رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

Planet of the robots.. سؤال اللحظة الفارقة: هل أصبح «الذكاء الاصطناعى» مُهددًا للوجود البشرى؟

الذكاء الاصطناعى
الذكاء الاصطناعى

إن كان برنامج الذكاء الاصطناعى «جوسبيل»، الذى استخدمه الجيش الإسرائيلى مؤخرًا لتحديد الأهداف المراد قصفها فى قطاع غزة، هو أحدث استخدامات «الذكاء الاصطناعى» التى أثارت الجدل مرة أخرى حول ما قد تمثله التطورات المتتالية فى هذا المضمار من تهديدات، فإن مخاطر «الذكاء الاصطناعى» لا تقتصر على المجال العسكرى، وإنما تتعداها لشتى مجالات الحياة، إلى حد بات معه السؤال الأكبر: إلى أى مدى صارت تطورات «الذكاء الاصطناعى» مهددة للوجود البشرى ذاته؟ وما الذى يعنيه أن نكون بشرًا إن كان التطور التقنى قادرًا على التفوق على نقاط تميزنا الإنسانى؟ 

وفيما يركز الباحث فتحى حسين عامر فى كتابه: «الميتافيرس»، الصادر عن دار «العربى» على التطورات التقنية التى قادت إلى «الميتافيرس»، وعلاقتها بـ«الذكاء الاصطناعى»، وما تمثله من تهديدات ومخاطر على حياة البشر وصحتهم الجسدية والنفسية، فإن كتاب: «عصر الذكاء الاصطناعى ومستقبلنا البشرى»، الصادر بترجمة عربية عن دار «التنوير»، لمؤلفيه الثلاثة: هنرى كيسنجر وإريك شميت ودانييل هوتنلوشر، يلقى الضوء على تأثيرات «الذكاء الاصطناعى» على الوجود البشرى، بمعزل عن الاهتمام بتبنى موقف واضح أحادى قوامه التفاؤل أو التشاؤم.

يتفق الباحثون الثلاثة فى كتاب: «عصر الذكاء الاصطناعى ومستقبلنا البشرى» على أن التطورات فى مجال «الذكاء الاصطناعى» تختلف عن أى تغيير تكنولوجى، فعلى الرغم مما شهدته البشرية من تغيرات تكنولوجية عبر التاريخ، فنادرًا ما غيرت التكنولوجيا البنية الاجتماعية والسياسية للمجتمعات بصورة أساسية، إذ كانت الأطر الموجودة مسبقًا تتكيف مع التطورات، وهو ما لا يتحقق مع «الذكاء الاصطناعى» الذى يعد بتغيير جميع عوالم التجربة الإنسانية.

ويرى الباحثون أن «الذكاء الاصطناعى» يوسع ما نعرفه عن الواقع، ويغير كيفية التواصل والاتصال ومشاركة المعلومات، كما يغير النظريات والاستراتيجيات التى نطورها وننشرها، فضلًا عن مشاركة البشر فى استكشاف الواقع وتشكيله، ومن ثم فإنه يغير مفهوم الإنسانية عن الواقع وعن نفسها، كما يفرض طرح أسئلة من قبيل: كيف سنرى أنفسنا؟ وما دورنا فى العالم؟ وكيف سنوفق بين «الذكاء الاصطناعى» ومفاهيم مثل «استقلالية الإنسان» و«كرامة الإنسان»؟

تكتسب تلك الأسئلة أهميتها مما آلت إليه التطورات التفنية، فتفوق العقل البشرى المفترض، الذى أسس لأفكار الإنسان عن ذاته وأهميته، صار اليوم أقرب إلى النهاية، مع انتشار الآلات التى يمكن أن تتطابق مع الذكاء البشرى أو تتجاوزه، بما يعد بتحولات يحتمل أن تكون أكثر عمقًا من تلك الموجودة من قبل، كما أن اقتراب «الذكاء الاصطناعى» من التفكير، الذى كان سمة حصرية للبشر، يعزز من أهمية السؤال حول ما سيعنيه كوننا بشرًا. 

ويثير «الذكاء الاصطناعى»، رغم ما يتيحه من إمكانات هائلة، عددًا من المعضلات فى عوالم الإعلام والسياسة والخطاب والترفيه. وواحدة من المشكلات التى يركز الكتاب عليها هى استخدام «الذكاء الاصطناعى» لتعزيز التحيزات وتقليل فرص الوصول إلى الحقيقة الموضوعيّة. 

