رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناصح أمين

فيما يخص القضية الفلسطينية يمكن القول إن مصر هى أكبر بيت خبرة يمكنه تقديم النصح لأهل فلسطين، خبرة مصر تكونت عبر تضحيات وحروب ودماء وجولات صراع متعددة، منها ما هو معلن وما هو خفى، لا تفرض مصر شيئًا على أهل فلسطين، ولكنها تقدم نصيحة مخلصة لوجه كل ما هو مشترك بيننا وبين أهل فلسطين، الطبيب لا يمكنه إرغامك على أخذ الدواء، ولكنه فقط يقول لك إن هذا الدواء مناسب لك فى هذا الوقت، وهذه الظروف، الباقى قرارك أنت، تشترى الدواء فورًا وتنتظر النتيجة، تنتظر بعض الوقت حتى يداهمك الألم، تذهب لطبيب آخر.. تجرب الطب الشعبى.. هذا قرارك أنت.. تمامًا كما هو قرار الفلسطينيين الأخذ بالمبادرة المصرية أم لا؟ بادئ ذى بدء فإن البند الأساسى الثابت فى المبادرة المصرية هو «وقف إطلاق النار»، وهو بالتأكيد طلب رئيسى للجميع ما عدا إسرائيل، أما باقى البنود فهى متغيرة، لأن المبادرة تهدف للوساطة بين كل الأطراف، وهى بطبيعتها خاضعة للتفاوض حسب موازين القوى وتغيرها لحظة بلحظة، وموافقة كل الأطراف على الاقتراحات المصرية التى تهدف فى النهاية لإنهاء المعاناة وحقن الدماء.. وفق ما هو معلن، فإن مبادرة مصر تقوم على التدرج عبر ثلاث مراحل والتأنى فى التنفيذ لضمان حسن النوايا.. فى المرحلة الأولى يتم إيقاف النيران لمدة عشرة أيام، تفرج حماس فى بدايتها عن الرهائن من النساء والأطفال، ويفرج الإسرائيليون عن عدد مناسب من الأسرى الفلسطينيين، ويخرج الجيش الإسرائيلى بعيدًا عن مناطق التجمع السكانى فى غزة، ويسمح لأهل غزة الذين هجروا للجنوب بالعودة إلى شمال غزة، وتوقف إسرائيل كل طلعات الطيران، بما فيها مسيرات التصوير والتجسس.. من وجهة نظرى الخاصة فإن تطبيق المبادرة المصرية فى مرحلتها الأولى يؤدى إلى تخلص حماس من عبء احتجاز النساء والأطفال، الذى أدى لإدانتها فى عيون كثير من دول العالم أولًا، ويتيح للمقاتلين تنظيم صفوفهم خلال أيام الهدنة ثانيًا، ويعزز صورة المقاومة فى عيون الشعب بعد الإفراج عن دفعة من الأسرى الفلسطينيين ثالثًا، ويعزز صفوف المقاومة فى حال استئناف القتال بجهود هؤلاء الأسرى رابعًا.. «كل الأسرى كوادر قتالية وسياسية رفيعة وإلا لما سجنوا».. وفق الاقتراح المصرى فستستغرق المرحلة الثانية من الهدنة أسبوعًا، وسيتم فيها الإفراج عن المجندات الإسرائيليات مقابل دفعة يتم الاتفاق عليها من الأسرى وفق نفس الشروط، ثم تأتى المرحلة الثالثة التى يرى المقترح أن تمتد لشهر كامل يجرى خلاله التفاوض حول إفراج حماس عن بقية الرهائن من الذكور والبالغين مقابل إفراج إسرائيل عن دفعة جديدة من الأسرى يتم الاتفاق عليها، على أن يعاد فى هذه المرحلة انتشار القوات الإسرائيلية خارج القطاع، ويستمر إيقاف الغارات الإسرائيلية وتلتزم حماس بوقف إطلاق النار. إن الإفراج عن الرهائن سيبطل حجة حكومة نتنياهو بضرورة استمرار العدوان، وسيضاعف الضغط الأمريكى والعالمى عليها، وبالتالى فستكون الصورة النهائية هى أن إسرائيل حققت نصرًا جزئيًا، لأنها حققت هدف «الإفراج عن الرهائن»، وأنها فى نفس الوقت تلقت «هزيمة استراتيجية» لأنها لم تحقق أهدافًا مثل تهجير أهل غزة، والقضاء على الفصائل المقاومة، أو اغتيال الأسماء التى أعلنت عن نيتها اغتيالها، وبالتالى فوجهة نظرى الخاصة كمحلل أن هذه مبادرة تخدم الفلسطينيين فى المقام الأول، لأنها توقف معاناة أهل غزة من جهة، وتحفظ حياة المقاتلين من جهة ثانية، وتؤدى للإفراج عن الأسرى من جهة ثالثة، وكما أوضح رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، فإن ما قدمته مصر هو مقترحات للمساعدة فى إنهاء الأزمة، والأمر نفسه ينطبق على الأفكار حول مستقبل القطاع. المبادرة المصرية تفكر فى شكل يجمع كل أشكال الطيف الوطنى الفلسطينى، ويحافظ على وجود الجميع وسط مشاعر عدوانية إسرائيلية وأمريكية تجاه حماس والجهاد، وغيرهما من الفصائل، وبالتالى فمصر تقترح خطوطًا عامة هدفها الأساسى حقن الدماء وإيقاف المعاناة، أما بقية التفاصيل فهى من شأن الفلسطينيين أنفسهم.. لذلك كان التوضيح المصرى أكثر من مهم لإيقاف محاولات دءوبة تقوم بها أصوات مشبوهة لتشويه المبادرة المصرية.. ربما لأن إسرائيل أدركت كم هى مفيدة لأهل غزة، فحركت عملاء لها يكتبون بالعربية ويحملون جنسيات عربية ومصرية، للأسف، لتشويه المبادرة المصرية أو لمنع الفلسطينيين من تعاطى الدواء المناسب فى الوقت المناسب.