رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة للحكومة للتعرف إلى مصر


أقترح على الدولة أن تنظم رحلة للحكومة تتعرف خلالها إلى الشعب المصرى الذى يشاع أنه مضياف وعلى سجيته. بهذه الرحلة نضرب عصفورين بحجر: من ناحية تنشيط السياحة...

... ومن ناحية توطيد علاقة الحكومة بالشعوب الصديقة. وكلى ثقة أن السادة المسئولين سيعودون من رحلتهم بإذن الله غاية فى السعادة محملين بالهدايا التذكارية وأجمل الذكريات. خطرت لى هذه الرحلة بعد أن قرأت عن تكريم الصبى أسامة محمد من قبل اللواء عبد الفتاح حرحور محافظ شمال سيناء. إنه الصبى الذى لم يتجاوز الحادية عشرة لكنه لفت أنظار المؤسسات الحكومية والمدنية والبرامج التليفزيونية والإعلام بشدة بعد أن تسربت إجاباته فى امتحانات الصف الخامس الابتدائى إلى وسائل التواصل الاجتماعى. فى امتحان مادة الإنشاء حول «فضل الأمهات» كتب الصبى بتلقائية:»ماتت أمى ومات معها كل شىء». وأثارت هذه العبارة البسيطة العميقة الرأى العام بجمالها وصدقها وما تنطوى عليه من مشاعر حرمان مريرة. بعدها تخاطفت الأضواء الصبى «أسامة محمد»، وتلقفته باهتمام بالغ البرامج التليفزيونية وصفحات الجرائد والمسئولون الحكوميون وعدسات المصورين، كأنه اكتشاف كوكب جديد، أو هيكل لديناصور من ملايين السنين عثروا عليه كاملاً ! فى برنامج وائل الأبراشى «العاشرة مساء» حكى الطفل قصته. قال إنه يعيش فى قرية بالشيخ زويد بسيناء فى بيت من الصفيح مع تسعة أخوة ووالد مصاب بشلل نصفى، يعيشون بلا كهرباء ولا ماء ولا حتى أسرة للنوم، وقال إنه يعمل فى أيام إجازات المدرسة فى جمع الطماطم والخوخ مع المزارعين ليعول أخوته ووالده، وأنه حين ماتت أمه من أربعة أعوام شعر بأن كل شىء قد مات معها ، فكتب ما أحس به! دهشة الاعلاميين، ونظرات الاستغراب فى عيون المسئولين الحكوميين، وما أحاطوا به الصبى من اهتمام بالغ وتعجب، وتنهدات الأسى، كان جديراً بحالة استثنائية من أوضاع الطفولة بمصر، ومن ثم تستدعى وقفة الذهول تلك! هكذا قرر اللواء عبد الفتاح حرحور -محافظ شمال سيناء- تكريم الصبى المعجزة فى ديوان عام المحافظة بحضور وكيل وزارة التربية ومدير عام الشباب والرياضة ومدير القوى العاملة ومقرر فرع المجلس القومى للمرأة، ومقرر فرع المجلس القومى للأمومة والطفولة، ومقرر فرع المجلس القومى للسكان، ومدير جمعية الفيروز للخدمات الاجتماعية، وتم استضافة الصبى وأسرته بالمدينة الشبابية بالعريش لثلاثة أيام. وقرر المحافظ إهداء أسامة رحلة مجانية إلى القاهرة للتعرف إلى معالمها! ألا يعرف كل أولئك السادة أن بمصر عشرة ملايين طفل فقير؟ من بينهم نحو مليونى طفل يعملون فى الأعمال الشاقة؟ وأن عدد أطفال الشوارع بلغ ثلاثة ملايين؟ وإذا كانت حالة أسامة محمد قد فاجأت المسئولين وأجرت دموعهم ألا يعنى ذلك أنهم لا يعرفون مصر أصلاً؟ ولا يعلمون أن عليهم أن يحلوا – ليس مشكلة أسامة- لكن مشكلة جميع الأطفال فى مصر؟ أم أنه ينبغى على كل طفل أن يبتدع عبارة رشيقة ذكية لينتزع جزءاً من حقوقه أو يبقى فى عتمة الشوارع؟. ومادامت الحكومة مدهوشة لهذه الدرجة من حالة هى نموذج لوضع عام، فإننى أقترح بجدية تنظيم رحلة للحكومة للتعرف إلى الشعب المصرى، بأمل أن يشجع ذلك لاحقاً على تبادل الوفود والبعثات، وكلى ثقة أن المسئولين سيرجعون من مصر إلى الحكومة بأجمل الذكريات عن بلد عريق وشعب صديق طالما وقف إلى جوارنا فى المحن والشدائد.