رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: وزير التعليم فى ملعب مرسى الزناتى


حالى حال ملايين المصريين الذين يترقبون بأمل وفزع، فى وقت واحد، نظام التعليم الجديد فى مصر.. وتنتابنى حيرة لا نهائية وارتباك يدفعنى فى النهاية إلى اليأس والإحباط واللا مبالاة.. وكلما دفعت بتلك الهواجس التى تحاصرنا بعيدًا عادت لتداهمنى من جديد.

باختصار.. لدينا عشرات الأنظمة.. مش نظام واحد للتعليم فى مصر.. يعنى تعليم حكومى.. وتجريبى.. وخاص.. عربى ولغات ودولى.. وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.. والمحصلة صفر.. أيوه صفر.. قولها وأنت مستريح.

المحصلة التى نلمسها بأيدينا فى كل لحظة.. هى أن التعليم الذى حصل عليه أمثالى فى المدارس الحكومية القديمة صار حلمًا نتمنى ربعه لأبنائنا.. والمحصلة أيضًا أن المدارس مجرد «يافطة».. فيما حل المدرس الخصوصى بديلًا.. بديلًا مؤقتًا وصعبًا.. مرهقًا لمعظمنا.. فهل يصدق أحدكم أن متوسط ما ندفعه شهريًا للطفل الواحد فى الإعدادية خمسة آلاف جنيه.. شوف بقى باقى البيت يعمل إيه.. ياكل منين.. ويشرب إيه.. ويتعالج إزاى؟!.

باختصار أيضًا.. كل ده يهون.. لو كانت نتيجة «التربية والتعليم جيدة»، لكن الأمر مجرد حفظ معلومات ينتهى مفعولها عقب أداء آخر امتحان.
هذا عن التعليم فى مراحله الأولى.. أما التعليم الجامعى فخد عندك.. الولد أو البنت من دول بعد ما يطلع عينه وعين أهله ويجيب فوق الـ٩٥٪.. مش بيلاقى فرصة لكلية كويسة.. ولأن ما أصبح يقينًا عند معظمنا صار كارثة وليس مجرد عبء.. أصبحت الحكاية هرتلة لا نهائية ولا طائل منها.

حكى لى صديق صباح أمس عن قريبه المقاول الكبير الذى قرر ألا يدخر شيئًا لابنتيه، وأن يضع كل ماله فى تعليمهما.. كان القرار قبل تعويم الجنيه.. ومن الآخر ذهب الرجل بابنتيه للجامعة الأمريكية.. وكانت النتيجة أن متوسط ما يصرفه فى سنوات تعليمهما سيتعدى الملايين الأربعة.
طب الراجل ده عنده ٤ ملايين.. واللى ما عندوش؟!.
من هم مثلى فى وظيفة يعتبرها البعض كبيرة لو حسب مرتبه كله فى ٣٦ سنة شغل.. مش هيقدر يدفع تمن تعليم البنتين فى الجامعة لوحدها.

الذين يتحدثون عن تلك الطبقية التى ستنتج من النظام الجديد الذى تتبناه الحكومة.. طب وهى الأنظمة اللى موجودة حاليًا ما بتكرسش للطبقية.. وهوه حال مدارس الحكومة فى الريف والأحياء الشعبية ما بيجبش إحباط للولاد اللى بيشوفوا شكل الولاد اللى بيدرسوا فى الدولى والخاص.
وبعدين إنجليزى ولا عربى هنوصل فى الآخر لإيه.. تعليم حقيقى ولّا على طريقة مرسى الزناتى.. العلم فى الراس مش فى الكراس؟!.
بعيدًا عن تفاصيل اللغط اللى داير.. عايز أقولكم إن ابنى عنده ١٤ سنة.. وهو وزمايله أكثر استيعابًا منى وزملائى من الآباء والأمهات للنظام الجديد.. ومش خايفين زينا ولا قلقانين.. وواصلين لنتائج أكثر أريحية ربما تفاجئكم.. همّا شايفين إنه إيه المشكلة لما نجرب.. ولو خسرنا.. هنخسر إيه؟!.. هل هنوصل لنفس المستوى اللى إحنا فيه.. طب ما هو إحنا فيه.. ومن غير كلاكيع كل واحد فيهم محدد طريقه.. وعارف رايح فين.. وما تستغربوش لو لقيتوا حد فيهم مثل ابن صديقى بيقولكم.. شوفوا الفلوس اللى ناويين تصرفوها عليا كام.. وهاتوهالى أعمل بيها مشروع!!.

أما أصدقائى ممن ينظرون بريبة للبنك الدولى.. ولكل منحة أو قرض.. فلكم الحق طبعًا، فالسوابق لهذا «الدولى» كلها ليست مطمئنة.. لكننا حتما نستطيع أن نأخذ ما ينفعنا ونتجاهل ما لا نريد.. نستطيع أن ننفذ خططنا نحن.. فزمن الإملاءات انتهى.

كل جديد فى أوله قطعًا مربك.. والطريقة التى يتحدث بها وزير التعليم الذى نسانده فى أفكاره ليست على المستوى المطلوب نعم.. لكننا أيضًا متخوفون زيادة عن اللزوم.. مطلوب من معالى الوزير.. شفافية أكثر.. ورحابة صدر أوسع.. وتفاصيل ولقاءات وحكى.. لأنه مستقبل البلد بحاله.. فدون إصلاح حال التعليم فى هذه البلاد لن نصل إلى شىء أبدًا.