رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعديل وزارى أم تفشيل وزارى؟


وعلى كل الاحوال القضية أكبر من تعديل وزارى لا يسمن ولا يغنى ،ولكن الأهم هو غياب الرؤية وانعدام الخبرة وسيطرة شهوة الاستحواذ وعدم الإيمان بالوطن والمواطن، ولكن يخطئ من ينص،و أن الثورة قد ماتت، الثورة مستمرة ولن تموت، ولن يصمت الشعب بعد الآن، وستظل مصر لكل المصريين

لنجاح أى نظام أو سلطة حاكمة فى الحكم، هو أن يكون هذا النظام وهذه السلطة على درجة من التوافق السياسى مع الرأى العام، الذى من خلاله يمكن أن ترصد السلطة مطالب الجماهير وتحدد مشاكلها وتتعرف على قضاياها وتشعر بآمالها، ثم تعمل بعد ذلك على تلبية هذه المطالب وحل هذه المشاكل وتبنى تلك القضايا والعمل على تحقيق هذه الآمال، حيث إنه لا بقاء لأى نظام ولا استقرار لأى سلطة بعيدا عن رضا الجماهير وتفاعلاتها وتوافقها مع هذه السلطة، ولا بقاء لسلطة بالقهر والإجبار والاستحواذ مهما طال الزمن وهذه هى حكمة التاريخ، فماذا يقول التعديل الوزارى الأخير؟ بالرغم من حالة الاستقطاب السياسى الذى يسيطر على المشهد السياسى بمجمله، فقد رأينا أن هناك حالة توافق تشبه الإجماع ليس من المعارضة فقط ولكن من كثير من الأحزاب السياسية ذات التوجه الإسلامى مثل أحزاب النور والوسط ومصر القوية، بل كانت هناك آراء عديدة من حزب الحرية والعدالة.

كان هناك إجماع على تغيير شامل للوزارة على أن يكون على رأس هذا التغيير هشام قنديل، ذلك لفشله ووزارته خلال الأشهر الماضية حيث لم يشعر المواطن بوجود حكومة من الأساس، ذلك لأن معطيات الواقع السياسى المعقدة، وعلى ضوء الفوضى الضاربة بأطنابها فى جميع المجالات ولغياب الكفاءات السياسية والخبرة الاقتصادية لدى رئيس الوزراء ومجمل وزارته، وكان هذا واضحا فى غياب الوزراء وغياب أدوارهم وعدم وجود أى رؤية سياسية أو برنامج سياسى لهذه الحكومة بل للسلطة بمجملها ولذا فكان من الطبيعى أن يكون مصير هشام قنديل ووزارته الفشل الذريع، تراكمت المشاكل وتعمقت القضايا وأصبح البلد على شفا الإفلاس، متصورين أن الحل فى القروض التى زادت منذ وصول مرسى بعشرين مليار دولار ستكون عبئا وكارثة على الأجيال المقبلة.

ما يؤكد ذلك رسميا هو تجديد وكالة «ستاندر آند بورز» تخفيض التصنيف الائتمانى لمصر من «بى» إلى «سى سى سى» وهو ما يعنى مستوى الخردة وذلك بسبب فشل الحكومة فى تلبية الاحتياجات المالية للبلاد، وقالت الوكالة «إن إجراءات نجاح مصر فى الخروج من أزمتها المالية تتضاءل»، فيما اعتبر خبراء أن إجراء الوكالة «كارثة» ويضعف موقف مصر فى مفاوضات الصندوق، وأن هذا دليل على فشل الأداء الاقتصادى لحكومة قنديل قبل التعديل الوزارى الجديد، لأن هذا التصنيف تقييم عن الأداء الاقتصادى خلال الثلاثة أشهر المالية الماضية.

وعلى ذلك كان من المنتظر هو تغيير وزارى كامل يشمل هشام قنديل لغياب خبرته السياسية والاقتصادية حتى فى مجال تخصصه لم نر أى دور فى مشكلة مياه النيل، تلك المشكلة التى تهدد مستقبل البلاد وأمنها القومى، ولكن للأسف فقد رأينا إصرارمكتب الإرشاد الحاكم الفعلى للبلاد على غير الدستور والقانون يأتى بتعديل وزارى كارثى يؤكد حالة التوهان الفكرى والاغتراب السياسى والانفصال المجتمعى عن الجماهير، فكان تعديلا هزيلا يعتمد على استبدال أشخاص بأشخاص أسوأ مع غياب الرؤية السياسية التى تتوافق مع مطالب الجماهير وتحقق طموحات الرأى العام فى ثورة تم القفز عليها لاختطاف الوطن بكامله.