قد يجعل إدماج «الذكاء الاصطناعى» فى عملية التعلم من الصعب على البشر التحقق من أن ما يقدمه هذا «الذكاء» يمثلهم، إذ لن يمكنهم دائمًا فهم سبب قيام تطبيقات مثل «تيك توك» و«يوتيوب» بالترويج لمقاطع دون غيرها، ففى عصر «الذكاء الاصطناعى» سيخيب آمال غالبية البشر الذين لا يفهمون عمليات التكنولوجيا وآلياتها.

على الجانب الآخر، فإن القدر الهائل من المعلومات الذى تتيحه «الرقمنة» يقلص المساحة المطلوبة للتفكير العميق والمركز، فأشكال الاتصال السائدة الآن لا تفضى إلى تعزيز التفكير المعتدل أو بناء الأفكار، لاعتمادها على تداول أكبر قدر من المعلومات والآراء. 

قد يكون من البديهى تأكيد أن إبراز مثالب التطورات التقنية لا يعنى الدعوة إلى نبذها، فرفض استخدام «الذكاء الاصطناعى»، لن يقود فقط إلى الانسحاب من وسائل الراحة، مثل توصيات الأفلام الآلية واتجاهات القيادة، لكن أيضًا ترك مجالات واسعة من البيانات والمنصات الشبكية والتقدم الحاصل فى المجالات من الرعاية الصحية إلى التمويل وغير ذلك. 

ومع ذلك، فمن المهم أن يفهم البشر اليوم التحولات التى يحدثها «الذكاء الاصطناعى» فى التجربة البشرية، والتحديات التى يطرحها على الهوية البشرية، وأى من الجوانب تتطلب التنظيم أو الموازنة، فعند كل منعطف سيكون لدى البشرية ٣ خيارات: إما الحد من «الذكاء الاصطناعى»، أو الشراكة معه، أو الإذعان له، وهذه الخيارات ستحدد تطبيق «الذكاء الاصطناعى» على مهمات أو مجالات محددة. 

وينوه الباحثون إلى أن على البشر تحديد دور «الذكاء الاصطناعى»، واتخاذ قرار بشأن جوانب الحياة التى يجب الاحتفاظ بها لـ«الذكاء البشرى»، وأيها يجب أن يتحول إلى «الذكاء الاصطناعى»، أو التعاون بين «الذكاء الاصطناعى» والإنسان، وبناءً على ذلك، يجب تصميم أهداف «الذكاء الاصطناعى» بعناية، خاصة فى المجالات التى يمكن أن تكون قراراته فيها قاتلة، كما لا ينبغى السماح له باتخاذ إجراءات لا رجعة فيها من دون إشراف بشرى أو تحكم مباشر. 

بالتالى، يشدد الكتاب على أن «الهوية البشرية المتناغمة مع العلاقات الجديدة ستعكس مجالات متميزة للقيادة البشرية. كما أن البنى والعادات الاجتماعية اللازمة لفهم الذكاء الاصطناعى والتفاعل معه تفاعلًا مثمرًا ستتطور نحو تأسيس البنية الفكرية والنفسية للتعامل مع الذكاء الاصطناعى، والتكيف فى العديد من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية».

ويرى الباحثون أنه ينبغى على كل مجتمع أن يحدد النطاق الكامل للاستخدامات المسموح بها وغير المسموح بها لـ«الذكاء الاصطناعى» فى مختلف المجالات، فالوصول إلى «ذكاء اصطناعى» ذى فاعلية معينة مثل «الذكاء الاصطناعى الشامل»، سيحتاج إلى رقابة مشددة لمنع إساءة الاستخدام.

كما ينبغى الاتفاق على أمور مثل ضرورة تقييد استخدام «الذكاء الاصطناعى» فى إنتاج الأسلحة البيولوجية وغير ذلك، فثورة «الذكاء الاصطناعى» ستحدث بسرعة أكبر مما يتوقعه معظم البشر، وما لم نطور مفاهيم جديدة لشرح التحولات الناتجة عنها وتنظيمها فلن نكون مستعدين لها، ولن نكون قادرين على تكييف علاقتنا مع واقعها الجديد. 

فى كتاب «الميتافيرس.. ثورة الإعلام الرقمى»، يرصد الباحث فتحى حسين عامر مراحل تطور الشبكة العالمية للإنترنت أو «الويب»، منذ «الجيل الأول» إلى «الجيل الثالث» أو «الويب ٣.٠»، التى أصبحت هى المسيطرة على عالم الإنترنت، وتعد مرحلة متطورة مصممة باستخدام «الذكاء الاصطناعى» والتعلم الآلى، أو ما يمكن أن نطلق عليه «عصر الميتافيرس».

