدخل الصوفية وأهل الحديث
- الأزهر فصله من كلية اللغة العربية إلى التدريس فى معهد

عدّد المهندس مازن الصعيدى، نجل الشيخ الراحل عبدالمتعال الصعيدى، مآثر والده على الفكر الدينى الإسلامى، معتبرًا أن إسهامه الأساسى كان إعمال العقل فى فهم النصوص الدينية. وأخذ الصعيدى الابن، الذى يبلغ ٨٠ عامًا، فى حواره مع «الدستور»، على الأزهر ما سماه«التقصير» فى حق والده، متذكرًا كيف كانت ردة فعل المشيخة القوية على كتاب «الحدود فى الإسلام»، عندما فُصل من كلية اللغة العربية وأُرسل للتدريس فى معهد أزهرى. ورأى أن التفكير فى الجنة والنار، وإلغاء دور العقل، هما السببان الأساسيان فى تخلف المسلمين، لافتًا إلى أن الإجابة عن سؤال التجديد الدينى موجود فى كتاب والده «المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر».

■ نبدأ من الحاضر.. فى ظنك ما الذى تبقى من تراث عبدالمتعال الصعيدى؟
- عبدالمتعال الصعيدى صاحب تأثير جينى علينا، سواء فى تكويننا الفكرى أو الثقافى، اكتسبنا منه الفكر الدينى المنفتح، وعلمنا كيف نؤمن بشكل عقلانى.
■ فكريًا.. ما أوجه التجديد عند عبدالمتعال الصعيدى؟
- نهج والدى الفكرى كان مختلفًا، وتناول أوجه التجديد منذ القرون الأولى للإسلام وحتى العصر الذى عاش فيه، إذ عالج قضايا الفكر المعاصر، بمناقشته الزمن الذى حدث فيه الانحراف، بداية من القرن الثانى الهجرى بظهور الصوفية وأهل الحديث وتدخلهم فى الثقافة الإسلامية، ما جعل المسلمين يأخذون منحنى آخر.
■ ما الفكر الذى كان يميل إليه؟
- أبى كان يميل لفكر المعتزلة، وكان يرى ضرورة استكمال منظومة الفكر المعتزلى، لكن للأسف الشديد خشى الشيوخ فى زمانه من إعمال العقل، رغم أن الله عز وجل أحكم العقل فى الوصول إليه، وخلقه ليهدى الإنسان إلى ربه ولمساعدته فى إعمار الأرض وأن يصبح خليفته فيها.
■ ترى لماذا اختفى المنهج المعتزلى؟
- هذا يرجع إلى أسباب نفسية أكثر منها ثقافية، فخط انحراف الأمة بدأ فى عهد المتوكل الذى قضى على فكر المعتزلة، وسجن كل من ينتمى لهم، ومن هنا انتهى تحكيم العقل، وبدأ خط الانحراف أو ما أطلق عليه الوالد «ظهور مدرسة أهل الحديث».
■ ومن الذى جعلنا نتمادى فى هذا الانحراف فى رأيك؟
- السلفيون والأزهر، لأنهم لا يطيقون مناقشة القضايا الخلافية، فلو ناقشت أى قضية عند الصحابة أو التابعين واختلفت معهم سيكفرونك على الفور.
■ وهل تعتقد أن أهل الحديث هم السبب فى الفهم غير الصحيح للدين؟
- نعم، فلدينا ٦٠٠ ألف حديث موضوعة فى الشريعة، بما فيها سلسلة الأحاديث الموضوعة من أهل الحديث، وهذا كله كلام غير دقيق، فحتى البخارى حقق ستة آلاف حديث فقط، والإمام أحمد بن حنبل له ٣٠ ألف حديث، وأشار فى بعض المواضع إلى أن معظمها ضعيفة، ولكن لابد من اتباعها حتى ولو فى فضائل الأعمال، لذلك دعم «الصعيدى» اتجاه العقل، لأنه أحد مقاصد الدين.
■ فى رأيك.. ما أهم كتاب للشيخ الراحل؟
- «الحدود الإسلامية»، وهو مخطوط لم يُطبع حتى الآن، وناقش فيه عقوبة الزنا والسرقة من حيث جعلها للإباحة لا للوجوب.
■ هل أراد الشيخ الصعيدى أن يلغى الحدود الإسلامية؟
- لا لم يرد إلغاء الحدود، ففى مقالة له فى الستينيات شرح والدى قول الله تعالى: «أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ* ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
ولأنه كان متبحرًا فى اللغة رأى أن الآيات لا علاقة لها بالأحكام، فأشار إلى أن «الواو» التى بين السارق والسارقة، جاءت تعطف، فاجتهد بأنها تشير إلى تدرج عقوبة السرقة من العقوبات التعزيرية إلى العقوبات البدنية، فالحدود الإسلامية عند والدى تأتى بالندب لا بالوجوب، أى أن فيها اختيارا.
■ وماذا كان رد فعل الأزهر على الكتاب؟
- قامت الدنيا، وحوكم والدى وخرج من كلية اللغة العربية وتم تحويله للتدريس فى معهد أزهرى وخصم ١٥ يومًا من راتبه، ولكن لم يبق هذا الحال كثيرًا، فعاد إلى مكانته عندما تولى الشيخ مصطفى المراغى مشيخة الأزهر.
