رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبناء قطاع غزة لـ"الدستور": محرومون من الفرحة بسبب ما نتعرض له من جرائم وحشية ومجاعة.. وما زلنا نبحث عن جثث أهالينا

اهالى غزة
اهالى غزة

فيما تشعر الشعوب الإسلامية جميعها بفرحة عيد الفطر المبارك، يشعر أشقاؤنا فى غزة بغُصة فى حلوقهم، تمنع عنهم أى فرحة وبهجة، فى ظل ما يعانونه من أكبر عملية إبادة جماعية، وأسوأ كارثة إنسانية عرفها التاريخ الحديث. 

وتحدثت «الدستور» مع عدد من أهالى غزة، الذين تألموا كثيرًا وهم يحكون عن أجواء العيد لديهم، ساردين الكثير من الأحداث والجرائم المروعة التى تعرضوا لها، على يد قوات الاحتلال خلال العدوان الحالى. 

رامز الصورى:  دمروا الكنيسة فوق رءوسنا فاسشهد أفراد عائلتى.. والرمال تلونت بالدماء

كشف رامز الصورى، مواطن فلسطينى من شمال القطاع، عن أن ١٩ من أبناء عائلته استشهدوا، منهم أولاده الثلاثة، نتيجة استهداف كنيسة القديس بيرفيريوس فى غزة أكتوبر الماضى.

قال «فى بداية استهداف المكان كنا فى ذهول وصدمة من هول الكارثة، إذ كان المبنى يضم ٩٧ شخصًا، وبعد أن أفقنا من الصدمة، اكتشفنا وجود شهداء ومصابين، وبدأنا بانتشال ابنى من بين الأنقاض وأبناء عمى، ولكن كانت إمكاناتنا ضعيفة، وتمكن الدفاع المدنى من انتشال الباقى من النساء والأطفال».

وأضاف «الصورى» أن الأوضاع كانت صعبة للغاية مع القصف، والخوف الشديد من الأطفال والنساء والشيوخ، خاصة أنهم تركوا كل ذكرياتهم خلفهم، ولجأوا إلى الكنيسة لحمايتهم، ولكن كانت مشيئة الله أكبر من الجميع».

وأكمل: «عشنا صدمة، وما زالت الصدمة موجودة، ولا يزال الخوف موجودًا، وعشنا مراحل أصعب مع دخول الاحتلال بريًا إلى القطاع ووصوله إلى وسط مدينة غزة، وتحديدًا إلى البلدة القديمة، التى كانت تضم مستشفى الأهلى العربى المعمدانى، حيث توجه الجيش إلى المستشفى لإخلائه واعتقال من كان فيه من مرضى وأطباء وحكماء وتمريض وفنيى صيانة».

وواصل: «عشنا أيامًا من الرعب مع أصوات أزيز الرصاص وصوت الطائرات وغاراتها، واستهدافها مجمل مدينة غزة بأحيائها السكنية والتجارية، والأماكن التى يقصفها كان يحرقها، وتركوا أحياء غزة مدمرة، وحينما أنظر إلى المبانى كنت أرى المكان كأنه تعرض لزلزال».

وحول أيام الحصار التى تمر على أهل غزة، قال «قبل الحصار كان الأهالى يزرعون أيامهم جمالًا ومحبة، ويصنعون من الطين حليًا، ومن الماء حياة ومن الهواء قدرة؛ حتى يصبروا ويصابروا على الحياة، فكانت غزة فى كل يوم تجمل بشوارعها ومبانيها وأبراجها وشواطئها الجميلة».

وتابع «مع بداية الحرب كل شىء قد تبدل وتخرب واختفى، اختفيت مبانيها وشوارعها وسكانها وسياراتها، وكل شىء جميل قد ذهب، من خراب ودمار وحرق وقتل، ورائحة الموت فى كل مكان؛ حتى الرمال الصفراء تغير لونها من كثرة الدماء وأصبحت كالطحين».

