رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نفتقد حليم فى زمن النكد


بعد الاحتفاء بذكرى رحيل عندليب مصر الرائع عبد الحليم حافظ الــ 36، بحوالى شهر تقريباً التقتنى الشابة الذكية هبة عادل الصحفية بمجلة «الكواكب» العتيدة، وبمهنية لا تخلو من إبداع سألتنى «تفتكر لدينا الآن مطرب مصرى يمكنه المغامرة والذهاب

إلى نص أغنية مثل «المسيح» فيغنيها بكل هذه الروعة كما فعل حليم وغناها بحب وحماس؟! .. باغتنى السؤال، ولكن كان من الطبيعى والمنطقى لمن عاش طفولته وصباه مثلى فى أجواء زخم إبداعات تلك الفترة أن يجد الإجابة متذكراً تجليات تلك الحقبة الخمسينية والستينية الرائعة بحصادها الإنسانى الثقافى والفنى، مؤكداً للسائلة أن المبدع الأصيل هو ابن عصره، وعصرحليم وغناه كان يمثل فى النهاية حالة تماه رائعة مع أحوال بلد لديه مشروع وطنى قومى ضخم يضم العديد من المشروعات الفرعية الداعمة للحلم الثورى الإنسانى فى مجالات الإبداع الجمالى.. سينما ومسرح وفنون تشكيلية وموسيقى وغناء بنماذج تُعد هى الأروع فى تاريخ مصر المعاصر.

فى مطلع الأغنية الترنيمة التى كتبها الرائع عبد الرحمن الأبنودى وقام بتلحينها العبقرى بليغ حمدى .. يُغنى حليم .. يا كلمتى لفى ولفى الدنيا طولها وعرضها/ وفتحى عيون البشر للى حصل على أرضها / على أرضها طبع المسيح قدم / على أرضها نزف المسيح ألم / فى القدس فى طريق الآلام / وفى الخليل رنت تراتيل الكنايس.

هكذا يبدو الأمر جلياً، لون بديع من ربط القصص الدينى الروحى المقدس بكل تفاصيله الدرامية فى الكتاب المقدس باعتباره الحدث الأبرز فى العقيدة المسيحية بمجىء السيد المسيح الفادى المخلص ليبرأ من يؤمن برسالته من علل وأسقام الخطايا، وبرغم مخالفة الحدث من جهة إيمان أصحاب العقائد الأخرى ونفيها وجوب الحدث أصلاً ، إلا أن الأبنودى رأى فى فكرة الفداء والخلاص ونبل معناها «بصرف النظر عن عدم الإيمان بما جاء فى النص الدينى المسيحى ورفض العقيدة اليهودية والإسلامية للحدث»، أنه ما المانع من استثمار تلك التفاصيل حتى لو كانت من وجهة نظر المبدع أسطورية وخيالية كالاستشهاد بعقائد ومعتقدات الخلود وغيرها من كتب تاريخ الحضارة المصرية القديمة والموثقة على جدران معابدهم، إذا كانت تفاصيل تلك الدراما يُمكنها إضفاء معانى النبل بربطها بقضية الأمة العربية والمواطن العربى المسلم والمسيحى الباحث عن مخلص وفادى لإعادة القدس والوطن السليب.

ويواصل الأبنودى غنوته الترنيمة مستثمراً أرض حدث الصلب ثم تقديم قربان الفداء كموقع ينتظر «مسيح وراه مسيح وراه مسيح» للتأكيد على رمزية شخص المسيح المنتظر فى ملمات ضياع الأوطان فى كل العصور، ومشترك آخر هم اليهود الذى يمثل وجودهم عنصر الشر والخيانة فى دراما حياة السيد المسيح، وأيضاً هم شخوص فعل دراما سلب القدس والوطن الفلسطينى وتبعات ذلك .. يواصل الأبنودى رائعته:

وفى الخلا صبح الوجود إنجيل / تفضل تضيع فيك الحقوق لامتى لامتى / يا طريق الآلام .... يا طريق الآلام .....يا طريق الآلام / وينطفى النور فى الضمير وتنطفى نجوم السلام/ يا طريق الآلام / ولامتى يمشى فيك جريح / ولامتى فيك يفضل يصيح / مسيح وراه مسيح وراه مسيح/ على أرضها/ تاج الشوق فوق جبينه وفوق كتفه الصليب/ دلوقت يا قدس ابنك زى المسيح غريب غريب / تاج الشوق فوق جبينه وفوق كتفه الصليب / خانوه خانوه نفس اليهود/ ابنك يا قدس زى المسيح لازم يعود على أرضهاا.

ولا شك، فقد استقبل الأقباط الأغنية بفرحة وسعادة، وعندما تم منع إذاعتها كانوا يبحثون عنها عبر إدارة مؤشر الراديو لسماعها عبر أثير المحطات الغربية ، وبدوا وكأن الأغنية قد جاءت استجابة لنداء المواطن المصرى المسيحى الذى يشعر بغربة فى إعلام وفنون الوطن، وكان يبحث عن نصيبه فى صوت مطربه الكبير المحبوب.

يقول الأبنودى عبر حوار له نشر مؤخراًحول مناخ الإبداع وتحديات وجوده فترة إنتاج وخروج أغنية «المسيح» الإخوان لا يعرفون الفن، وليس بينهم فنان ولا شاعر ولا ملحن عظيم، لأنهم بلا خيال، وفى زمن «عبدالحليم» لم يكن هناك إخوان، لأنهم كانوا فى معتقلات «عبدالناصر»، ومن كان منهم فى الخارج كان مختبئاً، ينكر إخوانيته، ولم يشكلوا أى إعاقة للمسيرة، كما هو حادث الآن، وأضاف «الأبنودى»: أولاً علينا أن نفرق بين الوضع الحالى وزمن «عبدالناصر»، ففى زمن «ناصر» لم نكن نصادف مثل هذه الحالات الشاذة التى ترتدى ثياب الدين وتتفوه بأفظع الألفاظ التى هى ضد الدين، وتسلك كما الوحوش، وقد كنا ضد حبس الإخوان المسلمين فى ذلك الوقت، أما حالياً فأقول لولا سجن الإخوان لما استطاع «ناصر» أن يبنى مصر، قلت آنذاك لحليم: هناك موضوع يلح على حيث فى كل هزيمة ونكسة نجد الآلاف من الفلســـطينيين يزحفون من بلادهم التى استولت عليها القوات الصهيونية، وهذه البلاد هى بلاد «المسيح»، وإن هؤلاء يعذبون كما عُذب «المسيح». فقال لى: لو سمحت اكتب. وبالفعل بدأت الكتابة فى ظل وجود كمال الطويل، وبمجرد انتهائى من كل مقطع يلحنه «الطويل» فوراً، لذلك فقد اكتمل وضع اللحن مع الكلام.

■ كاتب

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.