رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين مخالب الصندوق «2»


فى المقال السابق تناولنا الحديث عن الاعتماد على سياسات القروض من البنك وصندوق النقد الدوليين، مما أدى إلى ما آلت إليه البلاد من تحميل الديون وأقساطها وفوائدها على موازنة الدولة، وعبء السداد على الأجيال الحالية والقادمة. ونستكمل اليوم الحديث عن بدائل قرض الصندوق يا مسئولين يا من حلفتم اليمين على الدستور، فلنتأمل معاً ونقرأ المادة 27 «يهدف النظام الاقتصادى إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى ورفع مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة والقضاء على الفقر....ويلتزم النظام الاقتصادى بمعايير الشفافية....ومنع الممارسات الاحتكارية....والنظام الضريبى العادل وضبط آليات السوق. ويلتزم النظام الاقتصادى اجتماعياً بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة، وبحد أقصى فى أجهزة الدولة لكل من يعمل بأجر».

إن هذه المادة تحمل فى طياتها أحد الحلول كبديل لقرض الصندوق، بمعنى أن وضع حد أقصى للأجور دون استثناء يعتبر أساساً لنظام عادل. ففى دول العالم تتراوح النسبة بين الحد الأدنى والحد الأقصى إلى 1 إلى 15 أو 20. أما عندنا فالحد الأدنى الذى طالبنا بتطبيقه «1200 جنيه» لم يتحقق حتى الآن، بل إن الحد الأدنى للأجر التأمينى فى القطاع الخاص مازال فى حدود مائتى جنيه! ومازال الحد الأدنى للمعاشات بعد رفعه 500 جنيه شهرياً! أما بالنسبة للحد الأقصى فوصل إلى 35 ضعفاً «42 ألف جنيه» مع وجود استثناءات لعدد من الهيئات.

يا سادة، العدالة ودولة القانون لا تعرف الاستثناءات. هذا غير الخلل الكبير داخل هيكل الأجور، فوفقاً للإحصاءات يستحوذ نحو عشرين ألفاً من شاغلى وظائف الإدارة العليا بالدولة على حوالى 40% من إجمالى بند الأجور، بينما يحصل حوالى ستة ملايين موظف على حوالى 60%! هل هذه هى العدالة الاجتماعية التى نادى بها المصريون؟! هذا غير المستشارين المتعاقدين والذين ساعد الفساد على اختيار الكثير منهم وفقاً للوساطة والمحسوبية وأهل الثقة. إن تطبيق الحد الأقصى للأجور سيوفر المليارات.

وإذا انتقلنا إلى البديل الثانى لقرض الصندوق، أين أموال الصناديق الخاصة التى بح صوتنا من أجل ضمها إلى الموازنة العامة للدولة، هذه الأموال تفوق المائة مليار جنيه. طبعاً لا يسمعنا أحد لأن أموال هذه الصناديق تمثل أحد أبواب الفساد فى توزيع نسبة مهمة منها كمكافآت لكبار الموظفين والمسئولين دون رقابة أو شفافية أو محاسبة.

البديل الثالث هو نظام ضريبى عادل كما جاء فى المادة 38 من الدستور «...ويراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر، وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقاً لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبى تشجيعالأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة وتحفيز دورها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...وأداء الضرائب واجب والتهرب الضريبى جريمة».

يا مسئولين يا من حلفتم اليمين هل تطبقون ذلك؟ بدلاً من تطبيق نظام ضريبى عادل وتحصيل مليارات الضرائب من كبار رجال المال والأعمال، وبدلاً من تحصيل مستحقات التهرب الضريبى، وبدلاً من فرض ضرائب تصاعدية مثلما يطبق فى معظم الدول الكبرى التى تصل الضرائب فيها إلى 60%، نجد أن السياسات الضريبية فى بلادنا تقوم على محاباة كبار المستثمرين والمحتكرين حيث إن الحد الأقصى للضريبة قد تم تثبيته على 22.5%، هذا غير ما تم من إلغاء الضريبة على الأرباح المتحققة فى نشاط البورصة.

ولكن الدولة التى هى نعامة أمام كبار الأثرياء أسد على الغلابة والفقراء الذين يشدون الحزام على بطونهم «حتى أصبحت جلداً على عظم» ووفقاً لشروط الصندوق تفرض على فقراء الشعب المصرى ضريبة القيمة المضافة التى ترفع أسعار السلع والخدمات إلى 14%. إن فى هذا انحيازاً صارخاً إلى مصالح مجتمع النصف فى المائة على حساب أغلبية الشعب. وللحديث بقية.