وحول الأوضاع الحالية، قال «الصورى» إن الأجواء يسودها الحزن والتمنى بانتهاء الحرب والخروج من المأزق بسلام، مع اشتداد المجاعة فى شمال القطاع، وتحديدًا فى مدينة غزة، وازدياد أسعار السلع الأساسية بنحو عشرين ضعفًا».

وذكر أنه فضّل أن يظل فى مدينة غزة، خاصة أنه لا يعرف طبيعة الجنوب، فاختار البقاء رغم قساوة المشهد الذى يراه، وفقدان الأولاد والأهل والأحباب.

سامح أبودية: كل الأسر تعانى ألم الفقد أو إصابة أحد أفرادها

من جنوب قطاع غزة، وتحديدًا مدينة رفح الفلسطينية، قال سامح أبودية، الصحفى الفلسطينى الذى أجبرته الحرب على النزوح عدة مرات، إن مظاهر الفرح التى يجرى تداولها على منصات التواصل الاجتماعى من غزة مصطنعة، وأنه لا يوجد أى شعور حقيقى بالعيد وأن شعائر الصلاة والتكبيرات لم تحدث كما هو معتاد. 

وأضاف، لـ«الدستور»: «هناك آلاف الشهداء والمفقودين، والعائلات لا يوجد لديها أى قبول لفكرة مظاهر العيد، والبعض حاول إدخال الفرح على الأطفال بشراء بعض الألعاب أو الملابس الجديدة وصنع كعك العيد وبسكويت المعمول، لكن لا توجد أسرة فى كل قطاع غزة إلا وقد أصابها ألم الفقد أو لديها مصاب وجريح، أو جرى تدمير منزلها وأجبرت على النزوح». 

وتابع: «هناك مليون ونصف المليون مواطن يعيشون بخيام، والفرحة منقوصة مع استمرار التهجير للشهر السابع، والحرب والعيد يجتمعان فى غزة، وبهذا التناقض أيضًا قضينا شهر رمضان تحت وطأة القتل والتدمير والمجازر، والآن يحل علينا عيد الفطر مع استمرار المجازر التى كان آخرها فى النصيرات ليلة العيد التى استشهد فيها ما لا يقل عن ١٤ مواطنًا، بينهم أطفال ونساء كانوا يتجهزون ويستعدون لاستقبال العيد». 

كما أكد «ع. ص»، نازح فلسطينى إلى جنوب قطاع غزة، ما قالة «أبودية» حول انعدام واختفاء مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك بسبب استمرار الحرب والمجازر الإسرائيلية. 

وقال، لـ«الدستور»، إن هناك مناطق عاد لها سكانها، ولكن لا توجد بها مظاهر احتفال، متابعًا «أى مظاهر احتفال بالعيد وهم عائدون لرفع الشهداء والجثث من تحت الأنقاض، والمنازل مهدمة ومخربة، وهناك الكثير من الجثث عالقة لم يستطع الأهالى انتشالها بسبب غياب فرق الدفاع المدنى والآليات الثقيلة».

عميد عوض: الاحتلال أصر على تدمير مستشفى الشفاء لأنه يضم كوادر 

كشف الدكتور عميد عوض، إخصائى جراحة الأوعية الدموية بمجمع الشفاء الطبى، عن أن الاحتلال دمر المجمع بشكل كامل، لتخريب أهم المقومات الصحية فى القطاع.

وكشف عن أنه تم تعيينه فى المجمع عام ٢٠٠٦ كإخصائى جراحة أوعية دموية، ولديه ذكريات جميلة مع المكان الذى يعد الصرح الأكبر فى فلسطين، والذى انتهى فى لمح البصر وانتهت معه كل أحلامه الشخصية كطبيب».

