رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافة التدين الشكلي بمقياس غربي


لقد كان سمت ونعت إنسان بالمتدين أمرًا طيبًا ومطلوبًا، وكان وجود المتدين فى الحارة والشارع ودواوين الحكومة بمثابة المثل الطيب والقدوة، والذى يركن إليه الناس فى أزمنة الأزمات فيطيب الخواطر، ويذهب بهم إلى مناطق السكينة والراحة والسعادة الروحية الحقيقية التى يشعر بها المؤمن الحقيقى، أما الآن ــ وللأسف ــ وبعد أن تاجر بسمات التدين ومظاهره الكثيرون، فإن الناس فى بلادى باتوا يتوجسون خيفة من مجرد الرؤية لأمارات التدين عندما تشمل أحدنا حتى لو كانت حقيقية بعد أن اختلط الحابل بالنابل فى دنيا الألفية الثالثة!.

وامتد الأمر حتى لرجال الدين والدعوة والوعظ فى المسجد والكنيسة للأسف.. يرى أحد رجال الدين أن أناسًا يشتغلون بالدعوة لا فقه لهم ولا دراية‏،‏ يسيئون إلى هذا الدين ولا يحسنون،‏ وفيهم من يمزج قصوره بالاستعلاء ولمز الآخرين،‏ وليس هناكَ أقسى من أن يسعى المجتمع المتعايش بسماحة غريبة مع ثقافة التدين الشكلى إلى أن يضع مواطنه تحت المراقبة الدينية الدائمة، وأصبح الإنسان فى أوطان التدين المظهرى، يحمل هاجس التدين المظهرى فى كل تصرفاته وسلوكياته وردود أفعاله ويحسب مليون حساب للمراقبة المجتمعية الدينية له طوال الوقت، وأصبح يرى أن يلتزم، على سبيل المثال، بالذهاب إلى المسجد خمس مرات فى اليوم، لأنه إذا تخلف عن ذلك، فإنه يصبح فى عرفهم فردًا «منحرفًا» وعليه بالتالى أن يجتاز هذا الامتحان بتفوق مسرحى خمس مرات فى اليوم.

وأعتقدُ شخصيًا أن المجتمع الذى يؤدى طقوسه الدينية المظهرية الشكلية الخالية من القيم الروحية والمعانى العميقة، يؤسس لمفاهيم مغلوطة، ويرى أنها صحيحة ولا يشوبها الخطأ أو الشك، يذكر البعض منهم ــ على سبيل المثال ــ أنه وبمجرد تلاوة الآية القرآنية «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، فإن ما قد يقترفه الفرد بعد أدائه للصلاة من منكر لا يعتبر منكرًا، لأنه قد أدى الصلاة التى أصبح فى ثقافته مجرد تأديتها بشكلها العادى المظهرى، قد حصنته من الخطيئة وبلاويها، وعلى البر الآخر إذا ما داوم البعض منهم على حضور الصلوات فى الكنيسة وأداء الشعائر بشكل مظهرى فقد برئ من أسقام الخطيئة!.

تصدرت مصر فى استطلاع رأى أجرى منذ بضع سنين، قائمة المجتمعات التى تولى أهمية كبيرة للدين، وقد شمل ١٤٣ دولة، وأظهر الاستطلاع، الذى أجراه معهد جالوب الأمريكى، أن نسبة التدين فى مصر بلغت مائة فى المائة ممن شملهم الاستطلاع، بينما تفاوتت نسبة التدين فى دول عربية أخرى لتصل فى لبنان مثلًا إلى ٨٦ فى المائة.

ويرى القائمون على الاستطلاع أن القاسم المشترك بين المجتمعات الأكثر تدينًا الأوضاع الاقتصادية، حيث تشير نتائج الاستطلاع إلى أن ثمانى دول من أصل ١١ الأكثر تدينًا حول العالم هى من الدول الفقيرة، بينما الدول الأقل تدينًا فى القائمة هى دول غنية منها السويد واليابان. شارك فى الاستطلاع ١٠٠٠ شخص من كل دولة وأجرى بين عامى ٢٠٠٦ و٢٠٠٨.

هل تعتقد أن التدين فى مصر ودول عربية أخرى أصبح بالفعل ظاهرة واضحة؟ هل أنت كفرد أصبحت أكثر تمسكًا بدينك؟ لماذا؟ ما العوامل التى تتحكم فى درجة تدينك؟!.

