رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانتماء.. للوطن أم للطائفة؟


الانتماء غريزة طبيعية لدى الإنسان، تتكون وتتراكم عبر مسيرة عمره آخذة أشكالا متنوعة وأساليب متعددة، فمنذ ولادة الطفل وتتكون لديه ميول إلى الأم نتيجة لحنانها له ورعايتها الدائمة والمستمرة تلبية لاحتياجاته يرتبط الطفل بالأم أكثر من أى إنسان آخر، ثم مع التدارك المستمر والمتصاعد للأشياء ولما حوله يتولد لدى الطفل ميول انتمائية إلى الأسرة الصغيرة الأب والأخوات وباقى أفراد الأسرة، ثم تزداد مساحة هذا الانتماء وتتسع بالانتماء إلى الشارع والحى والمدرسة وزملائه بها ثم إلى بلدته الصغيرة وصولاً إلى الوطن بعد المرور الأهم إلى الانتماء إلى الدين الذى ولد عليه وتربى على قيمه وطقوسه مع الانتماء إلى العائلة أو القبيلة.

فسلم هذه الانتماءات يتسع ويضيق حسب قدرة الشخص وإمكاناته الذاتية فى العلاقات وتحصيله الثقافى ودرجة وعيه بشكل عام، فكلما اتسعت هذه المساحات اتسعت معها دوائر هذا الانتماء.

مع العلم فإنه فى الإطار العملى لهذه الانتماءات فهى تكون دائماً تلبية لقضاء الحاجة وسبيلاً لإثبات الذات سواء كان هذا على المستوى العملى الحياتى والحاجاتى أو النفسى والعاطفى، فالانتماء للأسرة لأنها توفر له كل سبل الحياة المادية والمعنوية والانتماء للعائلة والقبيلة فى المجتمعات القبلية لأنها توفر له إثبات الذات والراحة النفسية لمواجهة الآخر والانتماء للدين لأن الدينالموروث، ومع أهميته للفرد وللإنسان، حيث إنه يحدد له مجموعة القيم والمبادئ والأخلاقيات والمقاصد العليا التى تحكم حياة الفرد وسلوكه على الأرض، كما أنها تعد له ما يستحقه بعد الموت فى الحياة الآخرة، إضافة إلى أن الدين الموروث هذا يعد ميراثاً اجتماعياً يجب التمسك به، وتركه والعدول عنه يعتبر عاراً اجتماعياً أيضاً.

أما الانتماء للوطن فهو أعلى سلم الانتماء، حيث الانتماء إلى قيمة عليا فى إطارها المعنوى، فمثلاً فنحن لا ننتمى إلى الوطن الشارع والمبانى والمؤسسات أو الأهرام ولكن ننتمى إلى فكرة الوطن الذى نعيش على أرضه ونحتمى بسمائه وننعم بخيراته، ننتمى إلى الوطن الذى يحمينا من غوائل الزمن وتقلبات الحياة ويدافع عنا فى مواجهة الأعداء، الوطن الذى يحقق العدل بين مواطنيه، إذن فالانتماء قيمة معنوية فى المقام الأول تعتمد على العطاء المادى المتبادل مثل الحب الذى يجب أن يكون بين طرفين متحابين متجاوبين، فإذا كان من طرف واحد فلا علم للطرف الآخر بهذا الحب، وهنا ينتفى التفاعل النفسى والإنسانى، فكم نسمع على جرائم بين الآباء والأمهات والأبناء تصل إلى حد القتل فهذا عندما تصل العلاقة إلى الطريق المسدود الذى يمنع قناة التواصل من الالتقاء، ولذا نجد وعند انسداد هذه القناة بين المواطن والوطن، عندما يشعر المواطن بالظلم وعدم المساواة وغياب العدالة وتفشى الفساد والرشوة والمحسوبية وإهدار الفرص وعدم أخذ الحق وعدم تطبيق القانون على القادر والقوى والواصل وتطبيقه على من لا سند له ومن لا ظهر يحميه.

عندما يشعر المواطن أن مقدرات الوطن ليست له ولا نصيب له فيها ولكنها للمطبلاتية والمنافقين والسماسرة وبطانة الأنظمة وكل نظام، عندما تتفشى الواسطة وتصبح فرص العمل والترقى بل التواجد عن طريق التوريث فيصبح ابن القاضى قاضياً، وابن عامل النظافة لا يصل إلى الموقع بالرغم من كفاءته ولكن يكون الموقع لابن القاضى والضابط وأستاذ الجامعة ولكل من له واسطة، عندما يفقد المواطن إحساسه بالمساواة والمواطنة عندما يصبح الدستور مواد صماء على الورق لا تطبيق لها، وعندما يصبح القانون غائباً ومغيباً هنا لا نستطيع أن نتحدث عن أى انتماء حقيقى وفعلى، وهنا نجد أن الانتماء ينحسر ويتضاءل إلى قواعده الأولى إلى الأسرة أو القبيلة أو الطائفة، وهنا وبكل وضوح وصراحة وفى ظل المناخ الطائفى الذى نعيشه وتعيشه المنطقة بل العالم خاصة بعد إعلان ما يسمى بـ«صراع الحضارات أو الثقافات أو الأديان» قد أصبح الانتماء إلى التدين الشكلى وليس الدين الإيمانى العميق هو هذا الانتماء الظاهر والطافح على جلد الوطن.

فالانتماء الدينى الحقيقى لا غبار عليه ومطلوب بل هو الطريق الصحيح والقديم لباقى الانتماءات خاصة الانتماء للوطن.

ولكن لأنه تدين شكلي، فهنا يصبح الانتماء لهذا التدين الشكلى الذى يأخذ شكل صراع على السلطة والنفوذ والاستحواذ وباسم الدين فيتولد التعصب الأعمى والتطرف الإرهابى ورفض الآخر وعدم قبوله، وهنا يصبح الآخر كل ما هو خارج الانتماء الدينى ومنها الوطن الذى يصبح الانتماء إليه نقيضاً للانتماء إلى الدين، ولذا فلكى يكون الانتماء للوطن لا للطائفة لابد من تفعيل الدستور وتطبيق القانون والقضاء على الفساد والمحسوبية والواسطة، وأن يشعر المواطن أنه أبن لهذا الوطن مثل كل المواطنين بلا تفرقة على أى أساس دينى أو اجتماعى أو طبقى، الانتماء هو أن تكون بحق مصر لكل المصريين.