رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مداخلة فى موضوع «المقيمين»

أتابع النقاش الدائر حول موضوع «المقيمين» العرب فى مصر، وأرى أن السلبيات ما زالت تغلب الإيجابيات، فالعاطفة تسبق العقل، وصوت التخوين والتكفير أعلى من صوت التفكير والنقاش وكأن بعضهم يمسك مطواة قرن غزال على موقع «إكس» ليرهب بها منافسيه.. من البداية كانت هناك اتهامات جزافية لبعض المقيمين دون دليل.. قال البعض إنهم كلهم من الإخوان! وإن أموالهم مشكوك فى مصدرها، وإن مطاعمهم كلها تقدم غذاءً فاسدًا! وإنهم يتعمدون مضايقة المصريين، وإنهم تركوا أعمالهم التى تدر عليهم الأرباح وتفرغوا لسب المصريين الذين يقيمون بينهم.. من خبرتى فى تحليل الخطاب أقول إن كل هذا كلام مرسل، وبلا دليل، وبلا تحقيق قانونى، وبلا بيانات من أى جهة مسئولة، ولكل هذا هو كلام غير عاقل فى المجمل، وغير مفيد على الإطلاق.. ما هو المفيد فى موضوع المقيمين إذن؟ المفيد هو ما فعله مجلس الوزراء نحو دراسة تكلفة الخدمات المجانية، التى تقدمها الدولة للمقيمين على الموازنة العامة؟ كم طالبًا يتعلم فى التعليم المجانى؟ كم مقيمًا يتلقى رعاية صحية مجانية؟ كم تكلفة كل الخدمات التى يتلقاها المقيم على الخزانة العامة.. بعد حساب هذه التكاليف يمكن أن تخاطب الخارجية المصرية الاتحاد الأوروبى مثلًا.. سنقول إننا فى حاجة للتكاتف معًا حتى نغطى مليار دولار سنويا تتكلفها الخزانة لتقديم خدمات للمقيمين بها.. من مصلحة أوروبا أن يستقر المقيمون فى مصر.. إذا اتضح أننا نتكلف ماديًا فربما ينتج عن هذا هجرة المقيمين العرب لأوروبا.. سيركبون القوارب من كل مكان.. من ليبيا ومن تونس وربما من بعض المناطق فى مصر.. إنهم يبحثون عن مكان للعيش ولا أحد يلومهم على هذا، ولا أحد يمكنه أن يمنعهم، لو استقبلت أوروبا تسعة ملايين لاجئ فى عام واحد فهذا يفتح الباب لمشكلات لا حدود لها.. يمكن للجهات الرسمية لدينا أن تكون محددة أكثر.. يمكننا أن نستثنى أصحاب المشاريع والمستثمرين من الوافدين.. بطبيعة الحال هؤلاء ينفقون على خدمات التعليم والصحة التى يتلقونها، كما أنهم يدفعون الضرائب، الذين سنتحدث عنهم مع المجتمع الدولى هم المقيمون بسطاء الحال الذين لا يدفعون الضرائب لأن دخولهم بسيطة، وبطبيعة الحال يتلقون الخدمات المجانية من الدولة لأن ظروفهم لا تسمح. على عكس كثير من الأصوات المجهولة التى تطالب بترحيل المقيمين أنا أرى أن نبقيهم، وأن نتفاوض مع المجتمع الدولى حتى يمول الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية التى يحصلون عليها.. هذا هو صوت العقل وصوت المصلحة، أول خطوة أن نوقف الهجوم على المستثمرين وأصحاب المشاريع لأنه حتى أمريكا وكندا ترحبان بالمستثمر وتمنحانه الجنسية فورًا، ثانى خطوة أن نحصر التكلفة التى تتكلفها الخزانة العامة من خدمة المقيم الفقير، ثالث خطوة أن نخاطب الاتحاد الأوروبى بشكل رسمى ونحدد مهلة يتم خلالها تحديد تمويل مناسب لهذه الخدمات، أو إسقاط جزء من الديون لدى دول الاتحاد، كى تجد مصر الجهد الكافى لتمويل هذه الخدمات.. إذا لم يحدث هذا فمن حق مصر وواجبها أن تترك هؤلاء المقيمين يسافرون إلى أى مكان، وغالبًا سيسافرون إلى أوروبا من خلال البحر.. وهذا أمر لا شأن لنا به. 

أما فى نهاية المقال فأريد أن أقول إننى مررت أمس الأول بصديق يملك مطعمًا للسمك فى مدينة ٦ أكتوبر.. فوجدته قد افتتح فرعًا جديدًا وقال لى السبب «السودانيون يعشقون السمك المقلى.. من العصر وحتى الفجر يطلبون السمك المقلى.. بالثلاثة والأربعة كيلو»! هذا الرجل مصرى، والعمال الذين يوظفهم مصريون، والسمك الذى يطهيه مصرى وأرباحه يدفع عنها الضرائب فى مصر.. وقد زادت أرباحه بسبب زيادة عدد المقيمين العرب فى مصر.. نريد نظرة أوسع لكل الظواهر حولنا.. بدلًا من النقاش بطريقة «قرن الغزال»! والله أعلى وأعلم.