رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دولة المواطنة.. وقانون موحد لدور العبادة


«فى مطلع التاريخ لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام، فاتحدت إرادتهم الخيرة وأسسوا أول دولة مركزية ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة...


... مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية، فى أرضها شب كليم الله موسى عليه السلام، وتجلى له الدور الإلهى وتنزلت عليه الرسالة فى طور سينين. وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعاً عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام. وحين بعث خاتم المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق انفتحت قلوبنا وعقولنا لدور الإسلام، فكنا خير أجناد الأرض جهاداً فى سبيل الله ونشر رسالة الحق وعلوم الدين فى العالمين. هذه مصر، وطن نعيش فيه ويعيش فينا».

هذا الكلام الذى قرأتموه يوجد فى مقدمة دستور 2014 الذى أجمع عليه الشعب المصرى، وأقسم اليمين عليه رئيس الجمهورية والوزراء والمحافظون ونواب ونائبات مجلس النواب، علما بأن هذه المقدمة، كما ورد فى نص الدستور جزء لا يتجزأ من الدستور. وهذا الدستور ينص فى المادة 53 كما تعلمون وأكدنا مراراً وتكراراً على عدم التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل. ونص أيضاً على التزام الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز بإنشاء مفوضية لهذا الغرض.حتى الآن لم تبدُ فى الأفق أى بادرة أمل أو شعاع نور يدل على إقامة هذه المفوضية وسط فكر ظلامى رجعى يسود البلاد، وفكر سلفى متشدد متعصب يسود عقلية عدد من المسئولين القائمين على الدولة رغم الصوت العالى والطنطنة بعدم التمييز والمساواة.

وبعد مرور ما يقرب من ست سنوات على ثورة يناير التى ضربت أروع الأمثلة فى الميدان فى التسامح والمساواة والتعايش بين أبناء الوطن الواحد ارتفعت أحلام المصريين وآمالهم فى تحقيق دولة القانون والمواطنة، لم تتخذ خطوات كافية فى إرساء ثقافة المواجهة للتطرف والتشدد والعنف، ثقافة الدولة المدنية. لم تتخذ خطوات جدية فى مراحل التعليم المختلفة لتنشئة أجيال تنتمى إلى هذا الوطن وتؤمن بالأديان السماوية والكتب السماوية والرسل والأنبياء، وتؤمن بالتسامح والوسطية والعدالة والحق والعدل.

بعد كل ذلك يزف إلينا نواب مجلس الشعب إقرار قانون يحض على التمييز بين أبناء الدولة تحت مسمى قانون بناء الكنائس دون أن يلتفت النواب والنائبات إلى أن عنوان القانون نفسه يكرس لدولة طائفية ومذهبية، حيث نضع لكل طائفة منها قانوناً خاصاً بها. قانون خاص ببناء المساجد للمسلمين المصريين وقانون خاص ببناء الكنائس للمسيحيين المصريين. أليس هذا عنواناً لدولة تقومعلى التمييز والطائفية؟ أين قانون بناء دور العبادة الموحد مساجد وكنائس، الذى ينادى به الجميع قبل الثورة وبالذات خلالها وبعدها؟ ليس هناك فرق بين دار للعبادة يرتفع فيها الأذان أو تدق فيها الأجراس. نحن فى حاجة إلى قانون ينظم بناء دور العبادة دون تمييز. إننى أضم صوتى إلى جماعة مصريون ضد التمييز وإلى كل المصريين، مسيحيين ومسلمين، الذين قالوا بصوت عالٍ وتم تجاهلهم كالعادة عند مناقشة أى قانون، فالحكومة «ودن من طين وودن من عجين»، وأغلبية أعضاء مجلس النواب يتوافقون ويتفقون مع الحكومة.

إن هذا القانون بغض النظر عن تفصيلات ما جاء فى مواده وعما يردده رئيس اللجنة التشريعية بمجلس النواب من أن القانون جاء بموافقة الدولة والنواب والكنائس والمجمع المقدس. هذا القانون الذى تزفونه لنا على أنه انتصار لوحدة الهلال مع الصليب انتصار لتكريس الطائفية. نحتاج إلى وطن لا يكرس التعصب أو التمييز، نحلم بوطن نحيا فيه جميعاً ونحيا تحت مظلة العدالة الاجتماعية والمساواة وضد التمييز.