رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لغتنا.. هويتنا!


اللغة العربية هى الوعاء الذى يحوى ثقافة الأمة وفكرها وحضارتها وتراثها، ولقد صمدت أمام محاولات تذويبها خلال القرون الطويلة بفضل انفتاحها المستمر على الثقافات والحضارات وقطعت مراحل حضارية وفكرية لم تقطعها اللغات الأخرى على مدى عمرها وعطائها وقدرتها...

... لذا ينبغى الحفاظ عليها والاهتمام بها من حيث طريقة رسم الحروف وضبطها بالشكل، كى تعطى المعنى والدلالة بل والإشارة إلى الزمن إذا كان فى الماضى أو المضارع أو المستقبل.والجميل فى لغتنا العربية استخدام حروف الهجاء فيها لكتابة العديد من اللغات الآسيوية والأفريقية، مثل اللغة العربية والأردية. واللغة العثمانية واللغة الفارسية، وهى الأبجدية الثانية من حيث الاستخدام العالمى بعد الأبجدية اللاتينية. وكان أول استخدام لحروف الهجاء العربية فى تدوين النصوص، وأشهرها القرآن الكريم، وبرغم اقتصار هذه الحروف الهجائية على ثمانية وعشرين حرفًا أساسيًا تتنوع بين خط النسخ وخط الرقعة وخط الثُّلث والخط الكوفى والخط الحجازى، إلا أن هذه الحروف صنع منها الأدباء والمفكرون أبدع ما أنتجه العقل العربى من قصص وأشعار وروايات تزخر بها المكتبة العربية على مر العصور والأزمان.والتاريخ يشير إلى أن الأبجدية العربية نشأت وتطورت من الأبجدية الآرامية، وأن أصول الحروف العربية أخذت من الحروف الأبجدية الساميَّة الجنوبية وأنها انتقلت إلى شبه الجزيرة العربية عبر اللغة النبطيَّة فى جنوب الشام، ولانعرف كيف كانت الكتابة فى الأبجدية العربية تكتب بلا تنقيط أو ترميز بالحركات الصوتية ونحوها، حتى مجئ الفتح الإسلامى ودخول العرب فى الدين الجديد مع غيرهم، فرأى أبوالأسود الدؤلى بعد مشورة الإمام على بن أبى طالب ـ أن يضع قواعد الكلام، ووضع الحركات كمعين لمعرفة أحوال الكلام العربى بين العلامة الاعرابية المختلفة، ثم جاء زمن الحجاج بن يوسف فرأى أيضًا خط العجم فى القرآن وكان متقنا للقرآن والعربية، فأمر العلماء بإحصاء آيات القرآن وحروفه ثم وضع التنقيط المعروف مع اختلاف بين تنقيط أهل المشرق وأهل المغرب وهو لا يكاد يذكر.

وبرغم كل هذا التاريخ العريق والجلال بما يشبه القدسية للحروف العربية التى حملت آيات القرآن العظيم، نجد من يشوهون جمالها وتكوينها بكتابتها بطريقة عشوائية تضيع معها المعانى ودلالات الألفاظ، ومما يدعو للأسف أن وسائل الإعلام والثقافة تستخدم اللغة العربية المتأرجحة بين صفاء اللغة الفصحى البسيطة مع إدماج اللهجات العامية المتداولة فى المجتمع وحشرها داخل المتن، وكأن اللغة العربية مقصورة عن التعبير عما يريدون إيصاله للمستمع أو المشاهد المستهدف بالإعلان، علاوة على ما يشوب الألفاظ من تحريف للفصحى وجمالها، ولست بصدد إبداء العداء للهجة العامية فهى الوجه الآخر للغة المتداولة بين أفراد المجتمع ؛ وتكمن الخطورة فى هذه الاستخدامات أن اللهجة العامية تهمل الإعراب وتعمل على تغيير الحركات فى أواخر الأسماءوالأفعال وهذا يعد من أهم خصائص الفصحى وجزءًا لايتجزأ من النطق بالعربية سواء فى القرآن الكريم أو فى الشعر والإبداعات الأدبية بشكل ٍ عام.

وما يحزننى هو تعريب بعض الألفاظ الأجنبية ولىْ ذراعها لتكون ضمن الجُمل المستخدمة فى لغة التخاطب والإعلان وإطلاق هذه الأسماء على محال البدالين والقصابين، حتى نجد من يكتب عنوانه: «المدينة سوبر ماركت!» أو «رستوران السعادة!»، ناهيك عن طرق الكتابة على الانترنت والهواتف المحمولة التى تحل الارقام محل بعض حروف العربية؛ وهذا يدعو إلى الريبة فىأنها حرب غير معلنة على العربية من أعدائها الذين يحاولون طمس الهوية بكل أشكالها، وسوء استخدام لها من أبنائها، الأمر الذى إذا مااستمر فإنه بالضرورة سيحطم قواعد هذه اللغة بالإلحاح على تعويد الأذن على سماع مايشبه الرطانة بتلك اللغة الغريبة المختلطة التى تعمل على تحطيم الذائقة الجمالية، بل وادعى أنها تلوث المحيط الاجتماعى شكلاً ومضمونًا خاصة أن مجتمعاتنا تعانى من نسبة عالية من الأميَّة الثقافية، علاوة على الأميَّة قراءة وكتابة.

نحن فى انتظار تفعيل القوانين الموجودة بضرورة استخدام اللغة العربية الصحيحة فى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة، وإعادة الرونق العربى الأصيل لكل المؤتمرات والندوات العلمية، وإلزام الجميع بعدم إطلاق المسميات الأجنبية على الشركات والمحال العامة والخاصة. فالغيرة على لغتنا تحفظ لنا هويتنا وجذورنا وتعزز الانتماء للوطن.