رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مائة عام على ثورة 19.. فلنستعد من الآن


اقتربنا من مئوية ثورة ١٩١٩، العام المقبل، وإنه لحدث لو تعلمون عظيم. نعم، وبلا أى شوفينية، علينا أن نبدأ من الآن الاستعداد لهذا الحدث العالمى، مائة عام على ثورة ١٩.
انتهت الحرب العالمية الأولى فى عام ١٩١٨، بعد حربٍ ضروس سقطت فيها إمبراطوريات، وانتصرت فيها دول على أخرى، وبات من الواضح أن عالم ما بعد الحرب يتشكل، ولِمَ لا؟ إنها أول حرب فى التاريخ توصف بالعالمية.
خرجت بريطانيا العظمى من الحرب منتصرة، لتؤكد من جديد أنها سيدة البحار، الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس. لكن الشعب المصرى، الذى بالفعل يهوى إبهار العالم، سيقوم بثورته فى العام التالى لنهاية الحرب، عام ١٩، ليبدأ مسيرته فى غروب الشمس عن هذه الإمبراطورية. هذه المسيرة التى بدأت بثورة ١٩، وانتهت بقطع ذيل الأسد البريطانى بعد حرب ١٩٥٦.
كانت ثورة ١٩ كلمة السر وراء تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢، ثم إعلان قيام المملكة المصرية، فى وقت كانت الدول المستقلة فى آسيا وإفريقيا تُعد على أصابع اليدين. هل ننسى دستور ١٩٢٣؟ هل ننسى قطع مصر صلاتها بماضيها العثمانى، والتأسيس الحقيقى للقومية المصرية؟.
وعلى المستوى الإقليمى العربى كانت ثورة ١٩ هى الثورة المُلهمة للثورات العربية آنذاك. يذكر المؤرخون العراقيون كيف ألهمت ثورة ١٩ الحركة الوطنية فى العراق، حيث قامت ثورة العشرين، ١٩٢٠، فى أرجاء العراق ضد الاستعمار الإنجليزى. وفى السودان سيقوم على عبداللطيف ابن وادى النيل، والمتأثر بأفكار ثورة ١٩، بثورة ١٩٢٤ الشهيرة فى التاريخ السودانى. وفى بلاد الشام، ستندلع الثورة السورية الكبرى فى عام ١٩٢٥ ضد الاستعمار الفرنسى، ويُعلِن قادتها أنهم يسيرون على خطى الثورة المصرية، ثورة ١٩.
ولم يكن إبهار المصريين للعالم فى ثورتى ٢٥ يناير - ٣٠ يونيو بالجديد، إذ أبهروا الدنيا قبل ذلك فى أثناء ثورة ١٩، حيث تساءل الجميع: كيف يخرج الشعب المصرى بثورة على بريطانيا العظمى التى خرجت منتصرة من الحرب العالمية الأولى؟ ووقف لها المهاتما غاندى فى الهند إجلالًا واحترامًا شاهدًا بأنها ألهمت الهند فى نضالها ضد الاستعمار البريطانى. وفى تركيا ـ الوليدة آنذاك ـ يرسل مصطفى كمال أتاتورك رسالة احترام وتقدير للثورة المصرية، ثورة ١٩، التى ألهمت الشعوب معنى الوطنية والاستقلال.
وفى عام ١٩٦٩، ومصر تعانى آثار هزيمة ٦٧، يدعو الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إلى الاحتفال بالذكرى الخمسين لثورة ١٩. وتشهد صفحات الأهرام العديد من المقالات حول ثورة ١٩، ويُصدر الأهرام كتابًا تذكاريًا بمناسبة مرور ٥٠ عامًا على ثورة ١٩. ويكتب هيكل بنفسه مقدمة الكتاب، حيث يعترف بأن نكسة ٦٧ فتحت الأبواب على مصاريعها لمراجعة التاريخ المصرى، وأن الهزيمة جعلت المصريين يتساءلون: «لماذا هُزِمنا؟»، ويكتب هيكل: «إن الشعوب فى أوقات الأزمات، أحوج ما تكون إلى الإلهام الذى يمنحه لها إحساسها بتاريخها».
علينا أن نبدأ من الآن الاحتفال بثورة ١٩، الثورة المصرية المُؤسِّسة للقومية المصرية، والثورة المُلهمة لغيرها من الشعوب العربية والشعوب الصديقة.. مائة عام على ثورة أبهرت العالم آنذاك. علينا أن نستمد الأمل فى المستقبل من تاريخنا.