■ ما سبب تخلف الأمة الإسلامية؟
- التفكير فى الجنة والنار وترك الشئون الحياتية والتواكل وإلغاء دور العقل.
■ هل لمست أفكار الصعيدى التجديدية محاولات مماثلة فى الأزهر؟
- بعد الشيخ محمد عبده ظهر مجموعة من علماء الأزهر الذين يدعون إلى تصحيح وتجديد، ولكن للأسف عمل الاستعمار على هدم جهود هذا الاتجاه التنويرى، وخلق جماعة الإخوان المسلمين، ونجحت هذه الجماعة لأنها تخاطب أنصاف المتعلمين من الشعب.
■ ماذا كان رأى الشيخ عبدالمتعال فى حسن البنا؟
- فى مرة من الأيام، أثناء حديثى مع والدى ذكرت اسم حسن البنا.. وبكل استنكار قال لى: «إيه المُدرس الإلزامى ده؟»، وفهمت حينها منه أن البنا لا يملك فكرًا، وإلى الآن لم أنس ما قاله لى أبدًا.
البنا -وفقًا لأبى- كان يتاجر بالدين من أجل أن يدفع له الناس «الاشتراك الشهرى»، ليسمعوا منه حديثه، إلا أنه للأسف يتناول قشور الأمور الدينية، ويستشهد ويستند لبعض الأحاديث والآيات القرآنية، ليجعل العامة من الناس تصدق حديثه، اعتقادًا منهم أنهم ضمنوا الجنة بهذا الاشتراك، كما أن إنتاجه خالٍ من الفكر الرصين.
■ وبشكل عام.. ماذا كان رأيه فى «الإخوان»؟
- كان يرفض فكرهم، ورغم أن المركز العام للإخوان فى الحلمية الجديدة كان جوار مسكنّا، لم نقترب منهم على الإطلاق مع أننا كنا نعايشهم بشكل مباشر، لأنه علمنا أن الإسلام عقل وعلاقة بين العبد وربه، وأى علاقة غير هذه تحجب الإنسان عن ربه وتحجبه عن عقله، مرفوضة عندنا، والقرآن علمنا «أفلا تعقلون» و«أفلا تتدبرون»، لذلك كان من رابع المستحيلات أن ينجذب أحد منا لهذا الفكر.
■ كيف كانت علاقة الصعيدى بالمفكر خالد محمد خالد؟
- كان والدى يعتبره تلميذًا من تلاميذه، وكان يرفض مسار الكتابة الصحفية عند خالد محمد خالد، ورد عليه عندما كتب «من هنا نبدأ» بكتاب «من أين نبدأ؟» فقد كان يراه غير راسخ فى العلم.
■ انطلاقًا من أفكار الصعيدى.. كيف ترى السلفية المعاصرة؟
- السلفية لا ترى فى الإسلام سوى الأربعين سنة الأولى فقط، وتجهل ما يمر به العالم اليوم، وكأنهم جمدوا الإسلام فى بدايته فقط، ولا يرون الحداثة والفضاء الواسع.
والسلفيون يحذرون الناس ألا يسيروا وراء العقل، اعتقادًا منهم أنه يضل، فأنا متعجب مما يعتقدون، فالعقل يهدى إلى الله والطريق الصحيح.
■ «لماذا أنا مسلم؟».. هذا الكتاب من الواقع أم حوار متخيل للشيخ الصعيدى؟
- كان حوارًا متخيلًا لتوضيح أمور الدين.
■ كتب الصعيدى غير متوفرة بالمكتبات - حتى مكتبة الأزهر- لماذا؟
- نعم معظم كتاباته غير متوفرة فى السوق، وهذا يرجع إلى أنى أكدت على الأزهر ومكتبته ألا يتداول أحد المخطوطات، خوفًا من سرقتها والتلاعب بها، فاستجاب شيخ الأزهر د. أحمد الطيب لطلبى، وتم تحويل كتب الوالد إلى مجمع البحوث الإسلامية، وخاصة كتاب «الحدود الإسلامية».
■ ما الكتاب الذى تنصح به من تراث الصعيدى؟
- أنصح الجميع بقراءة «المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر»، وتدريسه فى الأزهر الشريف وعلى طلبة الثانوية العامة، لأنك ببساطة عندما تتحدث عن تجديد الخطاب الدينى، ستجد الإجابة فى هذا الكتاب. أكثر من مائة مجدد قدمهم والدى فى هذا العمل الذى يوضح بكل سهولة لماذا انحرفنا عن الفهم الصحيح لهذا الدين، لماذا حدثت لنا المشكلة، وأين الحل.
■ أخيرًا.. من فى ساحة الفكر الدينى حاليًا يشبه عبدالمتعال الصعيدى؟
- سعد الدين الهلالى، أستاذ الفقه المقارن، وآمنة نصير أستاذة الفلسفة، يشبهان بعضًا من جوانب فكر والدى، لكن ليست الجرأة مثل الصعيدى.