رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: رسائل منتجى البصل إلى سحر نصر


ستة أيام قضيتها بين أهلى وأصدقائى فى سوهاج وقنا وأسيوط.. نفس الحفاوة التى يستقبلوننى بها فى كل مرة.. نفس الروح الودودة.. ونفس الأسئلة التى يحاصروننى بها فى كل مرة، ظنًا منهم أن العاملين فى مجال الإعلام يعرفون كل شىء.. والطبيعى أن حياة أهلنا فى الريف مرتبطة بمواسم حصادهم.. وهذه الأيام موسم «البصل».. وكان من الطبيعى أن يطغى حديث «تصدير البصل» على أى حديث آخر.
يتابع أهلنا بشغف ما يحدث فى سيناء.. ويسألون عن سر «حرب الغاز».. وربما يفاجئك أن فلاحًا مطحونًا مشغول بمنافذ تهريب السلاح، وكيف أنها تنتقل من حدودنا الجنوبية عبر ممرات لا يعرفها إلا العرب حتى تصل إلى مطاريد الجبل.. الجبل الذى بذل رجال الشرطة فى سوهاج وأسيوط جهدًا غير عادى لمحاصرته.. محاصرة الذاهبين إليه والنازلين منه.. واستخدموا فى ذلك أساليب مختلفة أهمها من وجهة نظرى ما جرى فى ملف المصالحات الثأرية، خاصة فى المدن والمراكز والقرى المتاخمة للجبل.. فمن تعوّد أن يأتى بالأسلحة للمتخاصمين من أهلنا لسنوات.. يعرف الطريق إلى آخرين لا نعرفهم.. ولساعات استمعت من اللواء خالد الشاذلى، مدير المباحث الجنائية فى سوهاج، الذى بذل مع اللواء عمر عبدالعال، مدير أمن المحافظة، جهدًا خلاقًا فى هذا الملف ولا يزال.. وبالمصادفة حضرت المفاوضات الأولى لصلح فى خصومة ثأرية عمرها ٤٧ سنة وكيف استطاع الرجل بمهارة إقناع ولى الدم بقبول القودة، وتعهده المدهش بحماية الرجل الذى سيقدمها ومساعدته فى تكاليف الصلح من جيبه إن استدعى الأمر.

يؤمن الرجل ومعه عدد كبير من القيادات الشرطية فى سوهاج وقنا وأسيوط، أن النجاح فى هذا الملف يسهم بشكل كبير فى استقرار الصعيد، ومن ثم الالتفات إلى ملف التنمية ومطاردة الإرهاب فى جحوره أمر فى غاية الأهمية.. وبقدر سعادتى بذلك الأمر.. بقدر سعادتى بما سمعته من اللواء عبدالحميد الهجان، محافظ قنا، الرجل الذى يشترى الشاى والسكر على حسابه، رجل هادئ ويتحدث عنه أهالى المدينة بمودة شديدة.
المصادفة وحدها جمعت بين حديث الانتخابات، والإرهاب، والتنمية، ليتأكد الكل أن كل ما يحدث مرتبط ببعضه.. فمحاولة خنق بلادنا اقتصاديًا حرب كبرى لا تقل أهمية عن مواجهة الإرهابيين فى سيناء وغيرها.. وهذا ما تفعله الدولة الآن.. تدشين العلمين الجديدة.. ومن قبلها العاصمة الجديدة.. والمرحلة المقبلة من المليون ونصف المليون فدان.. والمثلث الذهبى وتنمية الصعيد.. أصبحت جميعها كلمات معتادة على لسان أهلى هناك.. ولأنهم «عطشى» لأى شغل على الأرض.. سألونى ببساطة: لماذا لا تنظر إلينا الدكتورة سحر نصر بعين الرحمة؟.. وشرحوا الأمر: طن البصل السنة دى بـ٧٠٠ جنيه وتكلفته أربعة أضعاف الرقم.. يعنى خراب بيوت.. والناس واخدة قروض من البنك.. البصل كده نرميه للبهايم أحسن.. شكوى مزارعى البصل فى سوهاج، هى نفسها شكوى مزارعى الرمان فى أسيوط.. التى تنتج ما يزيد على سبعين بالمائة من الإنتاج المصرى.. ورغم الطلب على المنتج من أماكن كثيرة، إلا أن بعض الإجراءات فى عملية تصديره تتسبب للمزارعين فى خسائر فادحة.. وحكى لى عدد من أعضاء جمعية المستثمرين، أنهم حصلوا على أرض من سنوات تم تخصيصها لإنشاء مصنع رمان.. ومرت سنوات دون أن يحدث أى جديد، فى الوقت الذى استطاعوا فيه بجهد فردى جذب مستثمرين لإقامته، لكن الإجراءات العقيمة أفشلت كل شىء.. وفى النهاية، المزارعون يبيعون للسوق المحلية بربع التكلفة، مما يهدد المحصول والعاملين به بالكامل.. وما حدث فى أسيوط حدث فى سوهاج التى كان يوجد على أرضها أحد أهم مصانع البصل فى العالم.. بيع بملاليم أيام الخصخصة، فما كان من المشترى إلا أن طرد العاملين به وعددهم يفوق الخمسة آلاف عامل.. وأغلقه بالضبة والمفتاح ليبيعه فيما بعد بالمتر ويجمع المليارات.. وحاول العمال والمنتجون وجمعية المستثمرين أيضًا العمل معًا لإنشاء مصنع جديد.. وأعتقد أن المحافظة رحبت بذلك فى وقت سابق.. لكن إحدى الهيئات المتداخلة فى الولاية أوقف الفاسدون فيها كل شىء.
باختصار، ما تفعله الرقابة الإدارية فى مصر حاليًا هو مكافحة لهؤلاء الفاسدين الذين يعطلون المراكب السائرة.. وأهلنا الذين يثقون فى قيادتهم السياسية، وفى إجراءاتها لتنمية حقيقية، يثقون أن هذه الحرب ستنتهى لصالحهم.. ولهذا يصبرون. الإرهاب يبدأ من هنا يا سادة.. يبدأ من مسئول غارق فى التفاصيل الصغيرة فى محافظته، ومحاولة إرضاء النواب بأى شكل وإهدار وقته.. وتداخل جهات الاختصاص أيضا يعطل بعض المحافظين.. لذا يرى أهلنا أنهم فى حاجة للقاء الدكتورة سحر نصر ليشرحوا لها وجيعتهم.. مثلما يأملون فى لقاء وزيرة التخطيط.. ووزير الزراعة ورئيس هيئة التنمية الزراعية.. ولو الظروف ما تسمحش.. فإنهم يتعشمون أن يعمل هؤلاء معًا.. فبدون تدخل الكبار سيبقى الحال عند أهلنا كما هو، وهو قطعًا الأمر الذى لا يريده أحد.