رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مأمون فندى.. يا أمريكانى

مقدمة لا بدّ منها

إنّ اهتمام الإنسان بأوطانٍ أخرى على حسابِ وطنهِ يُعدّ خيانةً للانتماءِ والهويةِ. فالإنسانُ الذي لا يُقدر وطنهُ لا يُمكنُهُ أن يُقدّرَ أيّ وطنٍ آخر.

أثناء تصفحي لحسابي على موقع X (تويتر سابقا)، استوقفني منشور لـ”الدكتور” مأمون فندي، لسببين:

  • الأول أنه ذكرني بإحدى المشكلات العويصة التي تزامنت مع ثورة يناير، وهي الرغبة المستمية في الظهور وإبداء الرأي لكل فئات المجتمع بلا استثناء.
  • الثاني أني كلما رأيت أحد أفراد طائفة “المُتشائمون” طوال الوقت؛ تنتبه حواسي، وأفعّل وضع البحث المعمّق للتأكد من كل حرف مكتوب.

وشعوري هنا لا علاقة له بالأشخاص قدر ما له علاقة بكوني صحفيا، يكتنفه الفضول حول كل الأشياء طوال الوقت، ولا داعي لأذكر لكم كم من القصص التي اكتشتفها فقط لأنني تساءلت عما لا يتساءل عنه الآخرون.

لماذا تلك المقدمة الطويلة؟ لأن ما كتبه “الدكتور” مأمون فندي استفزني لكونه أولا أحد أفراد طائفة “المتشائمون”، وثانيا أن ما كتبه يمس الإعلام المصري، وأنا أعتبرني أحد أبناء المدرسة المصرية الإعلامية التي أفتخر بالانتماء إليها.

في البداية توقعت أن “مأمون فندي” دكتور عالم دارس، بنى مقالاته وكتاباته النقدية على علمه وخبرته على مر السنين، فعدت للوراء لأقرأ ما كتب، لأستطيع أن أضعه موضعه الحقيقي كدكتور وباحث وعالم كما يقدم نفسه.

يقدم الدكتور نفسه باعتباره مدير معهد لندن للاستراتيجية العالمية، وباحث أقدم في معهد بيكر، وأحد خبراء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. لكن قبل أن تنبهر، وهذا الطلب ليس متعلقا بشخص “فندي”، بل بشكل عام، حتى لا تكون أحد أعضاء "غرف الصدى”، يجب عليك أن تتحقق من كل شيء.

فبعد بحث سريع، وجدت ما هالني، فـ”فندي” أفندي الذي يقدم نفسه كدكتور وباحث هو مجرد مدع آخر ممن لحقوا بـ"شو الثورة"، لا تكاد تفرق بينه وبين هؤلاء ممن كانوا يدعون للثورة عبر "فيسبوك" وهم خارج مصر، أو من يعتقدون أن الثورة فقط تعني حمل المولوتوف وهدم كل ما يقابلك، أو أنها نشأت فقط في شهر يناير 2011، وكلها تصورات بديهية تنم عن عقل فارغ. هؤلاء، وفندي منهم، إذا حللت كلامهم؛ ادعوا أنك تهاجمهم لأنهم معارضين وأنت لا، وإذا هللت لهم تفاعلوا معك باعتباركم زملاء في في "غرفة الصدى" الخاصة بهم.

بالعودة إلى المثال الحالي، الدكتور مأمون فندي، الذي يعرف نفسه كباحث أقدم في معهد بيكر، نجد أنه قد شارك فقط في بحث واحد مع المعهد، والذي يمكن الاطلاع عليه عبر موقع المعهد الإلكتروني. كما يقدم الدكتور فندي نفسه كأحد خبراء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، لكنه ليس بخبير ولا باحث، وهذا يمكن التحقق منه بالنظر إلى صفحة خبراء المعهد. بالإضافة إلى ذلك، يُدعي الدكتور فندي أنه مدير معهد لندن للاستراتيجية العالمية، ولكن هذا المعهد يبدو أنه غير حقيقي، حيث أن رقم الهاتف المرتبط به هو +00 (0) 0 0000 0000 كما يتضح من موقعه الإلكتروني، ولديه عدد كبير جدًا من المتابعين على منصة X، يُقدر بـ 12 متابعًا.

السؤال هنا: 

  1. من هو الدكتور مأمون فندي؟ 
  2. ولماذا ينتحل صفة باحث وخبير وغيرها من الصفات التي لا يقدم أي باحث حقيقي نفسه بها؟

الإجابة ستجدها على لسان “فندي نفسه” في مقال نشره بصحيفة واشنطن بوست عام 2002، قدم فيه نفسه على أنه مجند لدولة أجنبية.

وما يلي ليس افتراءً ولا هو بكلامي، بل هي اقتباسات من كلامه. يشرح الدكتور مأمون فندي في مقاله الذي يحمل عنوان “كيف أصبحت مجندًا لأمريكا” كيف قادته مسيرته الأكاديمية ليحصل على منحة “فولبرايت” وكيف اختلف عن مجتمعه الذي يصفه بـ”الأصولي” في قلب مسقط رأسه “أسيوط”.

وقد يبدو للبعض أثناء قراءة المقال أن العنوان هو مجرد طريقة صحفية لجذب القراء، أو هكذا اعتقدت أنا في البداية، حتى وصلت للجزء الذي قال فيه الدكتور مأمون فندي: “النقطة الأساسية هنا هي أنه بينما نفكر نحن الأمريكيين في الشيخ الأعمى المتطرف من مصر باعتباره مصدرًا للتدمير، يجب أن نفكر أيضًا في أولئك الذين يجعلون كلا المجتمعين فخورين (…) لم يكن زويل لينتهي هنا لولا السخاء الأمريكي.

هكذا إذًا بكل بساطة، يعتبر مأمون فندي نفسه أمريكيا، وأن علماءنا لم يكن ليكونوا لولا السخاء الأمريكي، بل وصل الحد أبعد من ذلك أنه اعتبر نفسه مجندا. وبعد أن عرفت هذا الجزء اليسير الذي اكتشفته خلال بحث لم يستغرق مني سوى دقائق، هل ما زلت تثق في أمثال “فندي” أفندي؟

بدأت رحلتي لاستكشاف دوافع حديث الدكتور مأمون فندي عن الإعلام المصري، لكن سرعان ما أدركت، كوني أحد شباب الإعلام المصري، أنه ليست هناك حاجة لبذل جهد كبير. يمكنك يا دكتور فندي قراءة ما كتبت، واعتباره دليلًا بسيطًا وعمليًا على أحد محاور أسلوب عملنا المتمثل في الحصول على المعلومات وتدقيقها قبل نشرها، بل يمكنك أن تتبع نفس أسلوبي لئلا تضع نفسك في نفس المأزق مجددا.