رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجيش السرى لأردوغان «2»


يحل النجم الأردنى إياد نصار، ضيفًا على برنامج «تعشب شاى»، الذى تقدمه الفنانة غادة عادل على قناة «dmc»، وذلك فى تمام الساعة التاسعة مساءً فى حلقة خاصة بعنوان «الحياة الخاصة فى عصر فيسبوك». يتحدث خلالها «نصار» عن الحياة الخاصة، وهل ما زال يستطيع أى إنسان أن يحافظ على خصوصيته مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة والسوشيال ميديا؟.

مقال الأسبوع الماضى تناولنا فيه قراءة من داخل أوراق شركة «سادات» التركية، التى سجلت فيها أنها توفر الخدمات الاستشارية والتدريبات العسكرية فى مجال الدفاع الدولى. وما تبين من خلال النشاطات المعقدة والمتنوعة للشركة الخاصة، جعلها على ساحة العمل العسكرى «الخاص» والأمنى المحلى، كما ذكرت عن نفسها، فى بؤرة أحداث العمل المسلح الذى تضطلع فيه أنقرة بأدوار متنوعة، ليس فى جوارها الحدودى فقط، بل البعض منها امتد إلى أبعد وأعمق من ذلك.
نهج تشكيل وحدات عسكرية «خاصة» وغير رسمية، ليس بالأمر الجديد على المستوى الدولى، وإن ظل بالطبع يمثل منطقة رمادية يُراد لها ممن يمتلكون قوات من هذا النوع أن تظل محجوبة الإضاءة، فعملها بمناطق الصراعات يكتنفه الكثير من التحفظات، بالنظر إلى طبيعة المهام التى تقوم بها، وباعتبارها غير خاضعة لضوابط «العمل العسكرى» الرسمى، مثلت شركة «بلاك ووتر» الأمريكية النموذج الأشهر والأول، الذى ظهر على الساحة العراقية إبان الغزو الأمريكى للعراق ٢٠٠٣. ومؤخرًا ظهرت الطبعة الروسية فى سوريا «مجموعة واجنر»، التى كشف النقاب عنها بعد سنوات من العمل فى مهام غير تقليدية، طوال سنوات الصراع المسلح باعتبارها قوات مسلحة «غير رسمية»، تقدم دعمًا عسكريًا وعملياتيًا للنظام السورى على الأرض.

