رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل نكون كما قالوا.. لا كرامة لنبى فى بلدنا؟


نحن قد نختلف، ولكننا أبدًا، لا نقف فى خنادق متواجهة، بل صفًا واحدًا، رغم هذا الخلاف، لأن حادينا هو مصلحة الوطن.. وربما كان فى اختلافنا رحمة، لأن المحبة قد تُخفى جانبًا من رؤية الحقيقة، ولأننا قد ننظر إلى ذات الشىء، من زوايا مختلفة.. لكننا فى النهاية لا نريد إلا بقاء الوطن، وذلك لن يتأتى إلا بالإبقاء على رسوخ مؤسساته، والأعمدة منها بالذات، بعدما تجرأ البعض على قمم الوطن وذراه، ولم يسلم أحد منهم من الأذى، حتى رئيس البلاد.

ذات يوم، ليس بعيدًا، تهادى إلى مسامعى، صوت القارئ الراحل الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، يصدح بآيات من القرآن الكريم، عبر مذياع، فى واحد من شوارع منطقة الجنوب البُلغارية، بورجاس.. ودون أن يسحبنى التعجب بعيدًا، حول وجود مثل هذا الصوت المصرى، وهذه الآيات القرآنية، فى دولة كانت إلى عهد قريب، تدين بالأيديولوجية الشيوعية، محكومة بالحديد والنار، شأن كل دول أوروبا الشرقية، أدركت أنها تأثيرات القوى الناعمة المصرية، ومن بينها الأزهر الشريف، الذى يظل، الآن، هو القوة الناعمة الوحيدة لمصر، التى بقى تأثيرها فى أصقاع الدنيا، بعد أن جاب رجاله وعلماؤه البلدان، يدعون إلى سبل ربهم، بالحكمة والموعظة الحسنة.. لذا، تبدو محاولة النيل من الأزهر وإمامه، هدمًا لصورة مصر فى عيون الخارج، وهدم لواحدة من أضخم القوى التى نمتلكها، بل هو القوة الوحيدة الباقية التى بحوزة مصر، للتأثير فى شعوب العديد من دول العالم ومسئوليه.

وإذا ما ضاعت قوة الأزهر، انضمت هذه القوة المهدرة إلى جانب ما تم القضاء عليه سلفًا، وعبر سنوات العزلة، من قوى مصر، فى الفن والثقافة والسياسة وغيرها، وكمصدر للإشعاع الحضارى على من حولها، وهو ما نترحم عليه الآن، دون أن نملك القدرة الكاملة بعد على استعادته مرة أخرى، بعد أن يئس منا من يئس، وكفر بنا من كفر، واتخذ سبيله، متأثرًا بثقافات وفنون أمم أخرى، ووقعت شعوب نهبًا لفتن الجماعات الإرهابية التى سيطرت على عقول كثير من أبنائها، حتى اضمحلت وتفككت، وذهب كل فريق فيها، شيعًا ونحلًا.

هل حقيقة أنه «لا كرامة لنبى فى وطنه»؟.. لماذا نعتبر الرد على منتقدى الأزهر وشيخه، تسييسًا للخطاب الدينى؟، ونذهب بالأمور بعيدًا عن غاياتها ومراميها؟.. فى وقت يتم فيه تصوير الخلاف فى الرؤى، حول قضية من القضايا، على أنه صدام بين الدولة والأزهر، وأن هناك افتعالًا لحروب دينية.. أليس ذلك أخطر على الوطن من أعدائه، وسعيًا لهدم مؤسسة عريقة؟.. لا أحد يرضى منها بالجمود أو يتجاهل الرتابة والخضوع للماضى فى بعض مناهجها، دون إعمال العقل والنظر فيه.. ولكننا مع النقد من أجل التقويم وتصحيح المسار، والقبول بثقافة جديدة، تقوم على قبول الرأى والرأى الآخر، بعيدًا عن التشيع لهذا الطرف أو ذاك، وكأنما أصبحنا معسكرين، يقف فى كل منهما أناسٌ لا يعرف كل منهم الآخر، من كان مع شيخ الأزهر وعلمائه، فهو ضد الدولة، ومن كان مع الدولة، فلابد أن يكون خصيمًا للأزهر وشيخه!.. ما هكذا تُورد الإبل يا سادة.. ولا يجب النظر إلى عبارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لشيخ الأزهر: «تعبتنى يا فضيلة الإمام»، على أنها كلمة سر الدولة، لتصفية الإمام والقضاء على الأزهر!.. لا تحملوا الرئيس ما لم يقله أو ينتوه!.

