رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حواري مع صديقي الإرهابي


فى عام 1997 أجريت دراسة ميدانية حول دوافع «حِيّازة السِلاح» وكيفية الحد منها.. وأثناء تطبيق استمارة البحث على عينة من المجرمين «الجِنائيين» الذين ارتكبوا جرائمهم باستخدام أسلحة صغيرة.. وبصرف النظر عن نتيجة البحث «المُوجِعة» والتى كانت بمثابة ناقوس يُنذرُ بخطورة تلك الظاهرة على أمن المجتمع؛ خاصة إذا ما شعر الحائزون لتلك الأسلحة بضعف قدرة الدول على كبح أهوائهم الطائشة. حيث تضمن البحث سؤالاً حول دوافع القتل..؟

وإجابة هذا السؤال بالتحديد، هى التى دفعتنى إلى إجراء حوار بسيط مع ذلك الجنائى القاتل.. وسألته مباشرة لماذا قتلت..؟ فأجابنى «السجين» بلهجة تملؤها الثقة والفخر: «كُنتُ أُطَبِقُ دينَ الله».. وحينما سمعت إجابته؛ نحَيِّتُ الاستمارة جانباً.. ونظرت إليه فى عجب، ثم قُلت: أىُ دين طَبَّقتَ يا رجل..؟ فأجابنى القاتل بسؤال: ألست بمسلم أنت..؟! فقلت له «بلى» مسلم.. لكن دينى لم يأمرنى لا بقتل ولا بسب.. فللدين مفهوم «ضيق» وآخر « مُتَسع».. !

وما إن سمع القاتل إجابتى حتى قال: «لكن دينَ الله واحد.. فكيف يكون فيه ضيقٌ ومُتَسعٌ..؟ وكأنه أراد أن يستفهم عن الفارق بين المفهوم الواسع والضيق للدين.. فقلت له: فى المفهوم «الَضَّيق» للدين يكون الحلال «استثناءً»، وأفضل أنواع الدواء فيه هو «الكَى».. بينما فى المفهوم «الواسِع» للدين يكون «الحرام» هو الاستثناء.. وتكون فيه العبادة «فُسحَة» والقول بالمعروف خير من الصدقة التى يتبعها «أذى»..!. وبدون أن أدرى عَلا صوتى سائلاً إياه: يا رجل.. كم «بريئًا» مات بهذا «الفهم» على يديك..؟ يا أخى.. ما ضَيَّقَ الدين أحدٌ إلا وهَلك.. وما وَسَّعَه أحدٌ إلا ونجا.. يا رجل : ألم تعص الله قط.. ؟ فأجابنى - بعد أن طأطأ رأسه إلى الأرض: «بلى» فكُليِ مَعَاصٍ.. ولم أرج من الله سوى «رحمته».. فقلت له كيف تطلب رحمته وقد ضَيَّقَتها على عِبَاده.. ؟ يا رجل .. «الدينُ واسِعٌ» وكلٌ يأخذ منه على قدر فَهمِه.. وكلٌ يأخذ منه على قدرِ طاقته.. وكلٌ يُحَصَل منه على قدرِ إيمانه.. اللهُ رحيمٌ يا هذا.. فلماذا لا نُصبحُ رحماء مِثلُه.. ؟! حوارى معك ربما لا يفيدك.. لكن الشىء الوحيد الذى خرجت به، هو أنك جعلتنى أعرف «لماذا أنت إرهابى..؟» ربما لا يُمكنُنى الآن مواجهتك ؛ لضعف الخطاب الذى أملكه، وقوة السلاح الذى بيدك.. لكننى حتمًا سألتقيك، فانتظرنى.. حينما يقوى «الخطاب» الذى فى عقلى.. على مواجهة «السلاح» الذى فى يديك..!.. وفى حين كنت أستهدف من دراستى أشياء.. لكن حوارى مع هؤلاء «القَتَلة» أوصَلنى لأشياءٍ أخرى. ربما كانت بالنسبة لى هى الأهم، رغم أنها لم تكن مقصدى..! فقد أدركت تمامًا أن الإنسان ليس مجرمًا بطبيعته.. ورغم أن «الفقر» يعد عاملاً أساسيًا فى معظم الجرائم التى أُرتكبت.. لكن يظل «الفَهم» القاصر أو المريض هو الأهم.. ! وأنه ليس هناك أناس يكرهون الدين، أو يعملون ضده عن عَمد.. وإنما هناك أناس لديهم «مفاهيم» مختلفة عن الدين.. وربما «تفسيرات» مغايرة لنصوصه.. وأن الأزمة دائمًا تكمن فى ذلك «الفَهم» المريض أو «الإدراك» المجترئ؛ اللذين غالبًا ما يؤديان إلى ممارسة سلوكيات منحرفة؛ لما يحملانه من أفكار قد تتجاوز المنطق الإنسانى، وربما تنتصر عليه..!