رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تحارب معاركها بقوتها والإيمان بحقها


بعين ثاقبة اخترقت حُجب الزمن، استشرفت القيادة السياسية كم المخاطر التى تحدق بأرض الكنانة، فأعدت لمصر عدتها، وهيأتها مبكرًا، لتخوض الآن أشرف وأنبل معاركها، لتطهير أرضها والحفاظ على مكتسباتها، ضد الإرهاب الأسود، الذى عشش فى أرض الفيروز خلال السنوات الماضية.. معركة أعادت إلى الأذهان، ما حدث عام ١٩٧٣، وجددت فينا روح أكتوبر العظيم.. بفارق كبير، بين الآن وذاك الزمن.
ففيما مضى كنا نواجه جيشًا نظاميًا واضحًا، احتل أرضنا فى غفلة من الزمن، واجهنا عتاده وجنوده، فقهرناه فى معركة، ظلت حديث العالم طويلًا، ودرّستها الأكاديميات العسكرية الدولية لتستفيد من دروسها.. أما الآن، فنحن بصدد أشرار مُستخفين، يظهرون حينًا ويتخفون أحيانًا.. أشباح شعارها الجُبن والطعن من الخلف، يكفرون بالقيم الإنسانية، جاءت بهم ضلالات عقائدهم أو تحالفات المؤامرة على مصر، أو عملاء لدول فى المنطقة وفى العالم.. لكن من كان الحق معه، فالله يسانده، والنصر حليفه، والتوفيق من نصيبه.. والدنيا إلى جواره، تأتيه طائعة، لأنه يخوض معركة الدفاع عن الأرض وصيانة العرض، مدافعًا عن الإقليم ونيابة عن العالم، فى مواجهة إرهاب استشرى، كما يستشرى السرطان فى الجسد الواهن.
لذلك لم يكن غريبًا أن يبارك العالم خطوة مصر نحو تطهير أرض الفيروز، وقطع دابر الإرهاب، إذ لم يكن مقبولًا أن تظل خفافيش الإرهاب تتحرك فى سيناء، وفى البر المصرى، وتستهدف مصر وأمنها ومؤسساتها وشعبها.. تمارس القتل والتخريب والتدمير والتفجير.. فلما أعلنت مصر الحرب الحاسمة والقاصمة على الإرهاب، كانت هى مصر التى نعرفها، القوية القادرة، التى بدأت معركتها الكبرى، ومعركة كل العرب ضد الإرهاب، الذى شوّه الدين الإسلامى، وزوّر كل ما يعنيه ويرمز إليه من تسامح ومحبة وإخاء وسلام.
لقد أرادت مصر، بعمليتها العسكرية الشاملة (سيناء ٢٠١٨)، أن تُعيد كفة الميزان إلى اعتدالها، بعد أن مالت منذ عهد إخوان الشر، عندما سمحوا بتوافد فصائلهم الإرهابية من كل الدول التى عاثوا فيها قتلًا وتدميرًا، إلى أرض سيناء، لعلهم يؤسسون إمارتهم الإسلامية المزعومة، على الأرض التى تجلى فيها رب العالمين إلى نبيه موسى، عليه السلام، وعندما قبضوا ثمن خيانتهم لأرض وطننا نحن، وليس وطنهم، مليارات الدولار، يبيعون بها جزءًا من هذه الأرض المباركة، تكون نواة غزة الكبرى، خدمة للصهيونية العالمية، ولعدونا الإسرائيلى، حتى يخلو له وجه قطاع غزة، يتمددون فيه، خطوة من حلم إسرائيل الكبرى، من النيل إلى الفرات.. وعليه، فقد توافد إلى سيناء كل ما يخطر على قلب وعقل بشر، من الأسلحة التى تتسلح بها الجيوش، أمدتهم بها قطر وتركيا وإيران، وتساهلت إسرائيل فى دخولها عبر البحر، وعبر أنفاق حماس التى سرت تحت الأرض السيناوية، كثعابين نفثت سمومها فى أرجاء الوطن المصرى القوى، المستعصى بترياق وطنية أبنائه وقوة جيشه وشرطته على مخاطر هذه السموم.. خاضت مصر معركتها ضد الإرهاب منذ ٢٠١٢، فى (نسر١) وما تلاها من نسور، مرورًا بحق الشهيد، تُكبد العدو خسائر كبيرة، فى عتاده، وفى أرواح شياطينه، وتدرس أرض المعركة الكبرى، وتحصل على صورة كاملة عما هو على أرض سيناء، حتى كلف الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس أركان القوات المسلحة، بضرورة تطهير سيناء كاملة، والقضاء على كل إرهابى خائن، خلال ثلاثة أشهر، يشهد الآن شهرها الأخير، أكبر عملية عسكرية، تعيد لمصر كرامتها فى مواجهة الإرهاب، وتحفظ أرضها وأهلها، وتنشر الأمن فى ربوع المحروسة، بأمر ربها.
