رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نواجه الطلاق المبكر؟

جريدة الدستور

تكتظ محاكم الأسرة بكثير من دعاوى الطلاق والخلع، الأمر الذى جعل مصر فى مراكز متقدمة بإحصاءات الطلاق حول العالم، ولا يتوقف انتشار ظاهرة الطلاق على كبار السن، بل أصبحت منتشرة بين حديثى الزواج، ومنهم من لم يتخط حاجز السنة فى العلاقة الزوجية. وكشفت آخر إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، عن حالات الطلاق فى المجتمع المصرى، أن عدد المطلقين فى مصر بلغ ٧١٠ آلاف و٨٥٠ نسمة. وأشارت الإحصائية إلى أن نسبة الإناث المطلقات زادت بـ٦٤.٩٪، والرجال ٣٥.١٪، فى ظل وجود حوالى ٢٠٠ ألف حالة طلاق سنوية، تكثر فى الفئة العمرية بين ٢٥ و٣٠ عامًا. وقال الجهاز إن نسبة الارتفاع فى معدلات الطلاق، خلال يونيو الماضى، بلغت ١٥٪ مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، فبلغت فى يونيو ٢٠١٧، نحو ١١ ألفًا و٥٠٠ حالة طلاق، مقابل ١٠ آلاف فى يونيو ٢٠١٦.

استشاريون الطب النفسى: تنشئة الزوجين على عبور مطبات الحياة.. تجنب الزواج المبكر.. ودورات التأهيل ضرورة
استعرضت الدكتورة صافيناز عبدالسلام، استشارى الطب النفسى، مؤسسة مبادرة «رخصة جواز»، عددا من الأسباب التى تؤدى إلى زيادة نسبة الطلاق بين الشباب فى سن صغيرة، موضحة أن تنشئة الأزواج تعد من أكثر الأسباب التى تحدد نجاح أو فشل العلاقة الزوجية، كما أن غياب الحكمة من قبل الأب والأم من أكثر العوامل التى تساعد على زيادة نسب الطلاق المبكر فى مجتمعنا.
وقالت إن البعض يلقى باللوم على الظروف المادية كأحد الأسباب التى تؤدى إلى الانفصال، رغم أن هناك كثيرا من الأسر محدودة الدخل تعيش بشكل جيد، لذا فإن مشروع الزواج يقاس بقدرة الطرفين على تحمل بعضهما البعض، وتقبل عيوبهما.
واعتبرت استشارى الطب النفسى أن الرجل هو المسئول عن انتشار الظاهرة، موضحة أن الكثير من الرجال لا يعلمون طبيعة الفتاة بعد خروجها من منزل والدها الذى تربت فيه بطريقة معينة.
وأضافت: «من الأسباب التى تؤدى إلى الطلاق محاولة كل طرف فى العلاقة، جعل الطرف الآخر شبيهًا به، وليس القبول به كما هو، الأمر الذى يؤدى إلى الانفصال المبكر».
واتفق معها الدكتور سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى، بقوله إن الانفصال المبكر معناه أنه لم يتم إعداد الطرفين إعدادًا جيدًا قبل الزواج، أو خطأ أى منهما فى اختيار الآخر منذ البداية، مضيفًا: «قديمًا كان زواج الصالونات هو من أكثر أنواع الزواج نجاحًا، بسبب وجود الخطبة التى تدرس فيها العائلتان كون الشاب والفتاة يصلحان لبعضهما أم لا».
وأضاف «عبدالعظيم»: «شعور المرأة بالاستقلالية من الممكن أن يكون أحد أسباب الطلاق، لأنها تشعر بسبب عملها بعدم احتياجها للزوج».
أما الدكتور على عبد الراضى، إخصائى نفسى، فشدد على ضرورة تكاتف وزارة التضامن الاجتماعى ومحكمة الأسرة فى تأهيل المقبلين على الزواج لتحمل المسئولية من خلال منحهم دورات إعداد المسئولية الاجتماعية الأسرية.
بدورها، قالت سالى الشيخ، استشارية الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن الطلاق المبكر أصبح ظاهرة منتشرة جدًا، لأن الشباب يتزوجون بلا تخطيط وتحت دوافع عاطفية فقط، مثل الحب، بلا دراسة للتوافق الاجتماعى والمادى والثقافى. وأضافت: «أول خطوة لتجنب الطلاق هى فهم أسبابه مثل المشاكل الزوجية والاختيار الخاطئ، فبعض الشباب يكونون غير مدركين لمعايير اختيارهم، وطبيعة الحياة الزوجية».