ولذا فقد أكد التعديل الجديد للوزارة فشل هذه السلطة التى لا تؤمن بالوطن والتى لا يعنيها الجماهير بقدر عنايتها بمصلحتها الحزبية المتمثلة فى مصلحة الجماعة، لأنه لا معنى لعناد الرأى العام والابقاء على رئيس وزراء فاشل غير انفصال هؤلاء عن الواقع السياسى وإصابتهم بالعمى والغباء والغشم السياسى، ولذا كان من الطبيعى أن يبقى وزير الإعلام ذلك الموقع الذى قد ألغاه دستورهم «التفصيل» ومع ذلك يصرون على بقائه للاستحواذ على إعلام الدولة الذى تتم أخونته على يد هذا الوزير المتحرش الذى لا يملك أى قدرة أو خبرة غير قدرته على الالتزام بالسمع والطاعة، ولأن هذا المتحرش أعلن بلا خجل أنه يتمنى أن يتحول ماسبيرو كله إلى إخوان مسلمين لأنهم هم الأكفأ، لذا فقد أعلن عبد المقصود قبل إعلان التعديل أنه قاعد على قلوب ماسبيرو.

هكذا حسن الاختيار يا مكتب الإرشاد وهنا دلالة الإبقاء على وزير الداخلية الذى جاء بعد وزير داخلية رفض الأخونة ورفض ضرب المتظاهرين أمام الاتحادية وأعلن أكثر من مرة أن الشرطة لن تكون لغير الشعب، ولذا فقد رأينا الوزير الحالى والباقى بعد التعديل ينفذ الأوامر، فعاد زوار الفجر وحمى مقر الجماعة فى المقطم، فى الوقت الذى لم يحاول فيه أن يحمى الكاتدرائية المرقسية من الاعتداء عليها فى هجوم هو الأول فى تاريخ الكنيسة المصرية والذى تم فى عهد مرسى والإخوان ومكتب الإرشاد، بقى وزير الداخلية فى الوقت الذى يرفضه فيه أبناء الوزارة فى مشهد غير مسبوق عندما تم طرده من مسجد الشرطة أثناء تشييع شهداء الشرطة فى بورسعيد، ولكن هى مصلحة الجماعة لا رأى الشعب، أما وزير الثقافة الجديد فحدث ولا حرج، هو شخصية مغمورة ، مجهول لا يعرفه أحد من المثقفين، مطلوب أمام النيابة الإدارية بشكوى من رئيس أكاديمية الفنون يتهمه فيها بالتحرش بإحدى الطالبات، كما تم فصله لعدم انتظامه فى العمل وقيامه بالاعتداء على رئيس الأكاديمية وتحطيم سيارته، يعنى وزير متحرش وبلطجى مفيش أحسن من كده.

أما بجاتو الذى اتهمه الإخوان بعدم الأمانة عندما كان أمين لجنة الانتخابات الرئاسية عندما تم شطب الشاطر فقامت مظاهرات الإخوان ضده وتم تأليف الأغانى الساخرة، كما أنه فى سياق عداء الإخوان للمحكمة الدستورية فبجاتو كان نائب رئيس المحكمة، ولكن سبحان مغير الأحوال، يأتى التعديل ببجاتو ووزير دولة وظيفته تبرير كل مواقف الحكومة فى البرلمان، فهل كانت بوصلة بجاتو مقاس الإخوان أو تم ضبطها لاحقا؟، إنها إرادة الله الكاشفة للأسرار، أما الاستثمار فى ثقافة مكتب الإرشاد الذى يسيطر عليه ملك البقالة: هو أن يكون الوزير الجديد كل مؤهلاته بياع فى شركة محمول، الله الله، هكذا الاختيار وهكذا فهم الاستثمار الذى لا يعرفونه إلا من خلال العلاقات القطرية التى تعتمد على البيع والتأجير، أما وزير التخطيط وهو قيادة إخوانية وكان أمين اللجنة التأسيسية للدستور، فهو يمتلك خبرة تخطيطية فى ميكانيكا التربة وأهو كله تخطيط، التربة والاقتصاد كله واحد فى شرع الإخوان.

ووزير المالية الذى يأتى فى ظل أسوأ ظروف اقتصادية كارثية تمر بها البلاد فهو أكاديمى لا علاقة له بالسياسة ومتخصص فى الاقتصاد الإسلامى ولا يعرف ماذا سيكون رأيه فى الاتفاقات والفوائد الربوية، ربنا يستر، وفى ضوء كل هذا يسفر الإخوان عن وجههم الطائفى المتعصب ويبقون على وزيرة دولة قبطية بنص وزارة فى الوقت الذى كان فيه على مر العصور وزيران قبطيان وأنا هنا ضد المحاصصة ولكن أين التوازن السياسى يا عديمى التوازن.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق