رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نهضة مصر.. المرأة المصرية فى ثورة 19


ما زلنا فى شهر مارس، فى أجواء الاحتفال بذكرى ثورة ١٩، وأيضًا الاحتفال بيوم المرأة المصرية، حيث لعبت المرأة المصرية أدوارًا مهمة فى التاريخ منذ إيزيس وحتى الآن. وما يهمنا هنا هو الدور المهم وغير المسبوق الذى لعبته المرأة فى ثورة ١٩.
شاركت المرأة فى الثورة منذ الأيام الأولى، ولأول مرة فى التاريخ المصرى تخرج المرأة فى ١٦ مارس ١٩١٩ فى مظاهرة كبرى مُنظَّمة ضد الاحتلال، للمطالبة بالاستقلال وعودة سعد زغلول من المنفى. ويُقدِّر المؤرخون عدد المشتركات فى المظاهرة بحوالى خمسمائة وثلاثين امرأة تتقدمهن زوجات زعماء الثورة، هؤلاء الزعماء الذين تم نفيهم خارج البلاد. والجدير بالملاحظة أن العدد السابق كبير بمعيار العصر، فضلًا عن أنها المرة الأولى التى تخرج فيها المرأة بمظاهرة كبرى.
خرجت المظاهرة على أحسن وجه وفى شكل تنظيمى جيد؛ خرجت فى شكل صفين من النساء يرفعن الأعلام، ويمررن فى الشوارع الرئيسية فى شكل مهيب، تصاحبهن زغاريد النساء فى الشرفات.
وقطعت القوات البريطانية الطريق على المظاهرة بالسلاح، لكن المتظاهرات استمررن فى مسيرتهن، مما اضطر الجنود إلى فتح الطريق لهن. حيث وصلت المسيرة إلى مقار سفارات الدول الأجنبية، وتم تسليم مذكرات احتجاج ضد سياسة بريطانيا القمعية تجاه الثورة.
ولم تكن هذه المسيرة، هى المسيرة الوحيدة للمرأة المصرية، إذ سرعان ما خرجت مسيرة أخرى فى ٢٠ مارس إلى بيت الأمة، بيت سعد زغلول، ترفع لافتات باللغتين العربية والفرنسية، تُنَدِّد بالاحتلال الانجليزى، وتُطالب بحق الشهداء. وحاولت السلطات البريطانية قمع المسيرة، ومنعها من الوصول إلى بيت الأمة. وكادت الأمور أن تسوء لولا تدخُل القنصل الأمريكى للحيلولة دون تدهور الأمور.
وتأكيدًا على مبدأ المواطنة، ووحدة الوطن فى مواجهة الاحتلال، احتشدت أعداد من النساء المصريات فى البطريركية القبطية فى كلوت بك، تأكيدًا على وحدة الأمة، عندما قامت بريطانيا بتعيين رئيس وزراء قبطى هو يوسف وهبة باشا، فى محاولةٍ لضرب المقاطعة المصرية، ولمحاولة الوقيعة بين الأقباط والمسلمين، وإحداث اضطرابات طائفية لإجهاض الثورة.
وكانت أكبر المظاهرات وأهمها، المظاهرة التى حدثت فى ١٦ يناير ١٩٢٠، حيث كانت المظاهرة تعتبر بحق تحولًا نوعيًا فى نضال المرأة المصرية. إذ خرجت المظاهرة من باب الحديد «رمسيس»، قاطعة شوارع القاهرة وصولًا إلى ميدان عابدين. كما قامت طالبات المدارس بالهتاف والدعاية للثورة فى الطريق لاستقطاب مشاركات جدد. وركبت بعض النساء الترام أثناء سيره وقُمن بالهتاف بحياة سعد، وبسقوط الاحتلال فى مشهدٍ مهيب لم تعتده المرأة المصرية من قبل.
ومع تأخر مشاركة الموظفين فى الثورة، خوفًا على أوضاعهم الوظيفية ورواتبهم، توزعت بعض النساء على المصالح الحكومية، لحث الموظفين على المشاركة فى الثورة، وإثارة نخوة الرجال، إذ كيف تشارك المرأة ويجْبُن الرجال؟!.
وترتب على المشاركة الواسعة للمرأة فى الثورة، ظهور زعيمات سياسيات لأول مرة، حيث تم إطلاق صفة «أم المصريين» على صفية زغلول، زوجة سعد زغلول، وكذلك الظهور الكبير لـ«هدى شعراوى وإستر فهمى ويصا» وغيرهما. واحترامًا وتقديرًا لدور المرأة المصرية فى ثورة ١٩، اختار المثَّال الكبير محمود مختار المرأة المصرية، رمزًا لتمثال نهضة مصر الشهير. إذ صوَّر نهضة مصر فى الفلاحة المصرية التى تستند إلى تاريخها متمثلًا فى أبى الهول، وتتطلَّع للمستقبل. وما زالت المرأة المصرية هى «نهضة مصر».