وأشارت إلى أن من أسباب الطلاق أيضًا، الزواج المبكر، وعدم اهتمام الأهل بتعليم وتثقيف الفتاة، ونظرة المجتمع للمرأة على أنها فى مكانة أقل، وأن الزواج هو الهدف الوحيد لها، بالإضافة إلى عدم التواصل بين الأزواج.
وأكدت استشارية العلاقات الأسرية أنه لتفادى الطلاق، خاصة فى سنوات الزواج الأولى، لا بد من تجنب ضغط الأهالى، والبعد عن الزواج المبكر، مشيرة إلى ضرورة تحدث الزوجين بصراحة لبعضهما عن احتياجاتهما ورغباتهما فى العلاقة، وفى كل تفاصيل الحياة.
وحذرت من تدخل الأقارب، والغيرة والانهماك فى العمل على حساب الأسرة، مطالبة بإدارة الأمور المادية بشكل مدروس وتوزيع الأدوار والمسئوليات منذ البداية.
وقال الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن نسب الطلاق الكبيرة التى ظهرت فى الفترة الأخيرة خلقت صورة سلبية عن منظومة الزواج لدى الشباب، وأصبح بعضهم ينفر من فكرة الزواج، خشية أن يمروا بتجارب مماثلة للتجارب السيئة حولهم، وينتهى بهم الأمر بالطلاق أيضًا. وأضاف: «من العوامل التى تؤثر على الحياة الزوجية ولا يجد الناس الجرأة لمناقشتها بصراحة الظروف المادية، وهى مهمة جدًا لأنها تحافظ على الاستقرار الأسرى والزوجى لتجنب المشكلات والخلافات».
وتابع استشارى الصحة النفسية: «أثناء الحياة الزوجية قد تسبب الأمور المادية الكثير من الخلافات إذا لم يتم تنظيمها والتحدث فيها بصراحة، فإذا كان راتب الزوجة أكبر من الرجل ما يفرض عليها أن تشترك فى مصاريف المنزل، فإنها تشعر بداخلها أن ما تشارك به هو فضل منها، وقد تشعر بعدم الارتياح لأنها تعتبر أن هذا دوره».
ورأى أن المرأة عليها المشاركة فى الإنفاق على المنزل بطريقة غير مباشرة مثل شراء طلبات الأبناء واحتياجات المنزل، مضيفًا: «المرأة بطبعها كائن عطوف، ولن تتأخر عن تلبية احتياجات بيتها، وسد النقص فى ميزانية المنزل، لكنها أحيانًا تعتبر أن الطلب المباشر بالنسبة لها مصدر إزعاج».
وقال استشارى الصحة النفسية: «فى النهاية ترجع الأمور المادية وتقسيمها للزوجين، فهناك من تضع راتبها منذ البداية مع زوجها، ويكون هذا نمط الحياة الطبيعى بينهما، وهناك من يطلب من زوجته أن تحتفظ براتبها لنفسها ويتحمل وحده الإنفاق». ولفت إلى أن الزوجة لو كانت موظفة أو معتمدة على عائد مادى بعيد عن زوجها وتعرضت للقسوة والإهمال من قبله، فإنها ستقبل على خطوة الطلاق بسهولة لأنها تستطيع الاعتماد على نفسها.
وأشار استشارى الصحة النفسية إلى أن هناك نوعًا من الرجال يشعر بالغيرة عندما يجد زوجته ناجحة فى عملها وتحقق دخلًا أكبر منه فيبدأ بممارسة الضغط النفسى عليها، لتقصر فى شغلها، مضيفًا: «تكون الأمور المادية فى هذا الوضع نواة للكثير من الخلافات».

آثار الانفصال: الاكتئاب الحاد من نصيب المرأة.. والشعور بالفشل يلازم الرجل
يؤثر الطلاق على الحالة النفسية لكل من الرجل والمرأة، ويحمل آثارًا سلبية عديدة على الطرفين، لأن هدم «عش الزوجية» ليس مقتصرًا على إنهاء علاقة بين رجل وامرأة، بل يمتد ليشمل كل الأحلام التى بناها كلاهما وعاشا تفاصيلها.
لكن رغم ذلك فإن المرأة تتحمل العبء الأكبر بسبب نظرة المجتمع للمرأة المطلقة ووصمة العار التى تلاحقها فى كل مكان نتيجة ذلك.
وقال سعيد عبدالعظيم، أستاذ الطب النفسى، إن الآثار الناتجة عن الطلاق تختلف باختلاف نوعية الزواج، سواء كان زواج «صالونات» أو نتيجة حب أو اختيار غير موفق، فلكل منها نتيجة مختلفة حسب درجة تعلق كل منهما بالآخر، خاصة الزوجة.
