رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جو كوكس .. اقتلاع الزهرة


فى يوم الخميس 16 يونيه تم اغتيال النائبة البريطانية « زيلين جويل» التى اشتهرت باسم «جو كوكس» أثناء توجهها لاجتماع بناخبيها فى شمال إنجلترا. وأشارت معظم التقارير إلى أن القاتل هو «توماس مور» البالغ من العمر 52 سنة، وأنه كان ينتظرها حسب شهود من مقهى مجاور وأطلق النار عليها مرة وأخرى فسقطت على الأرض فانحنى وأطلق النار مرة ثالثة فى وجهها. وأضافت بعض المصادر أن القاتل هتف أثناء ذلك «بريطانيا أولا» واتفق معظم المحللين على أن الجريمة وقعت فى سياق الاستفتاء بشأن بقاء بريطانيا من عدمه فى الاتحاد الأوروبى، بهدف تلقين أنصار الاتحاد الأوروبى، وكانت « كوكس» فى مقدمتهم درساً عنيفاً. ولتأكيد ذلك التفسير يضيفون أن « توماس مور» على صلة وثيقة مع النازيين الأوروبيين الجدد دعاة سيادة العرق الأبيض والأمم البيضاء، وإذا صح ذلك لكان الدافع الحقيقى للقاتل هو مواقف «كوكس»المؤيدة للمهاجرين والأقليات، والقضايا العربية، هو الدافع للاغتيال، وليس– كما يراد لنا أن نفهم- بقاء بريطانيا فى الاتحاد الأوروبى من عدمه. أما قصة تأييدها للاتحاد الأوروبى فليست سوى غطاء للتمويه على أصحاب المصلحة فى إسكات «جو كوكس»وإسرائيل فى مقدمتهم. كانت « كوكس» التى فارقت عالمنا عن اثنين وأربعين عاماً تاركة خلفها طفلين معروفةبتعاطفها مع قضايا المهجرين داخل بريطانيا، وقد أشادت بدور الهجرة فى تحسين أوضاع البلاد فى أول خطاب لها فى مجلس العموم بعد انتخابها فى مايو 2015، وكانت أيضاً تترأس لجنة البرلمانيين من «أجل سوريا»، وعضوة فى مجموعة «أصدقاء فلسطين» البرلمانية، ووقفت تدعم بحزم حركة مقاطعة إسرائيل، ونادت طويلاً برفع الحصار عن غزة، ودعت وطالبت بالتعدد القومى والعرقى والثقافي، وعلاوة على كل ذلك كانت من أنصار بقاء بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي. فهل ترك القتلة مجمل أسباب القتل وتوقفوا فقط عند مسألة موقف « كوكس» من الاتحاد؟! أم أنهم صوبوا رصاصهم إلى كل مواقف»جو كوكس» تحت غطاء آخر للتمويه على الجهة الحقيقية التى وقفت وراء الاغتيال لأسباب غير الاتحاد الأوروبى؟. أعتقد أن اغتيال « كوكس» سيبقى غامضا مثل اغتيالات سياسية كثيرة لم تفضح بعد حقيقة الفاعل فيها، من أشهرها اغتيال جون كيندى عام 1963أثناء مرور موكبه فى مدينة دالاس، ثم مقتل المتهم باغتياله بعدها بيومين! ومازالت الجهة الحقيقية الفاعلة مجهولة رغم انقضاء نصف قرن! ومازال الغموض يحيط باغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية بنظير بوتو فى 2007، كما مازال موت الزعيم الفلسطينى «ياسر عرفات» عام 2004 محاطاً بالغموض، رغم إعلان الخبراء فى باريس بعد وفاته بست سنوات عن اكتشاف آثار مادة البوونيوم المشعة على ملابسه. لقد اقتلعت البربرية زهرة غالية من حديقة البشر، هى النائبة «جو كوكس» التى ولدت عام 1974بشمال بريطانيا ثم أنهت تعليمها فى كامبريدج عام 1955، وأسهمت بنشاط فى أعمال الجمعيات الإنسانية مثل منظمات إنقاذ الأطفال فى مناطق النزاع، وفى منظمة «أكسفام» الخيرية، ثم انتخبت إلى البرلمان العام الماضى. قالت الصحفية «لورا كينسبيرج» تنعيها: «كانت جو نجمة، مشعة، شجاعة ومرحة». ونعاها رئيس الوزراء البريطانى بقوله « فقدنا روحاً مشبعة بالرقة والرحمة». نسبت إليها مصادر كثيرة قولها: «ارجعوا إلى التاريخ جيداً .. لا توجد إسرائيل، توجد فقط فلسطين»، ومن أقوالها المسجلة فى البرلمان: «فى بعض الأحيان كل ما يلزم الأشرار لكى ينتصروا هو صمت الناس الطيبين». لقد اقتلعت البربرية زهرة أخرى، لكن «كوكس» تواصل نموها مع زهور كثيرة فى حديقة لا حدود لها تضم كل أصحاب الضمائر الحية.