ولأننا لم نتعود أن نجالس الناس لنستمع منهم، ونعرف رأيهم فى كل ما يمر بالبلاد والعباد من ظواهر إيجابية كانت أو سلبية، فقد رأيت اختيار نماذج من تعليقات القراء حول نتائج استطلاع معهد جالوب، والتى دونوها على مواقع الإنترنت.. من بين ما قالوا نصًا دون تدخل، أو تغيير لطبيعة حروفهم التلقائية: التدين الغالب فى مصر ــ للأسف ــ ظاهرى ولا يوجد إخلاص حقيقى فيه، فهو أقرب للرياء منه إلى التدين. التدين منتشر فى الدول الفقيرة نتيجة لسوء الأحوال المعيشية، ولكن ليس كظاهرة دينية ولكن كظاهرة سياسية، فالفساد الذى تعانى منه الشعوب، والفشل الذريع فى التنمية، جعلا الإنسان العربى يلوذ بالتدين إما لمناصرة جهات إسلامية يعتقد بأن فيها الخلاص أو الهروب إلى الله طلبًا للنجاة من قساوة الحياة وظلم أخيه الإنسان، كما أن هذا التخلف الذى أصاب الأمة يدفع بالمواطن العربى للبحث عن هوية، فلا يجدها إلا فى الدين والتدين.

شعب مصر شعب متدين بطبيعته وفطرته، وكان المستعمر يدعى التدين للتقرب منه، وحاول الاستعمار محو الحرية الدينية وفشل بسبب تمسك الشعب بالدين ومع مظاهر المدنية والحضارة اختلفت نسبة التدين فى المجتمع.

■ التدين نوع من الهروب من الواقع، واتجاه سياسى للتعبير عن عدم التبعية للأنظمة السياسية، أما الدين فلا علاقة له بالسياسة، لأنه فى أصل الأمر معتقدات يلتف حولها أفراد مجتمع لإثبات انتمائهم وتوحدهم، لهذا أقول إن الأمر متشابك!

هل من تفسير؟ الفساد، الكذب، الغش، الجشع، كراهية الآخر، التحرش، النصب، والعديد من أمراض المجتمع زادت بمصر مع تزايد مظاهر التدين!.. ما أرى فى الاستطلاع إلا كمن يبث السم فى العسل، مثلما قال الأولون عن نوح «وما اتبعك إلا أراذلنا» وهذا فكر سقيم وغير سليم لا تستوى به فطرة الإنسان التى فُطر عليها.

وإن كانت نتيجة الاستفتاء بأن مصر هى أكثر الشعوب تدينًا، فهذا يرجع إلى طبيعة الشعب منذ عهد القدماء المصريين الذين كانوا أول من نادوا بوحدانية الإله وليس الأمر يتعلق بالغنى أو الفقر. يجب أن تقولوا الدول الأكثر «تظاهرًا» بالتدين.. سيكون أصح.

■ التدين هو الحياة وترك الدين مصيبة، وأهل الدين هم السعداء، ومن يقل إن هناك غير متدين سعيد فهو كاذب.. أنا أرى من خلال تعاملى أن معظم الشعب المصرى متدين تدينًا ليس به نفاق فى القلب، وذلك مخلوط بفلكلور شعبى وعادات متسامحة، أما الذين يدعون التدين من المسلمين والمسيحيين ويعيشون حياتهم على كره الآخر فهؤلاء هم الذين خسروا نعمة الحياة فى بلد به الكثير من المميزات الاجتماعية التى تسمح بوجود أشياء كثيرة دون أن يكون ذلك وسيلة للتخلص من الدين.

ما رأيكم دام فضلكم؟!، لقد قرأت وأنا أكتب تلك السطور فى جريدة «الأهرام» الغراء أن هناك بحثًا علميًا أجراه المركز القومى للبحوث أن صلاة الفجر تقى من تصلب الشرايين والأزمات القلبية والسرطان، ولا تعليق لدىّ سوى أن أضيف مانشيتًا بالخط العريض واصفًا اللاعب محمد صلاح جاء بجريدة «البوابة»: الفرعون المصرى أشهر سفراء «الإسلام» فى الملاعب الإنجليزية.