رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توترات البحر الأحمر تعيد أزمة سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار

جريدة الدستور

أكد عدد من خبراء الاقتصاد أن استمرار الاضطرابات فى حركة الشحن بالبحر الأحمر، من شأنه إحياء أزمة سلاسل التوريد من جديد، ما سيرفع الأسعار على مستوى العالم، على المديين المتوسط والبعيد.

وأوضح الخبراء أن ما يحدث الآن يؤثر على تكاليف الشحن، لترتفع كما حدث خلال انتشار فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

وحسب شبكة «سى إن بى سى» الأمريكية، فإن الهجمات على السفن فى البحر الأحمر تستمر فى دفع أسعار الشحن البحرى إلى الارتفاع، ما يضاعف معدلات التضخم ويتسبب فى تأخر وصول البضائع.

وأوضحت الشبكة: «لتجنب الهجمات التى يشنها الحوثيون المدعومون من إيران والمتمركزون فى اليمن، حوّلت شركات الشحن أكثر من ٢٠٠ مليار دولار من التجارة على مدى الأسابيع القليلة الماضية بعيدًا عن طريق التجارة المهمة فى الشرق الأوسط، التى تربط، إلى جانب قناة السويس، البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندى».

وأضافت: «ما يحدث فى المنطقة تسبب فى زيادة أسعار الشحن يوميًا، وإضافة رسوم جديدة، فضلًا عن طول مدة الشحن، والتهديد بتأخر منتجات الربيع والصيف بسبب وصول السفن متأخرة إلى الصين».

وقال لارى ليندسى، الرئيس التنفيذى لشركة الاستشارات الاقتصادية العالمية مجموعة «ليندسى»، إن أزمة سلاسل التوريد التى تسببت فى حدوث تضخم ٢٠٢٢ قد تعود من جديد؛ إذا استمرت المشاكل فى البحر الأحمر والمحيط الهندى، ويكافح مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى والبنوك المركزية الأخرى ارتفاع معدلات التضخم من خلال زيادة أسعار الفائدة.

ولفتت الشبكة إلى أن ثمة عوامل أخرى قد تؤثر على أسعار السلع بخلاف اضطرابات البحر الأحمر، منها أنه لا يتم استخدام حوالى ٢٠٪ من سعة السفن بسبب الانخفاض الكبير فى طلبات التصنيع، وفقًا لخبراء الصناعة، وبدلًا من ذلك، تستمر شركات النقل البحرى فى خفض رحلاتها البحرية، فى حين تعمل السعة المحدودة وأوقات السفر الأطول على زيادة الأسعار.

وأضافت أن أسعار الشحن من آسيا إلى شمال أوروبا ارتفعت بأكثر من الضعف هذا الأسبوع لتتجاوز ٤ آلاف دولار لكل وحدة تعادل ٤٠ قدمًا «حاوية»، وارتفعت الأسعار فى منطقة آسيا والبحر الأبيض المتوسط إلى ٥ آلاف و١٧٥ دولارًا للحاوية، وأعلن بعض شركات النقل عن أسعار تزيد على ٦ آلاف دولار لكل حاوية ٤٠ قدمًا لشحنات البحر الأبيض المتوسط بدءًا من منتصف الشهر، مع رسوم إضافية تتراوح بين ٥٠٠ دولار و٢٧٠٠ دولار لكل حاوية.

وقال آلان باير، الرئيس التنفيذى لشركة الشحن «OL-USA»: «نظرًا للحركة التصاعدية المفاجئة لأسعار الشحن البحرى، فمن المتوقع ترجمة هذه الزيادة بالسلب على سلاسل التوريد ومن ثمّ على المستهلكين خلال الربع الأول من العام الجارى».

وأضاف «باير» أن الشركات تعلمت الكثير خلال فوضى سلسلة التوريد فى الفترة ٢٠٢١/٢٠٢٢، لذا ستعدل الأسعار عاجلًا وليس آجلًا.

وأفادت الشبكة الأمريكية بأن أسعار الشحن من آسيا إلى الساحل الشرقى لأمريكا الشمالية ارتفعت بنسبة ٥٥٪ لتصل إلى ٣ آلاف و٩٠٠ دولار لكل حاوية ٤٠ قدمًا. وارتفعت أسعار الساحل الغربى بنسبة ٦٣٪ إلى أكثر من ٢٧٠٠ دولار، ومن المتوقع أن يبدأ المزيد من شركات الشحن فى تجنب الساحل الشرقى والاتجاه لموانئ الساحل الغربى.

وأشارت إلى أن عمليات تحويل مسار البضائع بعيدًا عن قناة السويس تؤدى إلى حدوث أضرار، لأن إعادة توجيه السفن حول رأس الرجاء الصالح تضيف بين أسبوعين وأربعة أسابيع لرحلة الذهاب والإياب، وفقًا لشركة «Honor Lane Shipping-HLS»، وتحتاج التحالفات المحيطية إلى المزيد من السفن على كل طريق بالساحل الآسيوى الشرقى للحفاظ على جدول زمنى فعال للشبكة.

