رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. من العزبة إلى العزة


كنت كلما سافرت خارج البلاد، وأكثرها رحلات عمل، انتابتنى غيرة على مصر.. وكنت أقول لنفسى: كيف وصلت دول لم يبلغ عمر بعضها المائة عام، لأن تأخذ طريقها إلى هذا الرقى، ويبلغ مواطنوها هذا المبلغ من التحضر، فى حين ينحدر بنا الطريق فى مصر إلى هوّة التخلف والنكوص إلى الوراء، رغم أننا أولى الحضارات.

ولن أقول إننا من علمنا العالم، بل يكفى أن أُذّكر من نسى، أننا من علّم وطوّر، ومد يد العون إلى الأشقاء والأصدقاء، وقت أن كانوا فى ضيق من العيش، بلا مَن منا ولا أذى؟..

وكنت أفكر فى أى خطأ ارتكبناه أو أى خطيئة مارسناها، حتى ينزل بنا ما نحن فيه من تخلف وانحدار، نكالًا منا ووبالًا علينا؟.. وتوصلت لأسباب عدة، كانت المنزلق الذى ألقى بنا إلى حيث نحن، وحيث نستحق.

بعد عهد الرئيس جمال عبدالناصر، تحولت مصر إلى عزبة يملكها حاكم تحوطه زبانية، سلخوا جلود الناس ليتدثروا بها، وسرقوا اللقمة من أفواههم يملأون بها كروشهم، وتحالف المال مع السلطة، حتى بلغنا مجتمع الـ٥٪، يعانى معظم أفراده العوز وشظف العيش، إلى أن وقعنا فى نهاية المطاف، فى براثن جماعة جاءت لتحكمنا خمسمائة سنة، تستلب حرية الشعب وتسيطر على مقدراته، قبل أن يُقيد الله لشعب هذا البلد، قائدًا ربانيًا، يخاف الله قبل أن يخاف البشر والدول، لا يخشى فى الحق لومة لائم، حرر هذا الشعب من قبضة جماعة الشر، وبدأ نهضة، نعلم، كما يعلم هو، أن إجراءاتها نالت من جزء من شعبيته، لأن ما لم يفهمه العامة والبسطاء أنه لا برنامجَ للإصلاح دون تضخم، ولن يعود هذا التضخم إلى استقامته إلا بعد أن يؤتى هذا الإصلاح ثماره، وتأخذ التنمية طريقها وتلقى بنتائجها الإيجابية فى التقليل من هذا التضخم تدريجيًا، فيعتدل ميزان العملة المحلية، وتعود إلى حالتها المنطقية، وهنا يبدأ المواطن شعوره بالثمار الإيجابية لرحلة صبره مع رئيس أراد أن يعيد إلى مصر كرامتها وقدرتها على تحمل تبعات قرارها، وأن يحيا المواطن المصرى فى وطن يليق به كصاحب حضارة، ويحظى فيه بالعزة التى افتقدها لزمن طويل. وبدأ التمنى يتحول فى نظرى إلى واقع ملموس.. فالطرق التى كنت أسير عليها فى دول كثيرة، صار عندنا ما يضاهيها، وربما يتفوق عليها، وانتقل الغلابة من العشوائيات إلى مدن راقية، قادرة على أن تحول السلوك العشوائى الذى كان عليه قاطنوها، إلى سلوك المواطنين الصالحين، المؤمنين بالبلد الذى بحث عنهم وانتشلهم من فقرهم، لأول مرة، بعد سكنى القبور وعلب الصفيح، وبدأ برنامج تأهيل الشباب على قيادة بلدهم وتمكينهم بعد تهميش.. كل ذلك يتم بالتوازى مع محاربة إرهاب لا يرحم هذا البلد الذى يريد أن يعيش آمنًا سالمًا، لكن هذا الإرهاب فرض على مصر أن تخوض حربها ضده، بشرف وسيطرة، وقدرات عسكرية، حرص القائد على أن تتسلح بها بلاده، درءًا لمخاطر الإرهاب والعنف، والذود عن حياضها، ومن ثم حماية مكتسباتها ومصالحها الاقتصادية التى بدأ خيرها يتفجر فى البر والبحر، بإذن من الله وفضله، دونما اعتداء على أحد أو تهديد لجار أو صديق فى بلده أو تدخل فى شئونه. وما إن أوشكت السنوات الأربع الأولى لفترة الرئاسة على الانتهاء، قدم الرئيس عبدالفتاح السيسى كشف حساب عما قدمه فى هذه السنوات التى تحمل خلالها ما لا يطيقه بشر، من التشكيك فيما يفعل ويقف وراءه من مشروعات، والتهوين من قيمة ما أقدم عليه، انتصارًا للشعب الذى أحبه، وتحمل مسئوليته فى ظروف صعبة، بروح المقاتل الذى تعود على انتصار بلاده، وخروجها من أى معركة ظافرة عفية قادرة على التعبير عن نفسها.. لكن المتربصين بهذا البلد كانوا دائمًا بالمرصاد، يعوقون المسيرة، ويحاولون فصم عُرى التلاحم بين شعبه وقائده.. وما إن استأذن الرئيس السيسى الشعب بالسماح له بالترشح لفترة رئاسية ثانية، يخولها له الدستور، ليس سعيًا منه لمنصب، أو بحثًا عن جاه، ولكن استكمالًا لما بدأه من برنامج لإصلاح هذا البلد، وحتى تضع معركة التنمية أوزارها، ويطمئن على أن ما بدأه قد اكتمل وشعر المواطن بثماره، حتى انطلق، وبعد سويعات قليلة، من يريد أن ينافس على منصب الرئاسة فى الانتخابات القادمة، وليس فى هذا عيب، إذا كان انحيازًا لمصلحة البلد، وسعيًا نحو استكمال المسيرة، وكلنا يريد انتخابات قوية ونزيهة، تؤكد الممارسة الديمقراطية التى نريدها فى بلادنا.