وتابع: «خلال عملى فى المجمع أخذت كل خبراتى منه ومن أساتذتنا، ومنهم رئيس القسم الدكتور إسماعيل الجدبا، الذى أعطانا كل خبرته فى جراحة الأوعية الدموية، وخضنا جميع الحروب التى وقعت قبل ذلك فى غزة، وعالجنا الكثير من المصابين والجرحى، وغير ذلك من مرضى القدم السكرى، وغيرها من جراحات الأوعية الدموية». 

وواصل: «كانت حياتنا فى مستشفى الشفاء، كنا تقريبًا موجودين بشكل دائم فى المستشفى بسبب كثرة العمل هناك، وكنا يوميًا نجرى عملية، جميع الأطباء تحت التدريب كانوا يتدربون فى المستشفى ويكتسبون الخبرات كليًا من الأطباء الأكبر سنًا وخبرة».

وأشار إلى أن قسم القلب وجراحة القلب والأشعة التداخلية بالنسبة لأمراض القلب كان كبيرًا جدًا، ويجرى عمليات بشكل احترافى، قائلًا: «أنا شخصيًا تم تركيب أكثر من دعامة فى القلب لى فى المكان، فهناك خلية نحل كاملة متكاملة فى مجمع الشفاء».

وتابع «هذا المستشفى بالفعل تربينا فيه وترعرعنا فيه، وأنقذنا حياة الكثير من المرضى وحياة المصابين وحياة الكهلة الأكبر سنًا، وخلال فترة كورونا، كان مجمع الشفاء يعمل على مدار الساعة دون كلل ودون راحة، كان الكل يعمل». 

وقال: «لكن حسبنا الله ونعم الوكيل، كل شىء تدمر فى هذا المستشفى، الاحتلال كان مصرًا على القضاء على هذا الصرح الطبى الكبير، كان مصرًا على تدمير هذا المستشفى بالذات، لأنه هو المستشفى الوحيد الذى يخرج منه الأطباء الحاملون البورد، لكن الاحتلال لا يريد هذا نهائيًا».

وأكمل: «الكثير من الشخصيات العريقة من الأطباء والجراحين الماهرين، كانوا موجودين بمجمع الشفاء، وهناك الكثير من الحالات الأكثر ندرة فى قطاع غزة كانت تجرى لهم عمليات فى مجمع الشفاء، وهى عمليات لم تحدث فى مناطق الجوار نهائيًا»، متابعًا «لكن قدر الله وما شاء فعل، هذا هو الاحتلال الاسرائيلى، هذه عنجهية الاحتلال الذى عمل على تدمير مستشفى الشفاء، وحسبنا الله ونعم الوكيل».

وأكد أن هناك كثيرًا من العمليات تمت فى مستشفى الشفاء، وكانت نادرة جدًا، منها تذويب الجلطات الدماغية، وأمراض القلب، وكان به الكثير من أطباء القلب الذين لهم باع طويل فى علاج الأزمة القلبية الحادة، وغير ذلك من عمليات جراحة الأعصاب واستئصال الأورام فى الدماغ، وعمل الغضروف فى الرقبة، لافتًا إلى أن القسم تم حرقه بالكامل بالأجهزة، بجانب قسم القلب الذى تم حرقه أيضًا بالكامل بالأجهزة التى كانت موجودة فيه.

وشدد على أن ما حدث فى مجمع الشفاء الطبى يبكى القلب، قائلًا: «نحن نبكى دمًا على مستشفانا الذى تربينا فيه، مجمع الشفاء عظم الله أجرنا فيه، لكن إن شاء الله بجهدنا جميعًا كأطباء ومسئولين ووزارة صحة سيعود إلى ما كان عليه، ولكن علينا أن نعمل جميعًا بيد واحدة حتى يعود أفضل من الأول، وبنا وبأولادنا سنعمر غزة كلها وليس الشفاء، ورغم المأساة والحرب ورغم الحرق ورغم الدمار ورغم كل شىء الحمد لله».