رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حُب الوطن فى عيد الحب


من الصعب أن أترك يومًا يدعو للمشاعر والأحاسيس الصادقة وأجعله يمر دون أن أتوقف عنده لبعض الوقت.. من الصعب أن أجد أننا نسينا أو تناسينا أو تجاهلنا أو أهملنا قيمة الحب.. أو أننا لم نحتفل بعيد الحب ولو بإهداء وردة لمن نحب.. إن الحب هو أرقى شعور إنسانى عرفه الإنسان، إنه دليل إنسانيتنا ونبع جارٍ ترتوى منه قلوبنا، وإحساس يقود فى معظم الأحيان خطواتنا ويحدد ميولنا وأهدافنا وعملنا وطريقنا.
إن مشاعر الحب لا تقتصر فقط على حب الحبيب.. إنه أسلوب حياة قبل كل شىء..فمن يعرف الحب طريق قلبه سيجد أنه لا يعرف الكراهية، وسيجد أن الحب قد أصبح جسرًا لكل اتجاهات حياته وموجهًا لسلوكياته.. إن الحب هو شعور راقٍ ورحب يتسع لكل علاقات حياتنا، بدءًا من حب أحبائنا.. أو حب أسرتنا.. أو حب عملنا.. أو حب وطننا، وهو أرحب صور الحب.. الحب هو مفتاح النجاح لأى علاقة.. سواء كانت علاقتنا بوطننا أو ببيتنا أو بعملنا أو بأحباء لنا.. وفى خلال أيام سيحتفل العالم بعيد الحب الذى يكون إجازة رسمية فى الكثير من الدول.. وفى مصر أيضًا يحتفل به الكثيرون بتبادل الورود وبهدايا حمراء صغيرة ترمز للون القلب.. فتنتشر «الدباديب» الحمراء فى واجهات المحلات التجارية، والبالونات الحمراء وأيضًا الشيكولاتة والحلوى المغلفة باللون الأحمر.. وتنتشر كروت المعايدة المذيلة بكلمات المحبة والعواطف الجياشة، وتمتلئ صفحات مواقع التواصل الاجتماعى أيضًا بكل أنواع التهانى والقلوب المختلفة الأشكال والأحجام، وكلمات كثيرة مقتبسة من مشاهير الشعراء والأدباء الذين عبّروا عن مشاعر الحب وقصص الحب.
إن من أجمل ما قيل فى الحب كلمات كتبها جلال الدين الرومى، الأديب والفقيه والداعية الإسلامى المتصوف، الذى عاش فى القرن الثالث الميلادى، حيث قال: دين الحب منفصل عن كل أشكال الديانات.. العاشقون أمة واحدة ودين واحد.. وهذا هو الله»، أما من يعتنقون عقيدة الموت والدم وترويج مناخ الكراهية والعنف والبلطجة وتشويه كل شىء وتدمير كل القيم والمشاعر الإنسانية وتدمير الوطن واحتقار الفنون والموسيقى.. فلا بد أن يجدوا أمامهم طرقًا مسدودة لأننا شعب عاطفى بطبيعته..ونحن أجيال تربينا على الأفلام الرومانسية والمشاعر المتبادلة حتى بين الجيران.
إننا الشعب المصرى الذى قد خرج بالملايين فى جنازة عبدالحليم، وخرجت البنات والسيدات إلى الشارع يبكين رحيل مطرب العواطف وأغانى الحب الرومانسية.. وإذا كانت الأفلام الآن تخلو من الرومانسية ولا تقدم لنا رسائل إنسانية أو عاطفية، فإن هذا لا يعنى أن الحب قد اختفى تمامًا من حياتنا، إنه يظهر فى تجليات واضحة وكثيرة، فقد رأينا مشاعر الوطنية الجارفة فى ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، فهى فى تقديرى أعظم انعكاس لحب الوطن والخروج للحفاظ عليه من مجموعة تريد استلاب الحياة والحب والبهجة والأمان منه.
مجموعة تريد سرقة الوطن ولا تعرف الانتماء ولا الولاء لأرضه الطاهرة المباركة، لأنها لا تعرف مشاعر الحب، إنها مجموعة تدربت وتربت على الكراهية والعنف وتكفير الآخرين، إنها لا تعرف كلمة وطن ولم تحس بمشاعر الحب الجارف والطبيعى للوطن، والتى تكبر معنا كلما أحسسنا بأنه يواجه الخطر.. إن الذين لا يعرفون مشاعر الحب قد خسروا أنفسهم وإنسانيتهم، وهم يجهلون إلى أى مدى هم قد خسروا حياتهم بأسرها.. إن الحب يعطى طاقة إيجابية كبيرة بداخل الروح وبداخل الجسد، ويجعلنا نحس بإنسانيتنا أيضًا، ويدفعنا لأن نكون أفضل.
إن من يعيشون بلا حب هم أشبه بالجماد، إنهم يمارسون حياتهم مثل الآلات، إنهم يتحركون لكنهم لا يحسون بطعم الحياة ولا بنعمة أن يكون لديك من تحبهم ويحبونك.. إن الحب يجعل الحياة أكثر أمانًا وأكثر دفئًا وأكثر قدرة على تحمل تقلباتها وتحولاتها ومحنها وأزماتها.. إننى أعتقد أن من يكون الحب هو بوصلة حياته فإن الكراهية لن تعرف طريقًا له ولن يغرق يومًا فى جحيمها.. إن من يبثون الكراهية سيظلون على نفس عقيدتهم الكريهة، إلا أننا من نؤمن بالحب كقيمة نبيلة فى الحياة فإننا فى المقابل لا بد أن ننشر قيمة الحب بيننا فى كل موقع وفى كل مكان، وأول حب علينا أن نجتهد فى نشره وبث الوعى به هو حب الوطن.. وأن نكون إيجابيين فى مشاعرنا تجاهه.
فدعونا نحتفل بعيد الحب.. وننشر مشاعر الأمل والبهجة، وأن نتطلع لأيام مقبلة أفضل، فهناك نجاحات كثيرة قد تحققت فى بلدنا.. إن عيد الفالنتين الذى يحتفل به العالم هو إحياء لما فعله القديس «فالنتين» مع العشاق ثم تم سجن هذا القديس وتم إعدامه، لكن ظلت دعوته للزواج عن حب قائمة، يحتفل بها العالم فى يوم ١٤ فبراير، عامًا بعد عام.. وهو سبب تسمية عيد الحب، حيث حدث فى عهد الإمبراطور كلوديوس أنه كان يحظر زواج الجنود لأنه كان يريدهم أن يذهبوا إلى الحرب معه، فكان القديس «فالنتين» يزوج الجنود المحبين سرًا.. وفى ظل اقتراب عيد الحب دعونا نحيى كل المعانى المتعلقة به، بدءًا من حب الله وحب الوطن وحب الأسرة وحب العمل وحب الحياة وحب أحبابنا، وانتهاءً بحب كل من يحبوننا.. وكل عام ومصرنا الحبيبة تمجد قيمة الحب وتحتفل به.. كل عام ومصرنا الحبيبة تلقى الحب والولاء من أبناء شعبها المحبين لها.