رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. ونهايات «داعش» المؤجلة


دون الدخول فى تفاصيل النّشوء والارتقاء، للتنظيم المتوحش «داعش»، وكلها كانت بأيدى غربية ومساعدة دول إقليمية، أذكر أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما قال فى تصريحٍ غريب، إن حرب القضاء على التنظيم المتطرِّف تستغرق سنوات، وهو ما كرّره أيضاً بعض قياداته العسكرية. نظرة بسيطة على خارطة تمدّد التنظيم، من العراق إلى سوريا، ومن ثم ليبيا، وأذرعه فى مصر،وعملياته التى تبناها فى السعودية، تكشف لنا أن التنظيم ليس بهذه القوّة المفرطة المبالغ فيها والتى تمكنه من تحدِّى دول بأكملها، فما بالنا وأن التمدُّد نظرياً يعنى توسيع جبهة المواجهة، بما يكرر خطأ هتلر فى الحرب العالمية الثانية، والذى أدَّى فى النهاية لهزيمته.

دعونا نعترف أولاً، أن «داعش» ـ الذى هو جزء لا يتجزَّأ من تنظيم القاعدة ـ ما كان له ليتمدد بهذا الشكل المريع، لولا وجود التمويل والدعم من قبل جهات عربية وغربية للأسف، نما تحت عينيها، واستقوى بأموالها، وانتشر بما يبدو أنه تسليم مفتاح من قبل حكومات، كان أولها رئيس وزراء العراق السابق نورى المالكي، الذى فى عهده انسحب الجيش العراقى بالكامل وترك أسلحته وعتاده، ربما بأمر مباشر فى ظاهرة لا تخلو من التساؤل، الذى تبينت إجابته لاحقاً، من خلال السَّماح بإنشاء ما يُسمى الحشد الشعبى (الطائفى بالأساس)، كما لاينكر أحد أن نظام الرئيس التركى أردوغان هو من غضَّ الطرف وجعل بلاده معبراً لكل التكفيريين المنضمين للتنظيم الإرهابي. الملاحظة الأهم، أن جميع اللاعبين الإقليميين والدَّوليين، تركوا «داعش» تستفحل، من تحتالطاولة، ليستفيدوا منها ويحققوا عبرها أجندتهم طويلة الأجل، وادعوا فى العلن محاربتها ومقاومتها وتشكيل تحالف للقضاء عليها، من الولايات المتحدة التى أسقطت على أماكن تمركزهم الأسلحة والمعدات «بالخطأ»، إلى تركيا التى اكتشف أردوغان فجأة ـ بعد محاولة الانقلاب المزعومة ـ أنها خطر على حدود بلاده، بينما كان يشترى منها النفط المهرب بسعر رخيص، مروراً بإيران التى تركتها ترتع فى العراق لتنشئ حشدها الشعبى وميليشياتها الطائفية لتقوى نفوذها، إضافة لكل الدول والتنظيمات المموِّلة والمهادنة، حتى وإن تراجع بعضها بعد أن شبت النار فى ثوبه.!

ولأن كل النهايات مؤجلة حتى إشعار آخر على الأقل، تبدو معركة تحرير الموصل بالعراق، الجارية حالياً، بداية لكل هذه النهايات التى لم يتساءل فيها أحد عن مصير أعضاء التنظيم الإرهابي، فيما بعد الموصل.. فالمؤكد أن التنظيم سيخسر كما خسر الفلوجة ومعظم قواعده التكتيكية بالعراق، ولكن الأهم: ماذا بعد؟

فى الأيام الأولى للمعركة، لم تظهر لنا أى مؤشرات على مواجهة عسكرية حقيقية، ولم يعرف أحد أين ذهب «داعش» وهل تبخّر هكذا فجأة إلا إذا كان يُعد لمفاجأة من العيار الثقيل، مع الأخذ فى الاعتبار التسريبات عن صفقة يخلى بموجبها التنظيم الموصل، دون أن تحدد وجهته المقبلة، وهى بالتأكيد لن تكون سوريا وحدها، بالتزامن مع معلومات قبل أشهر أشارت إلى رحيل كثير من الدواعش عبر البحر من سوريا إلى ليبيا، لتكون نهاية أخرى مؤجلة، وهذه المرّة على الحدود الغربية لمصر.! التنظيم الإرهابى ليس غبيّاً، ليحصر نفسه فى سوريا فقط كى لا تضيق الحلقة على رقبته، خاصة وأنه يعرف أن سوريا باتت ساحة الصراع الأكثر اشتعالاً فى الشرق الأوسط، لذا فإن نافذته «المؤجلة» هى ليبيا.. أى نقل المعركة لتكون على عاتق مصر وحدها هذه المرّة. وهنا يبدو لافتاً ما أعلنه المبعوث الدولى إلى ليبيا مارتن كوبلر ودعوته لتشكيل جيش ليبى موحَّد يقوده المشير خليفة حفتر، فى تصريح هو الأول من نوعه، إما كاعتراف بأمر واقع أو كمقدّمة لتقوية جبهة مواجهة أخرى، لن تقف فيها مصر مكتوفة الأيدى وهى ترى خطورة نقل الصراع إلى حدودها الغربية، لتكون مرحلة أخرى من سيناريو النهايات المؤجلة، والمفتوحة على كل الاحتمالات.. وأعتقد أن مصر مستعدة لما هو أخطر.!