رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرويات

الكاتب الإنجليزى
الكاتب الإنجليزى كولن ويلسون

وجدت النظام الذى وفّره لى الزواج مرضيًا لى للغاية: كنت أعود من العمل لأجد عشائى جاهزًا، ثم قد نذهب أنا وبيتى إلى السينما، أو قد أذهب بمفردى إلى المكتبة المحلية، وفى الساعة التاسعة والنصف من مساء كل يوم كنا نفتح أسرتنا المحشورة فى حائط غرفة النوم وندلف معًا تحت الغطاء لنقرأ، وكنا نخرج أحيانًا فى عطلات نهاية الأسبوع للذهاب فى رحلات بالحافلة إلى أطراف لندن، أو قد نذهب مشيًا على الأقدام للتنزه حول محيط منطقة فينكلى، وكان يحصل أحيانًا أن أستقل الحافلة وحدى، وأمضى إلى المتحف البريطانى، وأقضى مساء يوم الأحد بكامله فى كتابة روايتى التى انشغلت بها بعد زواجى مباشرة، ولم أكن أفعل هذا لأن المتحف البريطانى كان المكان الأكثر ملاءمة للكتابة لى، بالمقارنة مع المنزل، بل لمحض انتشائى بالتفكير أننى أكتب فى ذات المكان الذى كتب فيه كل من صامويل بتلر، وكارل مارکس، وبرناردشو وویلز و.... و...، وحينما صدرت الطبعة الأولى من «اللامنتمى» شعرْت ببهجة عظيمة عندما قرأت فى إحدى الصحف تأكيدًا على أمر إدمانى القراءة والكتابة فى قاعة المتحف البريطانى، الأمر الذى ترتب عليه إضافة اسمى إلى قائمة من واظبوا على القراءة والكتابة فى هذه القاعة الخالدة. أظن أننى أدرك اليوم السبب وراء السعادة التى غمرتنى بعد أن غدوت متزوجًا: كان الزواج بشكل ما تعبيرًا عن نزوعى القديم للنظام والانضباط وسط فوضى العالم الخانقة، فالأطفال مثلًا يتلذذون بسماع القصص والحكايات، لأنها تنطوى على فوضى أقل بكثير للغاية مما يختبرونه فى العالم الحقيقى، ولا يكون عليهم أثناء متابعة القصة أو الحكاية التيه فى حيرة الاختيار بين المواقف، كما لا يتوجب عليهم أن يفسروا شيئًا، لأن الحكاية التى بين أيديهم تحدد المسارات التالية بشكل غاية فى الوضوح والبساطة تمامًا كما تنساب المياه فى قناة محددة الاتجاه، أما فى الحياة الحقيقية فثمة الكثير من الاتجاهات المتضادة التى لا تتيح لنا بلوغ السعادة التى يختبرها الأطفال مع الحكايات إلا فى لحظات نادرة ثمينة كمثل الاحتفال بعيد الميلاد أو الذهاب إلى مسرح الدمى المتحركة، وثمّة أمر آخر: فالأطفال الصغار جدًا يتطورون فى حياتهم وهم تحت مظلة حماية الحب الأبوى الذى يغدق عليهم بلا حساب، ولكن هذه المظلة الحمائية تبدأ بالخفوت مع بلوغ الأطفال سن السابعة عندما يتوجب عليهم أن يكونوا أكثر استقلالًا عن ذى قبل، وحينها يبدأ الأطفال فى اختبار أولى الوسائل التى تعلمهم كيفية التعامل مع الفوضى المطبقة على العالم، وفيما يخصنى أنا فقد عشت معظم سنوات عمرى حتى بلغت العشرين، وأنا مفتقد إلى الحد الأدنى من الحب والرعاية والحنان، لذا كان لزامًا على أن أكتشف وسائلى الخاصة فى كيفية التعامل مع الفوضى منذ وقت مبكر، وعندما تزوّجْتُ بدا لى أننى انزلقْتُ إلى ما يشبه عالم الطفولة الآمنة السعيدة المطمئنة بعد أن تصادف ووجدت شخصًا آخر يتفق معى اتفاقًا عميقًا ويؤمن بى وبقدراتى ويطهو لى طعامى ويطلب إلى أن يساعدنى فى خلع ملابسى! وباختصار شديد كان الزواج لى كمن يسترخى فى حوض حمام ساخن بعد يوم طويل من الكدح الشاق.

حصل قبل موعد ولادة طفلنا أن نبهتنا مالكة المنزل الذى نقيم فى إحدى غرفه إلى ضرورة إخلاء الغرفة مع ولادة الطفل، والحقيقة أنها كانت قد حذرتنا بضرورة إخلاء الغرفة متى ما ولد الطفل من قبل، لكونها كانت مهووسة بالتحسب لاحتمال أن يولد الطفل قبل أوانه الموعود، فتبقى أسرتها متيقظة طوال الليل بسبب صراخه، وكانت تجربتى السابقة مع مؤجرى الشقق من النساء قد أقنعتنى على نحو حاسم بوجوب توقع أسوأ الأمور منهن حتى ترسخت لدى قناعة بأن المرأة متى ما صارت تدير منزلًا للإيجار فإن هذا إعلان مؤكد لخسارة روحها الأنثوية الخالدة! وكنت تواقًا فى أن أرى إنجلترا تُحكم بنظام ديكتاتورى قاس يجمع كل مؤجرات الشقق السكنية فى سجن على ظهر سفينة تأخذهن إلى منطقة نائية معزولة- مثل باتاغونيا Patagonia- حيث يقضين البقية الباقية من أعمارهن فى تعذيب بعضهن البعض بفعل الغلظة والغباوة اللتين جبلن عليهما.

من سيرته الذاتية: حلم غاية ما

ترجمة لطيفة الدليمى