وكشفت بيانات التجارة العالمية عن أن ما يتراوح بين ٢٥٪ و٣٠٪ من شحن الحاويات العالمية يمر عبر قناة السويس، وتشير التقديرات إلى أن إعادة التوجيه لطريق رأس الرجاء الصالح يمكن أن يقلل من القدرة الفعالة لشحن الحاويات العالمية بنسبة ١٠٪ إلى ١٥٪.

بينما أكدت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن قناة السويس هى شريان الحياة لنقل البضائع بين آسيا وأوروبا، كما أنها ممر حيوى لشحنات النفط من الخليج العربى إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وإعادة توجيه الشحنات حول رأس الرجاء الصالح تضيف بين ٣ آلاف و٣ آلاف و٥٠٠ ميل بحرى، أى ٦ آلاف كيلومتر، إلى الرحلات التى تربط أوروبا بآسيا، ما يضيف حوالى ١٠ أيام إلى مدة الرحلة، وفقًا لبنك ING الهولندى.

وتابعت أنه مع احتمال فترات شحن أطول، قد يكون هناك تأثير غير مباشر على أوقات التسليم فى موانئ المملكة المتحدة والمراكز الأوروبية الكبيرة، مثل روتردام وأنتويرب وهامبورج، ما يهدد بصدمة تضخمية جديدة للعالم فى ظل تعافيه من صدمات وباء كورونا والصراع الروسى الأوكرانى.

وأضافت أنه من المتوقع أن تكلف إعادة توجيه السفن ما يصل إلى مليون دولار من الوقود الإضافى لكل رحلة ذهابًا وإيابًا بين آسيا وأوروبا، فى حين أن تكاليف التأمين آخذة فى الارتفاع أيضًا، ما يزيد من التكلفة الإجمالية للشحنات.

وأشارت إلى أنه يجرى تحويل مسار الناقلات التى تنقل الديزل ووقود الطائرات من الشرق الأوسط وآسيا، فى حين من المرجح أيضًا أن تتأخر شحنات الحاويات من السلع الاستهلاكية والسلع والملابس والأغذية.

وأفادت الصحيفة بأن تكاليف الشحن يمكن أن يكون لها تأثير تضخمى كبير، فخلال وباء كورونا، قدر صندوق النقد الدولى أن اختناقات سلسلة التوريد العالمية أضافت حوالى نقطة مئوية واحدة إلى التضخم، وخلال الأوقات العادية، تسهم تكاليف الشحن بحوالى ٧٪ من تكاليف الواردات طويلة المدى، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى ٢٥٪ خلال فترة الوباء.

وقال ريس ديفيز، المستشار التجارى الحكومى السابق، الذى يقدم الآن المشورة للعملاء فى شركة «فلينت جلوبال» الاستشارية، إن تكاليف الشحن تأثرت بشكل واضح بالتوترات فى البحر الأحمر، لكن التأثير على التضخم ربما يكون محدودًا.

وأوضحت الصحيفة أنه على الرغم من أن تكاليف الشحن العالمية ارتفعت بشكل حاد فى الأيام الأخيرة بسبب اضطراب البحر الأحمر، إلا أنها لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه قبل عامين.

فيما أفادت شبكة «دويتش فيله» الألمانية بأن العديد من الأزمات الاقتصادية التى شهدها العالم فى السنوات الأخيرة تتعلق بسلاسل التوريد: «لقد أثرت عمليات الإغلاق الوبائية، والحرب فى أوكرانيا، والارتفاع العام فى التضخم العالمى».

وتابعت: «مع حلول عام ٢٠٢٤، ظهر تهديد جديد لسلاسل التوريد العالمية فى البحر الأحمر، إذ أوقفت أكبر شركات شحن الحاويات فى العالم أو علقت خدماتها فى المنطقة بسبب العدد المتزايد من الهجمات على السفن هناك من قِبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين يعملون من اليمن».

وأضافت أن آمال التعافى من الصدمات التضخمية تحطمت مع بداية العام الجديد، عندما أرسلت إيران سفينة حربية إلى البحر الأحمر بعد أن دمرت البحرية الأمريكية ثلاثة زوارق للحوثيين هناك فى اليوم السابق. وقفزت أسعار النفط بأكثر من ٢٪ يوم الثلاثاء، فى أول يوم تداول بعد الهجمات.

وأفادت الشبكة الألمانية بأنه على الرغم من أن الحوثيين يزعمون أنهم يستهدفون السفن المرتبطة بإسرائيل، إلا أنهم شنوا أكثر من ١٠٠ هجوم بطائرات دون طيار وصواريخ على جميع أنواع السفن التى تبحر فى هذا الممر منذ نوفمبر، والسفينة ميرسك التى تعرضت للهجوم فى ٣١ ديسمبر مسجلة فى سنغافورة وتديرها شركة دنماركية.