وأوضح عبدالعظيم، لـ«الدستور» أنه لو كان الهدف من الانفصال حل أزمة معينة فمن الضرورى أن يتم، وفى هذه الحالة لا يكون التأثير السلبى للطلاق كبيرًا، بل يعمل على راحة الطرفين.
وأكد أن تأثير الطلاق يكون أقل على المرأة العاملة بالمقارنة بغير العاملة التى تجد فى الانفصال «مصيبة» حقيقية، وهو ما يجعلها تحاول جاهدة الحفاظ على بيتها مهما تعرضت لإيذاء نفسى.
من جانبه، قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، إن أغلب النساء يتعرضن للاكتئاب عقب الانفصال، موضحًا أن المرأة هى أكثر عرضة للاكتئاب من الرجل نتيجة التغيرات الهرمونية الخاصة بها عقب الانفصال، لافتًا إلى أن أشهر أنواع الاكتئاب التى تصيب المرأة ما يُسمى «العصاب ما قبل العذر الشهرى» والشعور بالألم والعصبية والبكاء الشديد.
من جهته، قال الدكتور على عبدالراضى، إخصائى نفسى، إن الانفصال المبكر يؤثر على الطرفين اللذين يسيطر عليهما الشعور بالفشل وفقدان الثقة فى العودة لتكوين أسرة مرة أخرى.
وأشار عبدالراضى إلى أن هناك اضطرابا يسمى «اضطراب ما بعد الانفصال» وهو شعور الفرد بعدم الثقة بكل من حوله، إلى جانب وجود بعض الشخصيات تعزف عن الزواج من الأساس.
وقدمت الخبيرة النفسية ليزا هيريك، بعض النصائح لطلاق صحى، قائلة: «على الطرفين تفادى الجدل حول المشكلات القديمة واللوم أثناء إتمام إجراءات الطلاق، كما أنه من الأفضل اللجوء لوسيط يثقان به بدلًا من المحاكم».
ودعت إلى اختيار الوقت والطريقة المناسبة لإخبار الأطفال، موضحة أن الطلاق قد يكون تجربة قاسية على الأطفال.
وحذرت الخبيرة النفسية من الاستسلام للرغبة فى الاعتزال بعد الانفصال، قائلة: «قد تكون التغيرات التى تطرأ على حياتك بعد الطلاق أكبر من أن تتحملها بمفردك، اطلب المساعدة من عائلتك وأصدقائك، وتجنب الوحدة ومارس هواياتك القديمة لتستعيد طاقتك».
وأشارت إلى ضرورة اللجوء إلى طبيب نفسى عقب الطلاق، مضيفة: «لا تتجاهل مشاعرك، إذا كنت تشعر بأنك محبط وفى حالة نفسية سيئة بعد الطلاق، تواصل مع طبيب نفسى وتحدث معه عن تجربتك، فذلك سيساعدك كثيرًا فى تفادى أخطائك وسلبيات العلاقة السابقة عند دخولك فى علاقة جديدة».
ولتجنب الطلاق والحفاظ على استقرار الأسرة نصح الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، بأن يتحمل الزوجان المسئولية، وأن يعرف كل منهما ما له وما عليه من الحقوق والواجبات.
وأضاف هانى: «الاستقرار الأسرى يتحقق من خلال توزيع الأدوار وخلق بيئة صالحة للتعايش، وأن يكون كل طرف مصدر سعادة للآخر»، لافتًا إلى ضرورة الاحترام المتبادل وعدم استخدام ألفاظ خارجة أو نابية خلال الخلافات.
وطالب استشارى الصحة النفسية باختيار الأوقات المناسبة لتفهم وحل المشاكل وعرض الطلبات، واتباع ما أمر به الدين من المودة والرحمة والحنان والهدوء للتقرب من بعضهما.
وحذر «هانى» من تدخل الأسرة فى العلاقة الزوجية، مؤكدًا أنها علاقة خاصة، والزوجان هما الأدرى بها وبحل مشكلاتها، لافتًا إلى أن أى طرف سيتدخل لن يكون محايدًا، الأمر الذى يؤدى إلى اتساع الفجوة بين الزوجين ويجعل من المشكلات الخاصة مشكلة عامة ستترك علامة حتى ولو تم حلها.
ونصح الزوجين بالامتناع عن الجدال أثناء عصبية أحدهما أو غضبه حتى لا يتفاقم الأمر، لافتًا إلى أهمية أن يعطى الزوجان بعضهما مساحة للتفكير واحترام كل منهما للحياة الخاصة، بالإضافة إلى الاحتواء وقت نوبات الغضب، وأن يعرف كلا الزوجين أنهما مكملان لبعضهما ومستمران مع بعضهما للنهاية.