طوال سنوات الأزمة «٧ أعوام»، كشفت الأحداث فى سوريا عن أن إيران قطعت شوطًا متقدمًا فى هذا المضمار، فيما ظهر عليه «الحرس الثورى» من جاهزية وفاعلية إذ لعب أدوارًا متنوعة، بنفسه من خلال قواته وقياداته، أو عبر تشكيلات مسلحة يقوم بتجنيد عناصرها وتأهيلها، للانخراط فى لعب أدوار «مسلحة» فى ذات المنطقة الرمادية. وهذا ربما دفع أنقرة لمحاولة اللحاق بالغريم والمنافس التقليدى، وبدأت أولى خطوات السير على هذا الدرب كما جاء بالمقال السابق تفصيليًا عام ٢٠١٢، من خلال السماح وتدعيم إنشاء شركة «سادات» للقيام بمهام مقاربة للنسخة الأمريكية والروسية، وهما كانا الأقرب حينها للفكر التركى بأكثر من الآلية الإيرانية، فالأخيرة لها طبيعتها المعقدة فى ولائها المذهبى وتبعيتها للمرشد الأعلى، ومخصصات ميزانيتها وتجهيزها التسليحى وأجهزتها الاستخباراتية الموازية لأجهزة الدولة فى طهران.
لكن يمكن اعتبار حادثة «الانقلاب الفاشل»، الذى جرت وقائعه ٢٠١٦ بتدبير قيادات وبتنفيذ بعض من وحدات «الجيش التركى»، بمثابة النقلة المتطورة التى طرأت على عمل وهيكلية شركة «سادات»، لتصل بها إلى نسخة «أردوغانية». استلهمت بعضًا من خصائص «الحرس الثورى» المذهبى الولاء، فضلًا عن احتفاظها بالنمط الأمريكى الذى يميل إلى تطويع «العمل» داخل إطار ومفاهيم «الشركات». وعكست تلك النقلة أيضًا التطور والتوسع اللذين طرآ عليها، من خلال تعيين العميد «عدنان تانريفردى» رئيس الشركة، مستشارًا للرئيس التركى لـ«شئون الجيش».
هذا التطور، هو ما تناوله معهد الأبحاث الأمريكى «أمريكان إنتربرايز» فى تقرير باحثه الشهير «مايكل روبن»، الذى ذكر فيه: أن «سادات» لم تكتف بتقديم التدريبات العسكرية داخل تركيا، بل تقوم كذلك بتدريب وتجهيز الجماعات الإرهابية مثل داعش فى سوريا. كما كشف عن رفض الحكومة التركية السماح لأعضاء البرلمان التركى، بتفتيش المخيمات التدريبية الخاصة بالشركة، خاصة بعد علمهم أن نشاطات «سادات» امتدت، لتقوم بتجنيد وتدريب مجموعات من آسيا الوسطى «الشيشان، طاجيكستان، كازاخستان». وعن تصعيد العميد تانريفردى من رئاسة شركة خاصة، إلى أن يحتل مقعد المستشار فى دائرة أردوغان الضيقة، وهو الذى شغل منصب قائد القوات الخاصة التركية قبل أن يُطاح به خارج الجيش، بسبب تقارير أمنية أدانته بالتورط فى أنشطة إسلاموية حركية. دفع هذا الباحث روبن لأن يتساءل؛ هل أصبحت «سادات» الحرس الثورى الخاص بأردوغان؟.
بعد أسابيع من نشر هذا التقرير، جاءت الـ«فورين بوليسى» الأمريكية لتؤكد المعنى والتوصيف، تحت عنوان «جيش أردوغان الخاص»، معتبرة أن شركة «سادات» لا يقتصر نشاطها على تنفيذ رغبات أردوغان فى داخل تركيا فحسب، مشيرة إلى فترة ما بعد الانقلاب، بل إن الشركة تعد هدفها الأكبر أن تتحرك بحرية فى دول العالم الإسلامى. وكشفت عن قيامها بتدريب وتجهيز عدد من الميليشيات المنخرطة فى صراعات المنطقة، محذرة من اصطدام أردوغان بمشكلات كبيرة بعد أن خلق معسكرين داخل الجيش التركى. وقد أبرزت المجلة الشهيرة؛ ما كتبه «عدنان تانريفردى» بتوقيعه كبيان للشركة: «تم تأسيس سادات لمساعدة العالم الإسلامى، فى الوصول إلى مستويات القمة، التى تتناسب مع وضع الدول الإسلامية، لتحقيق مصيرها بين القوى العظمى». معتبرة هذا النوع من الخطاب هو الأكثر التصاقًا بالعقيدة الأردوغانية، التى يروج لها بين حلفائه من الدول والميليشيات المسلحة.
منصة «العدل والسلام» الأوروبية الحقوقية؛ عبرت هى الأخرى فى تقرير معمق، عن الأخطار التى قد تنجم عن التوسع فى نشاطات شركة «سادات»، ذكرت فيه: أن النظام التركى بعد أن شدد قبضته على الشعب التركى، عمل أردوغان على توسيع سلطته وبنى جيشًا جديدًا، أو بشكل أدق ميليشيا خاصة به. عملت هذه الميليشيا على تلبية طموحات أردوغان على الساحتين المحلية والدولية، تحت غطاء قانونى كشركة استشارات دفاعية، تعمل على تقديم خدمات تدريبية عسكرية محليًا وإقليميًا، وتبيع أسلحة متنوعة، بالإضافة إلى تقديم خدمات استشارية لتنظيمات دولية. كما أدت العلاقة المباشرة بين أردوغان ومدير شركة «سادات»، إلى إثارة حفيظة معارضى أردوغان ومطالبته بإصدار توضيحات، لا سيما فى ظل انتشار تقارير حول قيام الشركة بتدريب مقاتلى «داعش» فى معسكرات تابعة لها.
ما أثار القلق الأوروبى، واعتبر أنه يزيد الطين بلة بالنسبة لها، أن أوروبا تستوعب لاجئين بعد تلقيهم تدريبات فى مخيمات «سادات» العسكرية، الأمر الذى يعنى وجود خلايا إرهابية نائمة فى البلدان الأوروبية، تنتظر الإشارة من الشركة التى يسيطر عليها أردوغان. ولذلك تلقت سلطات الاتحاد الأوروبى توصيات ملحة، بتشديد الرقابة على شركة «سادات» وأذرع تعاونها الخارجية، بهدف تقليص مساحات الحركة أمامها فيما يخص أمن دول الاتحاد.