رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المدار

حنان العطار
حنان العطار

الحجرة مظلمة إلا من وميض ضوء ضعيف يصدر من شاحن الهاتف، كلاهما يخلد إلى النوم يجمعهما السرير نفسه، تعمدت أن تسبقه إليه وتدّعى الدخول فى نوم عميق، يدير ظهره لها، يقع فريسة للحيرة والتفكير، الأمر كله جديد عليه، هدوؤها وانشغالها، تجاهلها، لم يشغل نفسه يومًا بالاهتمام بحالتها، لكنها ما عادت تنتظره بلهفة، توقف جدالها واستجداء مشاعره، تقضى الوقت بعد العمل صامتة، تمسك بهاتفها، واضعة سماعة الأذن، يتساءل مع نفسه ماذا أصابها ويترفع عن سؤالها.

على الطرف الآخر من السرير يدور حوارها مع نفسها، تشعر بالاستغناء، لم تعد تراه، سنوات طويلة تسترضيه، حاولت طوال الوقت أن تبقى على استقرار الكيان الذى صنعاه، تذكر الليالى الكثيرة التى رغبت فيها عناقًا دافئًا يزيل عنها إحساس الوحدة وبرد الغربة، وابتعادها عن الأهل والوطن، تطلب منه وقتًا خاصًا يجمعهما، وقربًا يصنع توازنها، لكنه كان ينهرها ويصفها بالتافهة، ويردد دومًا: «عندنا شغل الصبح، نامى». فتنزل من السكن تسير فى الظلام بين البنايات، تبكى حظها، تستنشق هواء، ربما تنفس عن كبتها.

يتململ فى نومته لكنه لا يستدير، وتظل الهواجس تقتحم عقله، أتكون هذه المرأة قد كرهته؟ أو نبهتها إحدى زميلاتها بأنها تتقاضى راتبًا أكبر من راتبه، وأن أموالها هى التى ساعدت على زيادة الأرصدة وتأمين مستقبل الأولاد، تحفزها على التمرد والاستقلال بأموالها.

برقت فى ذهنه فكرة أخرى مدمرة، هى دخول رجل آخر فى حياة زوجته، خصوصًا أنه سمع من زملائه عن خطورة مواقع التواصل وبرامج التعارف ودورها فى خراب البيوت، فأخذ ينفض عن عقله هذه الأفكار ويكذبها جميعها، ويقول: «زوجتى مستكينة، ربما أنهكتها المسئوليات».

أما هى فما زالت على وضعها فى نومتها، تقول لنفسها: «الآن عرفت قيمتى، شعرت بأنوثتى، لن أترك عمرى يضيع فى معاشرة هذا الرجل، لست بالنسبة له سوى أداة للإنجاب وزيادة الأموال، من الآن سأجعله يندم على حرمانى، أنا سعيدة بالمصادفة التى أرسلت من يفتح عينى، ويمنحنى الاحتواء، لا بدّ أن أتخذ قرارًا يخلصنى من هذا الكابوس، ويحررنى من أى وضع خاطئ، أستطيع مساومته فهو يعشق المال، ويعلم أن معظم الودائع باسمى، أنا لا أطمع فى حياة جديدة بعده، أعرف أنه حلم مستحيل، يكفينى من الحب أنه صالحنى على الحياة».

تشعر بالزوج يتحرك ويسعل سعالًا خفيفًا ينبئ عن أرقه، بينما هو يواصل تقييم الموقف ويضع الفروض والحلول، تسيطر عليه مخاوفه فى استقواء زوجته وانقلاب حياته، بدأ يلوم نفسه على قسوته وإهماله لها، قال لنفسه: «لا بدّ أن أعيدها لتدور فى فلكى ولا تخرج عن المدار».

وقرر أن يستميلها بالعطف والتودد، سيشترى لها غدًا قطعة من الذهب فالنساء يعشقن الذهب، ورأى أن يستدير بوجهه تجاهها ويحتضنها، وعندما فعل ذلك وأصبحا فى مواجهة وقرب حقيقى فتحت عينيها، سحبت نفسها من بين يديه وأطلقتها من فمها كالقنبلة: لو سمحت عايزة أنام عندى شغل الصبح.