لا تعطوا الفرصة أمام الجماعات السلفية والمتطرفة، لتفتح الباب على مصراعيه، مزكيةً للخلاف، لأن لدينا هنا، فى الداخل، من هم أخطر على الوطن من أعدائه، كما قلت سلفًا، دون أن يكون كلامى هذا، مدعاة للتخوين بل هو حرص، للحيلولة دون لعب البعض فى الماء الآسن، يعكرون به صفو المجتمع المصرى، ويشوهون به نقاء صورة الأزهر وعلمائه، فى عيون المصريين وكثير من شعوب العالم.. نحن بصدد قيام البعض، برسم صورة شائهة، عن كون الإمام هو الأزهر، وأن الأزهر هو الإسلام، وأن المعركة محتدمة بين الدولة والأزهر، فيما سموه «معركة الدفاع عن الإسلام والشريعة»، بين من يدعون إلى التغيير، بعيدًا عن الجمود، وبين مؤسسة سلطوية، مع أنه لا سلطة دينية فى الإسلام، كل ما هنالك أن مجموعة من المثقفين، للأسف، وبعض الملكيين أكثر من الملك، وجدوا الفرصة سانحة، لتصفية حسابات قديمة مع الأزهر وبعض علمائه، وصب جام غضبهم على فضيلة الإمام، صاحب الصراع السياسى مع الدولة، لأهداف سياسية، كما يصورونه، لا أفهم بالضبط، ما هذه الأهداف، ولا كيف يتصورونها من عالم جليل، مثل الشيخ الطيب!.. بل إن البعض شطح فى خلافه مع الأزهر، وراح ينفخ النار فى هشيم الدولة المصرية، هذا البلد الذى تحول عبر سنوات طوال مضت، إلى كومة من قش، تُركت فى العراء، مُعرضة للشمس، فأصبحت مع الأيام قابلة للاشتعال، إذا جاء من يوقظ فِتنتها، لعنه الله.. ولا يتقولن أحد بأن هناك من يهب لنصرة الإمام، فى مواجهة الدولة، وأن المشيخة انحازت إلى جماعة الإخوان الإرهابية، فى حربها المفتوحة ضد الدولة، وباتت تسير على نهج الجماعة وخطاها!.. فذلك كله، قول مغلوط، لأن الرهان هو مصر، والأزهر وإمامه، جزء لا يتجزأ من هذا البلد الطيب، والبلد الطيب يخرج نباته طيبًا بإذن الله.

أى عجب وأى جنون، ذلك الذى يذهب إليه البعض، فى الربط بين الأزهر وهذه الجماعة المنحلة، وهو المؤسسة التى انكوت بنيران هذه الجماعة، ونالت قياداتها ومنتسبوها، ما نالها من العدوان والاستفزاز، فى عهد المخلوع محمد مرسى.. والشيخ الجليل، رابط الجأش، منتصبًا كالعود المستقيم، فى مواجهة جماعة، يؤمن بأنها إلى زوال، وأن مصر الأزهر باقية.

يمكننا الحديث عن تحديث الأسلوب التعليمى داخل مؤسسة الأزهر، بعيدًا عن تقديس الموروثات التى تتعلق بحياة المسلم، فى يومه وليله.. نتحدث عن أن الأزهر غير برىء من وجود بعض المنتمين إلى الإخوان والسلفيين، تسللوا إليه فى غفلة من الزمن، واحتلوا بعض أركانه الأساسية.. نقول إن من رجاله، وهم قلة، من يخرج برسائل تحريض ضد الدولة، وإنه شأن كل مؤسسات الدولة، يشهد وقائع فساد من بعض خربى الذمم، مثلما حدث فى غيره مؤخرًا، ولكن البقعة السوداء لا تنفى بياض الثوب.. نتحدث عن ضرورة النظر فى ترشيحات هيئة كبار العلماء، وضرورة تضمينها ثقات فى الاقتصاد والثقافة وغيرها، يضعون ما يستقيم به أمر الوطن، فى إطار من قواعد الدين.. لكن هذا كُله لا يُسقط عن الأزهر المؤسسة، ولا عن الشيخ الطيب الإمام، أنهما مازالا عمودى خيمة الوسطية الإسلامية، التى تجرأ عليها الأكلة، كأنما هى قصعة تتكالب عليها ضباع المجتمع، وكل من كان فى نفسه هوى، وأراد للدولة المصرية عدم الاستقرار، وبث أسباب الفرقة والخلاف، بين أبناء الوطن الواحد.. الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها.. اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.