لكن القراءة الأولى لبيان الفريق سامى عنان، لإعلان ترشحه لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة -ولن نتطرق هنا إلى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بشأن الأمر- تكشف لنا عن أننا إزاء رجل جاء ليضرب «كرسى فى الكلوب»، يريد أن يطفئ بعض ما أناره السيسى فى جنبات هذا البلد من أنوار المستقبل المنتظر من شعب تحمل بشجاعة، فاتورة الخروج بمصر من عنق الزجاجة.. وهو عين ما عدّه الفريق عنان ترديًا لأحوال الشعب المعيشية، وقد اعتبر الفريق مشاركة القوات المسلحة فى مشروعات التنمية سياسات خاطئة حملت القوات المسلحة مسئولية المواجهة دون سياسات رشيدة تمكن القطاعات المدنية من القيام بدورها، حسب وصفه.. وهو الرجل العسكرى الذى يدرك قبل غيره أن ما مرت به مصر من ظروف كان يحتم هذه المشاركة من القوات المسلحة، بل لو أنه كان مكان السيسى فى رئاسة هذا البلد، لربما، لو كان يدرك، لاستعان بقواتنا المسلحة فى القيام بهذا الدور الوطنى، الذى لا يقل أهمية عن المعركة فى ميدان الحروب، لأن الجيش هو المؤسسة التى تلتزم الضبط والربط، وتقدر قيمة الوقت وحَاديها هو الإنجاز، فى وقت لا نملك فيه رفاهية الوقت، لأن ميراث سنوات طويلة لا تتم إزالته إلا بنفس القدر من هذه السنين، والناس لن تتحمل، وقد خبرنا من قبل بطء وترهل بعض الشركات المدنية فى إنجازها لمشروعات الدولة، إن لم أقل إن بعضًا من هذه الشركات كانت تتعامل مع أموال الدولة بمنطق «المال السايب»، يسهله لها بعض الفسدة والمرتشين، وكم رأينا مشروعات لم يتم الانتهاء منها، رغم مرور عشرات السنين، ناهيك عن المشاكل التقنية، ومخالفة المواصفات الفنية والفساد المالى الذى اعتراها.. كل ذلك وأكثر، تخلصنا منه بإشراف الجيش على تنفيذ المشروعات التى تنفذها شركات القطاع المدنى، وأكرر «الإشراف» الذى يحقق الجودة وسرعة الإنجاز.

وأعود فأقول إن أيًا من المهام التى يقوم بها الجيش فى المشروعات القومية لا تؤثر على مهامه القتالية وحماية البلاد، لأن العاملين فى هذه المشروعات هم أبناء القوات المسلحة، الذين جُنِدوا فوق العدد المطلوب للمهام القتالية، وتركزت الاستعانة بهم على المشاركة فى تلك المشروعات، على اختلاف تخصصاتهم الدراسية، كما قال بذلك اللواء الدكتور سمير فرج فى أكثر من حديث بشأن ذلك، ويبدو أنه لا أحد يقرأ من هؤلاء.

الهجوم الذى شنه الفريق عنان، منذ البداية على كل ما يجرى على أرض مصر، وعلى شخص الرئيس السيسى، يكشف أن هناك رجلًا لا يريد أن يأتى ليشارك فى خدمة هذا البلد، بقدر ما ينوى تصفية الحسابات، مستعينًا بالشعب «السيد»، كما سماه فى بيانه، بالرغم من أنه نحى هذا «السيد» جانبًا ووضعه على الرف، بإعلانه، فى بيانه، وبالمخالفة للدستور، استعانته باثنين من نواب الرئيس، بالرغم من خلو الدستور من هذا المنصب، وكأنما يريد الفريق أن يعتدى على ما أقره الشعب «السيد» الذى وافق على هذا الدستور، أو كأنما يفرض عليه منذ اللحظة الأولى إرادته، دون مشاورته أو استئذانه.. كل ما يعرفه الناس أن الفريق عنان يريد الاستعانة بمن يمكن أن يعضد موقفه الانتخابى، باختياره اثنين يطول الحديث عنهما، هما المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق، والدكتور حازم حسنى، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.. والحديث موصول عن هذا فى العدد القادم.. حفظ الله مصر.. من كيد الكائدين.