هذا يجعلنا نعود إلى الوراء قليلًا.. إلى يوم قررت القيادة السياسية تطوير قدرات القوات المسلحة المصرية بأحدث التكنولوجيات العسكرية، برًا وبحرًا وجوًا.. وقتها قال بعض المُخنثين: كيف لبلد يعانى أزمة اقتصادية طاحنة، أن يواجه تكاليف هذا الكم من العتاد العسكرى؟.. ولماذا الآن، وليس فيما بعد؟.. بل إنهم استهجنوا ما طالب به الرئيس (ما تسمعوش من حد غيرى)، غير مدركين أن الرجل، بحكم موقعه، كان يعرف ما لا يعرفونه، ويرى بعين ثاقبة ما تُخبئه الأيام، ليس رجمًا بالغيب، لكنها المعلومات التى اعتاد أن تكون أداته ووسيلته لقراءة غد هذا البلد الذى حمل أمانة قيادته إلى بر الأمان.. وقد صدق الرجل فيما ذهب إليه وأعد له عُدته، حتى ولو كره الكارهون وقتها.
فمصر التى قررت أن تبنى بيدٍ، وتحمل السلاح باليد الأخرى، حماية لأمنها والحفاظ على مكتسباتها، كانت على موعد مع تفجّر الغاز فى مياهها الاقتصادية بشرق المتوسط، وعلى موعد مع التنمية عبر العديد من مشروعاتها القومية، التى أذهلت كل من سمع بأنها تحققت فى أقل من أربع سنوات، وعلى موعد آخر من ضرورة خلاص العالم من الإرهاب. كانت تدرك أن حولنا من يتربص بنا، ولم يفقد الأمل بعد فى إسقاط الدولة المصرية، بعد أن أفلحت قوى الشر العالمية فى إسقاط العراق واليمن، وتحاول فى سوريا، ونجحت دولة مثل تركيا، فى إسقاط الدولة الليبية فى بئر الفوضى، خلال السنوات الأخيرة، بدعمها للميليشيات المتطرفة، بالمال والسلاح، للسيطرة على الحكم هناك، خدمة لمصالح أنقرة التجارية فى ليبيا، وإزعاجًا لجيرانها، وعلى رأسهم مصر، التى تقف بالمرصاد للمشروع التركى التوسعى فى المنطقة، تسانده قطر، التى خصصت ١٣٠ مليار دولار لتدمير سوريا وليبيا واليمن، وجعلت من نفسها شوكة يغص بها الحلق الخليجى، بعدما خلعت برقع الحياء، وتخلت عن أواصر الدم العربى، وقررت التحالف مع تركيا وإيران، تهديدًا للأمن القومى الخليجى، الذى هو امتداد البُعد الشرقى للأمن المصرى.
لم تجلس مصر، واضعة يدها على خدها، تنتظر المعلوم لها من الأخطار، بل أعدت ما استطاعت من قوة، تُرهب به أعداءها، من الطامعين فينا، المهددين لأمننا واستقرارنا.. ولعل المتابع للتحرشات التركية الأخيرة بسفينة شركة (إينى) الإيطالية، المخولة بالتنقيب عن الغاز فى المياه الاقتصادية القبرصية بالبحر المتوسط، وما صدر عن الخارجية التركية بشأن اتفاقية ترسيم الحدود المصرية القبرصية، يدرك بوضوح، كم كانت القيادة المصرية على حق، عندما حذرت من انصياع البعض لأهل الشر، وعندما اتخذت خطوتها الجريئة بتمكين قواتها المسلحة فى الأرض، لأنه لا بد للحق من قوة تحميه.. وكم كانت قوية عندما صدر الأمر بضرورة خوض المعركة الأخيرة مع الإرهاب فى سيناء.. وقد كان.
وبعد..
عمنا جلال عامر، الذى تمر بنا هذه الأيام ذكرى وفاته السادسة، كتب قبل وفاته، عن عهد سابق: «أصبح للحكومة صحف وتليفزيون ومواقع وكُتاب، ويبقى أن تكون لها إنجازات».. والآن أقول «للحكومة إنجازات عِظام، وبقى أن يكون لها إعلام»!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.