يبين الباحث وجود علاقة وطيدة بين تقنية «الذكاء الاصطناعى» و«الميتافيرس»، فكلاهما يستفيد من الآخر، كما أن «الذكاء الاصطناعى» إحدى الركائز التى يتم بناء «الميتافيرس» عليها فى الوقت الحالى والمستقبل، بدءًا من معالجة البيانات التى ينشئها المستخدم، مرورًا باستخدام النماذج التوليدية التى تخلق بيئات افتراضية واقعية، بالإضافة إلى التعرف على حركات الجسم، وجعل تجربة «ميتافيرس» أكثر طبيعية، علاوة على إتاحة إمكانية إنشاء «شخصيات رقمية» تشبه المستخدمين.

يتوسع الباحث فى تبيان مجالات استخدام تقنية «الميتافيرس» التى تطورت خلال العامين الماضيين، إلى حد صارت معه الشركات التى تتعامل معها هى المهيمنة على قائمة أقوى الشركات على مستوى العالم من حيث القيمة السوقية. وعلى الرغم من أنه لا يزال قيد التطوير، يرى الباحث أن «الميتافيرس» سيصبح أساسيًا فى التنافس بين الشركات التقنية الكبرى، واستكشاف مجموعة متنوعة من الخبرات وإنشائها والمشاركة فيها. 

ويقول الباحث: «عندما لا ندفع الثمن مقابل الخدمة، يجب أن نتأكد أننا نحن المنتج، وأن المسوقين يتاجرون بنا، ونحن مجرد فئران تجارب فى متاهة نظموها مسبقًا وبدقة لتحديد ومراقبة ورسم سلوكياتنا وانفعالاتنا ورغباتنا وفق أهوائهم الشخصية ومصالحهم المادية». 

فرغم المكاسب التى تعد بها التطورات التقنية بشكل عام، فإن «الميتافيرس»، لكونه منظومة تقنية افتراضية تسهم فى انهيار الفجوات بين الواقع والعالم الافتراضى، يحمل عددًا من التهديدات للخصوصية والصحة النفسية والجسدية للبشر يُلقى الكتاب الضوء عليها. 

فمن جانب، يهدد «الميتافيرس» بتقويض الخصوصية، إذ يجمع كمًا هائلًا من البيانات والمعلومات التى تخص المستخدمين التى تسهل عليه التحكم فى المستخدمين. كما أنه يحتوى على كاميرات رقمية متطورة يمكن من خلالها مراقبة الدماغ والتجسس عليه، فضلًا عن أنه يتيح إمكانية التجسس على المعلومات والبيانات السرية والمهمة، نتيجة عدم وجود ضوابط فعلية وصارمة تمنع وقوع الجرائم الإلكترونية الخاصة به. 

وعلى الجانب الآخر، فإن «الميتافيرس» يشى بتهديدات كبرى للصحة العقلية والنفسية، إذ يقود إلى تسريع وتيرة الحياة اليومية بصورة مختلفة عما اعتاد الجسم والدماغ عليه، كما أنه قد يخلق فرصًا للتناحر والسباق بين المستخدمين للوصول لتلك المتعة المزيفة، علاوة على دوره فى زيادة فجوة العزلة الاجتماعية، ما يقلل فرص الترابط الاجتماعى، ويعزز الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب واضطراب القلق. 

يشدد الباحث على أن «الذكاء الاصطناعى» صار أولوية وطنية استراتيجية فى بعض الدول التى تسير فى تقدمها بأعلى المعدلات فى النواحى الاقتصادية والاجتماعية، كما أنه أصبح جزءًا من كل شىء، وفى المستقبل قد يصير من الصعب التصرف فى أى وقت دون الاعتماد عليه فى الحياة اليومية، وكذلك على «الميتافيرس».

ومن ثم فإنه يشدد على أهمية أن يتعرف قادة اليوم والغد على الأساليب العديدة التى يمكن لـ«الذكاء الاصطناعى» أن يسهم بها فى تحسين تجربة استخدام «ميتافيرس» فى مجال العمل والمنزل والتعاملات الاجتماعية والرعاية الصحية، وكذلك تجنب آثاره السلبية المحتملة والوشيكة.