رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تساؤلات مطروحة.. وتخوفات مشروعة «2»


إن المصالحة التى يتم طرحها الآن لحل القضية الفلسطينية تجىء وسط موازين قوى لصالح الكيان الصهيونى الغاصب الذى يرفض منذ 2002 المبادرة العربية للسلام، والتى طرحتها السعودية فى ذلك الوقت فى مؤتمر القمة العربية، والتى تعتمد على الأرض مقابل السلام، أى على إسرائيل أن تنسحب من الأراضى العربية والفلسطينية إلى حدود 4 يونيه 1967 مقابل اعتراف وعلاقات طبيعية سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً مع الدول العربية واشترطت إسرائيل التطبيع أولاً، ثم بعد ذلك تفكر فى موضوع عودة الأراضى. وعلينا أن نعترف أنه طوال السنوات الماضية كان التطبيع بين الأنظمة الحاكمة فى الكثير من الدول العربية والكيان الصهيونى يسير بصورة طبيعية، ومن أشكاله وجود سفارات أو قنصليات أو ملاحق تجارية مع الكثير من التبادل التجارى. وما زالت مصر تجنى الثمار السلبية لاتفاقية «الكويز» الاقتصادية بين مصر والكيان الصهيونى عام 2004، والتى بدلاً من إنعاش تصدير المنتجات القطنية المصرية وخلق وتوفير فرص عمل كما بشرت المعاهدة، والتى لم تحقق أهدافها كاملة عدا هدف التطبيع الاقتصادى مع الكيان الصهيونى. هذا غير ما تم من علاقات دبلوماسية كاملة مثل مصر والأردن، والعلاقات التجارية مع دول الخليج.

إن الأمن القومى المصرى يا سادة يبدأ من البوابة الشرقية، من أراضى الشام فى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين. وعلمنا التاريخ أن الغزاة جاءوا إلى مصر من هذه البوابة، وأن الكيان الصهيونى تم زرعه بواسطة الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية قبيل رحيلها فى زمن التحرر والاستقلال. وكان الغرض من زراعته خلق شوكة فى قلب وصدر وظهر الأمة العربية لإضعافها وتهديدها وتبديد ثرواتها. وجاءت أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية لتحتضن وتربى وتدلل وتصون هذا الكيان، وترعى أمنه، وتساعده على امتلاك أحدث الأسلحة، ليكون الكيان الأقوى فى المنطقة العربية وطوال السنوات السابقة وحتى الآن تستمر حماية أمريكا والدول الغربية للكيان الصهيونى حتى تجىء اللحظة المناسبة لتحقيق حلم مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفيه الدولة الصهيونية الكبرى كأقوى وأهم دولة. وزاد من اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل الانقسام الفلسطينى، والذى يتمثل فى انقسام حماس وفتح، ووقف الانتخابات فى غزة والفصل العملى بين الضفة وغزة. إننا فى مرحلة تتطلب إعادة توحيد القوى الفلسطينية الوطنية على ثوابت النضال الفلسطينى التى تتضمن حق التحرير وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. هذا فى الوقت الذى تم فيه إجهاض تكوين قوة الدفاع العربى المشترك فى اللحظة الأخيرة لصالح إعلان السعودية تشكيل قوة إسلامية سنية تضم تركيا وقطر، واللتين تعيثان فى الأرض العربية فساداً وعنفاً وإرهاباً، مع الدور السلبى الذى لعبه هذا التحالف السنى فى حربه على اليمن فى مارس 2015 بزعم درء الخطر الإيرانى، مما أجهض تحقيق أهداف الثورة اليمنية عام 2011.

ويأتى تفكيك الدولة الليبية منذ تدخل حلف الناتو عقب اندلاع انتفاضة بنى غازى، وتقسيمها العملى وتفتيتها، مما سمح بوجود قاعدة قوية للتنظيم الإرهابى المتطرف داعش، وآفاق تعاونه مع المنظمات الإرهابية الإسلاموية فى أفريقيا ودول المغرب العربى مما يشكل تهديداً كبيراً للأمن القومى المصرى والعربى والأفريقى. وإننى أتساءل كمواطنة مصرية تحيط ببلدها كل هذه الأزمات من منطلق الحرص والخوف والقلق على الأمن القومى المصرى والعربى: ما العلاقة بين إجهاض تكوين قوة الدفاع العربى المشترك لصالح حلف سنى لا يقتصر على العرب، ويجعل إيران العدو الرئيسى وليس الكيان الصهيونى؟ لماذا مبادرة الصلح الآن مع الكيان الصهيونى فى ظل الضعف العربى الذى لا يخدم قضيتهم؟ وما علاقة هذا كله مع الاتفاق السعودى المصرى حولترسيم الحدود وملكية جزيرتى تيران وصنافير بمباركة وعلم أمريكا وإسرائيل؟ أليست تلك كلها تساؤلات وتخوفات مشروعة؟!